أمّا أنتم يا طلابنا في الجامعات: فلا.



 تُزعجني الأخبار المتتالية التي تصلني من مختلف الجامعات حول العلاقات الطلابية والمشاحنات والمصادمات، وتزعجني أكثر تلك النّزَعات الضيّقة الحدود التي تتخذ الصبغة الطائفيّة والدينيّة، وتُثير فيّ الغضب والخوف والذكريات البعيدة.
 أذكر سنوات الستينيات الأخيرة والسبعينيات من القرن الماضي (القرن العشرين) عندما كانت لجنة الطلاب العرب في الجامعة العبرية في القدس تمثل الصوت القويّ والواضح والموحّد ليس لطلابنا في الجامعات فقط وإنّما لكلّ جماهيرنا العربية في البلاد، وهكذا كان فيما بعد يلتقي بصوت لجان الطلاب في جامعتي حيفا وتل أبيب.
 وشهدت تلك السنوات محاولات عديدة لإقامة تنظيمات طلابية فئويّة تحمل نَزَعات طائفيّة ودينية مدعومة من قبل جهات مسؤولة في الجامعات وحكومية ومحلية انتهازيّة. يومها حاربنا هذه المحاولات وأفشلنا إقامة لجنة طلاب درزية وُلدت ميّتة في جامعة القدس ونشطت لفترة قصيرة في جامعة حيفا. كما وحاربنا في سنوات السبعينيات بكل الوسائل تَشكيل قائمة للكنيست تتميّز بصبغتها المسيحيّة. وكان يوم الأرض الذي وحّد الجماهير العربية في وحدة لا يغلبها غلاّب، شعارها القويّ والوحيد: "وحدة، وحدة عربيّة، دروز اسلام ومسيحيّة".
وشهدنا وشاركنا في سنوات المدّ الوطني والوعي القومي والفلسطيني خاصة سنوات الثمانينات، ولم نلتفت لبعض المظاهر التي تحاول حَرف المدّ الجماهيري عن مَساره الواضح الموحّد، حتى فاجأتنا انهيارات العالم الإشتراكي المتتالية، وسقوط النظام الشيوعي في الاتحاد السوفييتي.
هذه المظاهر بدأت تتجلّى بصوَر أوضح بعد حرب العراق الأولى واتفاقيّات أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية. فقد أخذت النغمة العائليّة تعود لتقوى في كل بلدة عربية، والحساسيّة الطائفية والدينيّة تعمل على ارتفاع درجة التوتّر والتأزّم في العلاقات الاجتماعية على مستوى البلد الواحد أو المنطقة أو البلاد عامّة. وتركت الصدامات على ساحة العالم كله والتي يجتهد المحللون والسياسيون على بلورتها فيما سموه بصراع الحضارات أو صراع الديانات أو الحرب على الإرهاب وغيرها من التسميات، أثرَها الكبير على ساحة جماهيرنا العربية المحلية وفي الأراضي المحتلة.
وكان من نتائج سياسة السلطات الإسرائيلية ومواقفها العدائية ضدّ أبناء شعبنا الفلسطيني في الأراضي المحتلة وضدّ جماهيرنا العربية داخل إسرائيل، والتي أوصلت إلى تفجّر أحداث أكتوبر2000، أن تقبّلنا كلّ مظهر دينيّ إسلامي، وتغاضينا عنه من منطلق أنّ أيّ اعتداء على الأماكن المقدسة وخاصة المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين هو اعتداء ليس على المسلمين فقط وإنّما على كل العرب، ورأينا في الحركة الإسلامية حركة مقاومة وحرية، ورفيقة درب نضال، ورجالها أمثال الشيخ رائد صلاح والشيخ عبد الله نمر درويش مثالا للوطنية الراقية الحضارية والعروبة بكل تجلياتها والاسلام الدين النيّر المتسامح.
عودة النزعات الطائفية الدينية التي بدأت تُسمَع في الجامعات أخيرا، وبعد نجاح قائمة إقرأ في جامعة حيفا ومن ثم نجاح قائمة الرسالة في جامعة القدس، وما رافق ظهور النتائج من مناوشات وتبادل كلام واتهامات، توقفنا أمام الخطر الذي يُهدّد وحدةَ طلابنا الجامعيين ضدّ سياسة التمييز التي يُعاني منها طالبنا العربي. والخطر الذي أخافه هو أن تتحوّل ساحات الجامعات إلى ساحات قتال ومواجهات بين طلابنا، وأن ينقسم طلابنا في كل جامعة، فبدل أن تكون لهم لجنة طلاب عرب واحدة قويّة تحارب من أجلهم وترفع صوتهم أمام مختلف الجهات، تصبح لهم في كل جامعة ثلاث لجان طلابية: مسلمة ومسيحية ودرزية، وكل واحدة تتنافس مع غيرها لنيل رضا المسؤولين وكسب ودّهم على حساب الغير من الإخوة والأشقاء.
تميّزكم أيّها الطلاب في أنكم تُمثلون الانسان العربي القوميّ النظيف، حامل الحلم العربي، والسّاعي لتحقيق الأهداف الكبيرة بوعي وفكر ثاقب وخطوات ثابتة قويّة بعيدا عن الانتماء الديني والطائفي والعائلي، تميّزكم أنكم تعملون يدا واحدة ولرسالة واحدة، تشدّ بعضكم إلى بعض وحدة قويّة لا يغلبها غَلاّب شعارُها الذي حدّده وحسمه يومُ الأرض في الثلاثين من آذار 1976 "وحدة، وحدة عربية، دروز اسلام ومسيحيّة". فإذا تخليّتم عن كل هذا الإرث العظيم الذي حافظنا عليه طوال الخمسة عقود الأخيرة من القرن العشرين، واتّبع كلّ منكم انتماءَه العائلي والعشائري والجغرافي والطائفي والديني فلا كنتم فخرا لنا، ولا كان علمكم الذي لن يعود علينا  وعليكم بالنتائج المأمولة. وجودكم في الجامعات هو المحكّ لكم ولكل جماهير شعبنا العربي هنا، وامتحان لأحقيّتنا في العلم وحَمل المسؤولية ومشاركة شعوب العالم في رسم خارطته المستقبلية.
ليحترم كلّ منكم انتماء وإيمان وفكر وعادات وتقاليد الآخر، وليكن نقاشكم حضاريا وعلميا بعيدا عن التدخل في سلوكيات الآخر وخصوصيّاته.
كلامي لكم دافعُه الحبّ والتقدير والإعزاز والخوف، وأملي أن لا تكون كلمتي الوحيدة وإنّما المنبّهة للكثيرين، خاصة الكتّاب والمسؤولين، لتكون صرختنا واحدة:
إحذروا أيّها الطلاب ما يُبيّت لكم ولنا من مكائد ومَطبّات، وكونوا على ثقة إذا لم تتداركوا الانزلاق الآن فسوف لن تسعفكم كلّ المحاولات والنوايا الحسنة والإسعافات المختلفة.
 وإذا ما اخترتم طريق الضلال والفرقة والخلاف والمواجهة وشقّ وحدة النضال والانتماء الوطني، وآثرتم الانتماء الضيّق للعائلة والعشيرة والطائفة والدين فعليكم السلام، ولكم السلام، ولن تكون طريقُنا طريقَكم ولن تكونوا الذين نفخر بكم أو ننتظر الرجاء منكم.
قد نتغاضى عن انحراف هذا الشخص أو هذه الفئة، وقد نغفر للبعض ممن ضلّوا الطريق وخُدعوا، وقد، وقد..
أمّا أنتم فلا عذر لكم ولا توبة ولا غفران..
أنتم شيء آخر..
أنتم الأمل والحلم والمستقبل والحياة.
وضلالكم وضياعكم وانحرافكم هو افتقادنا للأمل والحلم والمستقبل والحياة.
وهذا ما لا نقبل به
ولا نهادن فيه
ولا نتسامح معه
ولا نغفر عليه
أنتم أيّها الطلاب شيء آخر ..
أنتم أيّها الطلاب ..
كل شيء قد يكون
أمّا أنتم فلا،
وألف ألف لا.

د. نبيه القاسم
السبت 26/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع