خطوات حماس، والعراقيل



*عراقيل اسرائيل متوقّعة، فمصلحة احتلالها قائمة على تكريس حالة الانقسام الفلسطيني. ولكن سيكون من الخطير رؤية أرجل فلسطينية تشارك في عرقلة هذه الخطوات السياسية الهامة*

كيف يجب تلخيص لقاءات الرئيس الأمريكي الأسبق، جيمي كارتر، مع قادة حركة حماس؟ هل كانت "ناجحة" أم "فاشلة"؟ ثمّ ما هي المعايير الملائمة لقياس ذلك؟ وهل تنطبق معايير الفشل والنجاح عليها أصلا؟
لم تضع هذه اللقاءات أمامها غايات ومهمات للتلخيص والتطبيق الفوري ولا حتى الموعود حتى نهاية العام 2008.. لم تكن أمامها مسوّدات يُراد لها أن تتبلور بصيغة "إتفاقية رفّ" (لا تشمل القدس واللاجئين!)، كتلك التي يقول ايهود أولمرت إنه يسعى لانهائها حتى نهاية العام مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس – استرشادًا بوعد بوش الشهير، والذي لا يتأثّر ويا للعجب بسلسلة مشاريع توسيع الاستيطان التي تعلن عنها حكومة اسرائيل كل اثنين وخميس.
إذًا، فمن المشكوك فيه إن كان يمكن تلخيص لقاءات كارتر-حماس بعلامات الفشل أو النجاح المُطلقة. أصلا، كارتر لم يلتق حماس بوصفه شخصية أمريكية رسمية، بل كشخصية اعتبارية، وتعرّض لنقد بل لهجوم حادّ من واشنطن الرسمية أولا.
من هنا، كان من الغريب متابعة الرئيس عباس وهو يسارع الى القول، في طريقه الى الاجتماع بالرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش (الذي سرّه بالطبع سماع ذلك)، وكأن الرئيس الأمريكي السابق "قد فشل". فبتقدير عباس أن كارتر حثّ حماس "على قبول حل الدولتين وقبول الاتفاقات السابقة التي أبرمها الفلسطينيون مع إسرائيل لكنه فشل للأسف في إقناعها بذلك، ولم تتمخض زيارته عن نتائج إيجابية".

 

أحقًا رفضت حماس قبول حلّ الدولتين؟
أمس الأول الأربعاء، عاد رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنيّة وكرّر علانية في غزة ما قاله ممثلو حماس لكارتر قبل أيام في القاهرة ودمشق، وهو أن الحركة توافق على دولة في حدود 1967 تكون عاصمتها القدس بلا مستوطنات ولا جدار وبشرط عودة اللاجئين. واستطرد هنية: ما قلناه لكارتر قلناه في وسائل الإعلام، ليس عندنا شيء نخفيه.
هذا المضمون صرّح به أيضًا رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، المعروف بتشدّده قياسًا بهنية. لا بل إن مشعل نفسه كان قال بوضوح في السابق بخصوص قبول المبادرة العربية، إن من يرفضها هو إسرائيل. وحين سئل عن موقف حماس اذا ما وافقت عليها اسرائيل، قال بوضوح: "اذا جرى ذلك، فلن نخالف موقفًا يجمع كل الأخوة العرب" (كانون الأول 2006 – مقابلة لـ "الجزيرة"). وبالطبع، فإن المشكلة تكمن في "الأخوة العرب" (الزعماء)، الذين لا يجرؤون بغالبيتهم الساحقة على التعاطي بجديّة مع مبادرتهم التي صاغوها بأقلامهم، خوفًا من مواجهة أكيدة مع البيت الأبيض، والذي "يسوس" معظمهم!
لربما أن عباس قصدَ فشل التوصل الى صفقة تبادل أسرى، ومحورها (إسرائيليًا) الجندي غلعاد شاليط. بالطبع، سيكون من المفيد، على صعيد التوضيح، معرفة رأي الرئيس الفلسطيني بشأن هوية المسؤول عن مواصلة إفشال تلك الخطوة. هذا على الرغم من معقولية التقدير بأنه يرى ويعرف عن قرب، أكثر من جميع الصحفيين، أن من يُفشل هذه الخطوة هو حكومة اسرائيل.
هنا نحتاج للتمعّن في المطلب الاسرائيلي من حماس. فحكومة اسرائيل لا تكتفي بالاعتراف الفعلي بها، بل تريد اعترافًا بـ "حقها" في الوجود. تريد اعترافًا ميتافيزيقيًا أيضًا، لو صحّ التعبير، وليس سياسيًا فحسب. فهي عمليًا تطالب الفلسطيني بالتوقيع على مقولات مثل "شعب بلا أرض لأرض بلا شعب" و "حق اليهود التاريخي" في فلسطين، وهلمجرا. هكذا يصل العبث درجات يقوم من خلالها من يغتال حق الشعب الفلسطيني في ممارسة سيادته في دولة فلسطينية متحررة، بالسماح لنفسه الوقحة بمطالبة ضحيته بالاعتراف به بأثر رجعي. إن المجرم الاحتلالي يحاول ابتزاز الشعب الرازح تحت قبضته الكولونيالية للاعتراف ليس بوجوده فحسب بل بحقه في الوجود وكأنه كائن فوق-تاريخي، فيما هو لا يزال يخنقه بمستوطناته وجدرانه الفعلية. يبدو أنه لا يكفي السياسة العنصرية الاسرائيلية أن الضحية، رغم معاناتها الممتدة على عقود، لا تزال قادرة على كيل الأمور بميزان الواقعية السياسية. فهل تكفي كلمة وقاحة لوصف هذا السلوك الاسرائيلي الرسمي؟
يجب الإنتباه الى أن مطلب اسرائيل من حماس الاعتراف "بحقها" في الوجود، لن يختلف من حيث المُراد منه، عن المطلب بالاعتراف بإسرائيل يهودية. فهلاّ تمعّن بعض الأخوة الفلسطينيين في هذا الشّرَك المكشوف..
من جهة أخرى، إن حماس ستُصيب سياسيًا ووطنيًا لو عرفت كيف تستثمر اللقاءات مع رئيس أمريكي سابق (وحبذا لو جرى ضبط تصريحات بعض ناطقيها المتشنّجين الذين يطلقون كلامهم كالقذائف، ولكن في الاتجاه الفلسطيني غالبًا!). يجب تأكيد وتثبيت ما أقنعتْ كارتر به، أقصد تصريحه بعد اللقاءات بأن موافقة حماس المشروطة على حل الدولتين هو دليل على ان حماس "ستقبل بحق اسرائيل في ان تعيش بسلام". إن الأهداف السياسية التي قد تتحقق من خط جريء وواقعي، بعيدًا عن التصريحات المنفوخة، يفوق مليون قذيفة يدوية الصنع تُطلق عشوائيًا، مقارنة بالهدف السياسي المنشود، وتمنح إسرائيل مخارج ذهبيّة لمواصلة التملّص.
فقد كان لهذا الحدث السياسي أثر كبير على الرأي العام الدولي. عدد من كبريات الصحف أجرت نوعًا من إعادة القراءة وأعادت بعض أسهم الاتهام نحو عنوانها الصحيح، اسرائيل. فمثلا، كتبت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية هذا الأسبوع في إحدى افتتاحياتها: "إن محادثات دمشق، التي قادت حكومة اسرائيل الى السلوك باستخفاف والولايات المتحدة الى شجب كارتر بشدّة، قد استخرجت من حماس أوضحَ الإشارات على أنها قادرة على العيش كجار ملاصق، الباب مقابل الباب، في سلام مع اسرائيل، شريطة أن ينال الفلسطينيون دولتهم المستقلة على جميع الأراضي التي تسيطر عليها اسرائيل منذ حرب 1967. إن على حماس، بالطبع، القبول بوجود دولة اسرائيلية، ولكن كنتيجة لحل دولتين متفق عليه؛ أما المطلب بأنه يتوجب على حماس القبول بإسرائيل كدولة قائمة في حالة توسُّع، فهو مطلب غير واقعي وغير مبرَّر".
لقد قامت حماس، بعد أن تعرّفت عن قرب على تجربة ومعنى وثمن الإمساك بالسلطة، وعندما سنحت لها فرصة كسر محاصرتها، بخطوات سياسية واقعية هامة تصب في المصلحة الوطنية الفلسطينية. هنا، ستكون عراقيل اسرائيل متوقّعة، بل تكاد تكون حتميّة، بكون جهازها الاحتلالي يعرف مصلحته القائمة أولا على تكريس حالة الانقسام الفلسطيني. ولكن سيكون من المستهجن، بل الخطير، رؤية أرجل فلسطينية تشارك في عرقلة هذه الخطوات التي لم تشتدّ بعد.

هشام نفاع
السبت 26/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع