عن الحملة المناهِضة للخدمة المدنية: أين أخطأنا؟



لن نبالغ إذا قلنا إنّ أحد أكبر المخاطر التي تُحيق بشاباتنا وشبابنا العرب هو مشروع ما يسمى بـ"الخدمة المدنية" الذي تروّج له الحكومة ووكلاؤها بعنف في الآونة الأخيرة. فهذا المشروع السلطوي الخبيث هو النتيجة الفعلية الوحيدة التي تمخّضت عنها لجنة لبيد (للتذكير: اللجنة الحكومية التي أقامتها حكومة شارون الثانية عام 2003 للالتفاف على توصيات لجنة التحقيق الرسمية- أور- في مقتل 13 مواطنًا عربيًا في أكتوبر 2000).
ولكن هذه ليست العلاقة الوحيدة مع ذلك الحدث الهام في مسيرة هذا الجزء الباقي في وطنه. ففي أكتوبر 2000 برزت مشاركة شبابية كبيرة في الهبة، وكان أحد استنتاجات السلطة وجوب تدجين الأجيال العربية الصاعدة، خاصة الجيل الحالي؛ جيل الانترنت، المتخبّط أصلا بين العولمة وثقافة الاستهلاك والتحرّر الافتراضي من جهة والأصولية والعائلية والطائفية من جهة أخرى (للمستغربين/ات: تصفحوا أحد المواقع المحلية- بانيت مثلا- وألقوا نظرة على الدُّرر الكامنة في أحشاء التعقيبات. هذا هو واقعنا الأليم).
هدف آخر تنشده السلطة بواسطة "الخدمة المدنية" هو تشديد علامة السؤال الكبيرة على مواطنتنا. الدولة تقول لنا: "تريدون مواطنة كاملة وحقوقًا متساوية؟ تفضلوا.. أدّوا الواجبات إذًا". وكأنّ التمييز نابع من عدم أداء الواجبات، أو أنّ أداءها سيلغي التمييز.

 

*30% فقط!*

الحملة التي قامت وتقوم بها الأحزاب والهيئات والجمعيات تحت سقف لجنة المتابعة العليا، نجحت إلى حد كبير في تحصين الشبيبة المسيّسة والمؤطّرة في أحزاب وحركات ومؤسسات وطنية بشكلٍ كليّ. ولكن فخّ "الخدمة المدنية" ليس منصوبًا لهؤلاء.
قبل شهرين نُشرت نتائج الاستطلاع المثير للجدل الذي أجراه البروفسور سامي سموحة ود. نهاد علي في جامعة حيفا. النتيجة الأخطر كانت برأيي أنّ أكثر من 70% من المستطلعة آراؤهم لا يعرفون أو بالكاد يعرفون شيئًا عن "الخدمة المدنية". ما يعني أنّ الحملة الجماهيرية والإعلامية المناهضة للمشروع وصلت، في أكثر التقديرات تفاؤلا، إلى 30% فقط من جمهور الهدف. أي أننا، بكلمات أخرى، نُقنِع المُقتَنِعين ونعيد إقناعهم المرّة تلو المرّة. الوجوه تتكرّر، والخطابات تتكرّر، ويبقى أثر الحملة محصورًا في نطاق نفس الـ30%.
تنجيع الحملة يتطلب أيضًا إعادة النظر في بعض مضامينها. فالتركيز المبالغ به على علاقة الخدمة المدنية بالخدمة العسكرية والمؤسسة "الأمنية" عمومًا يُبقي متسعًا ضئيلا لمناقشة جوانب أخرى لا تقل أهمية، كماهية المواطنة، ومفهوم المشاركة، وقيمة التطوّع، وعلاقة الحقوق بالواجبات في النظام الدمقراطي، وغير ذلك من ملامح التحدّي السياسي الذي دحرجته السلطة إلى ملعبنا.
من جهة أخرى، فمن الضروريّ وقفُ استعمال كلمة "الخادم" بهذا الشكل السلبي المطلق الدامغ في الحملة، لأن رائحةً استعلائية مقرفة تفوح منه. خاصة حين يرتبط مفهوم "الخدمة" بالأعمال البسيطة (ما يُعرَف في القاموس الأبيض بـ"العمل الأسود") وأعمال التنظيف وما إليها. فعامل النظافة أو القمامة الوطني الشريف - بفطرته الواعية كما قال رفيقي هشام نفاع - قد يكون أنقى وأنظف من كثيرٍ من المولعين بربطات العنق الفرنسية وأحذية الجلد الإيطالية. السؤال هو ماذا ومن تخدم وأين تصبّ هذه الخدمة بالضبط؟
لقد آن الأوان لخوض نقاش سياسي حقيقي حول الخدمة المدنية.

رجا زعاترة *
السبت 26/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع