كيف نُخرج التعليم العربي من الضحوية إلى موقع الفاعلية؟



(ملخّص الطاولة المستديرة التي عقدت على شرف المؤتمر السابع للتعليم العربي تحت عنوان "الإطار الحقوقي- القانوني للتعليم العربي")


* خاص بملحق "الاتحاد" *

 

* توطئة

ضمن نشاطات المؤتمر السابع للتعليم العربي الذي عُقد الأسبوع الماضي في الناصرة، وفي سياق الجهود المبذولة والتحضيرات الجارية لإقامة مديرية ومجلس تربوي للتعليم العربي، نظمت لجنة متابعة قضايا التعليم العربي بالتعاون مع مركز "دراسات" - المركز العربي للحقوق والسياسات، طاولة مستديرة تحت عنوان "الإطار الحقوقي- القانوني للتعليم العربي" مطلع نيسان الجاري، بحضور مجموعة من الباحثين والمحامين والناشطين في مجال التعليم العربي ضمّت كلا من: د. يوسف جبارين، د. أيمن إغبارية، د. سعيد برغوثي، د. زهيرة نجار، السيد عاطف معدي، السيد جابر عساقلة، المحامية غدير نقولا، الباحث مهند مصطفى، المربي شرف حسان، السيد بكر عواودة، الصحفي رجا زعاترة، المحامي عباس عباس، المحامي نكد نكد، الكاتب مرزوق حلبي، المربية ناريمان أبو جبل، السيد عبد عنبتاوي، المربي حسام أبو بكر، السيدة منال شلبي، والسيدة منار غميض. وجاء هذا اللقاء على شرف المؤتمر السابع للتعليم العربي
وينفرد ملحق "الاتحاد" بنشر أبرز ما طرح على الطاولة المستديرة من أفكار وتوصيات.

 

جابر عساقلة ود. يوسف جبارين

 

 

* بين الوصاية وإعادة الامتلاك


لا يوجد خطاب قانوني محدّد وناجز بشأن "التعليم العربي" وأهدافه في القوانين التي تعنى بالتعليم في البلاد. "الخطاب" الحاضر بقوة هو "التعليم للعرب" أو "التعليم للناطقين بالعربية". الخطابان مختلفان ويعبران عن رؤيتيين متباينتين بخصوص التعليم بين أظهر الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل.
يعكس الخطاب الأول السعي لإعادة امتلاك التعليم العربي من قبل المجتمع العربي عبر تأكيد المضامين ذات الخاصية الثقافية ووضع نموذج تحكم وترسيم مبنى خاص. فيما يعكس الخطاب الثاني تكريسًا لآليات السيطرة على التعليم العربي عبر تأكيد التبعية والتجزئة وطمس الهوية الجمعية.
يحضر "التعليم العربي" في الإطار الحقوقي–القانوني في إسرائيل فقط على مستوى التوجيهات والتعليمات الداخلية للوزارة وعلى مستوى الأنظمة وذلك بغياب تناول قانوني محدد كما هو مثلا حال "التعليم الديني الرسمي". إنّ تناول التعليم العربي فقط عبر الأنظمة - كما هو الحال في الأنظمة بشأن "اللجنة الاستشارية للتعليم العربي" من العام 1996 - يعكس منطقيّ الوصاية والتبعية اللذين تتعامل من خلالهما الوزارة مع التعليم العربي. وقد تكشّفت محدودية هذه الأنظمة وقصورها عن منح التعليم العربي أفقا للتغيير في تجربة المجلس الاستشاري الذي ترأسه بروفيسور جورج قنازع.
في حينه، قدم المجلس توصيات عينية لإقامة مديرية ومجلس تربوي خاصين للتعليم العربي ضمن مبنى وأنظمة وزارة التربية والتعليم، لكنها رفضت من قبل الوزير أمنون روبينشتاين آنذاك. يشار إلى أن الأنظمة ما زالت رسميا سارية المفعول حتى بدون تشكيل مجلس فعلي.
من الأهمية بمكان في هذا السياق التوضيح أن صلاحيات المجلس حسب لسان هذه الأنظمة غير واضحة وقراراته غير ملزمة والاستشارة به من قبل الوزارة غير ملزمة وذالك على خلاف الصلاحيات الواسعة والملزمة للمجلس التربوي الخاص بالتعليم الرسمي الديني.

 

* الشراكة، الاعتراف والمساواة


في نهاية المطاف، تشكل إقامة مديرية ومجلس تربوي للتعليم العربي حلا تنظيميًا أوليًا يسعى إلى تطوير "شراكة" جوهرية في التحكم بالتعليم العربي، عبر تطوير بنى تنظيمية وإدارية خاصة ضمن وزارة التربية والتعليم تضمن تمثيلا حقيقيا للمجتمع العربي في إدارة جهازه التعليمي. وبطبيعة الحال فإن قضايا التعليم العربي ومشاكله لن تنتهي عند هذا الحل، لذلك يجب دمج العمل على تطوير "الشراكة" بالعمل على تطوير "الاعتراف" (أي أن تعكس المضامين التربية والتعليم الهوية الجمعية والرواية التاريخية للشعب الفلسطيني وأن يصبح التعامل مع اللغة العربية تعاملا جوهريًا لا أداتيًا) و"المساواة" (تحديدا، أن يتم إعادة تعريف وتوزيع الموارد المادية والرمزية والتنظيمية المتاحة للتعليم العربي بما يضمن تحقيق تمييز مصحح لأوضاع التعليم العربي: ميزانيات، ملاكات، أبحاث ، تجارب تربوية، إلخ).
بالمقابل، من الضرورة بمكان العمل على صياغة مجددة لأهداف التعليم العربي التي وضعتها لجنة متابعة قضايا التعليم العربي في العام 1996. المطلوب في هذا السياق صياغة رؤية شمولية للتعليم العربي وليس فقط للأهداف بحيث يصبح بالإمكان الإشارة إلى صورة أو صور الخريج/ة المطلوبة وتحديد الأليات اللازمة لتحقيقها. الهدف هنا هو مراجعة نقدية لأهداف التعليم العربي بهدف صياغة مشروع ثقافي وتربوي لتدعيم الحقوق الجماعية في اللغة والإدارة الذاتية بإمكانه التعاطي مع مقولات التنمية والعولمة والعدل الإجتماعي والهوية الجمعيةن وبإمكانه مناهضة التمييز والفقر والعنف والإقصاء والطائفية والفئوية. في هذا السياق، يجب التنبه إلى خصوصية التربية اللامنهجية ودور مؤسسات العمل الأهلي والأحزاب والمراكز الجماهيرية في مشروع كهذا.
من الأهمية بمكان الإشارة إلى التعددية الثقافية والحزبية والدينية بين أظهر المجتمع الفلسطيني وضرورة أن تعكس أهداف التعليم هذه التعددية إلى جانب مقولات واضحة بشأن العلاقة بين المجتمع الفلسطيني في إسرائيل والمجتمعات الفلسطينية في الضفة والقطاع والشتات.

 

* القضاء وحده لا يكفي


على أهميته، يبقى النضال في المسار القانوني-القضائي محدودًا، ومن الضروري رفده بالعمل الجماهيري والتعبئة الشعبية. في هذا الإطار، يتوجّب توضيح أن المسار القانوني لم يستنفد بعد وأنه ما زال أمام التعليم العربي هوامش في إطار القوانين والأنظمة والتعليمات والتوجيهات التنظيمية المختلفة فيما يخص التربية والتعليم لم يتم سبرها واستغلالها والوصول عبرها إلى حالة تصدي ومثول أمام المحاكم.
في ظل الفجوة القائمة ما بين الخطاب البلاغي العالي في السياسة والتربية والعمل الأهلي وبين واقع العمل والممارسة يجب التأكيد في ضرورة تطوير مبادرات ذاتية وجماهيرية ضمن المجتمع العربي حول قضايا التربية والتعليم. في هذا السياق، نحن بحاجة إلى خلق مبادرات عينية ومستدامة بإمكانها إحداث فارق نوعي في الحقل وبإمكانها وضع الدولة والسلطات المحلية العربية أمام تحديات رمزية وأخلاقية دون أن تُعفى هذه الأجسام من مسؤولياتها المباشرة على التربية والتعليم ودون أن تتحوّل هذه المبادرات إلى بدائل تامة ومنفصلة. تهدف هذه المبادرات إلى الخروج من الضحوية إلى موقع الفاعلية وأخذ المسؤولية وإلى تقوية العلاقة ما بين المهنيين والأكاديميين والحقل المدرس. في هذا الإطار : يجب تطوير مناهج بديله، كتب تدريس بديلة، برامج مهنية لمديري المدارس، برامج لمديري أقسام التعليم في السلطات المحلية إلخ.

 

* توصيات ومهام المجلس التربوية


ومن حيث التوصيات العينية، شدّد المشاركون على ضرورة بناء برنامج جماهيري حواري حول قضايا ومشاكل التربية والتعليم بمشاركة باحثين وأكاديميين بحيث يتضمن المشروع جولات ميدانية ولقاءات مهنية في المدارس؛ وإقامة منتدى دائم للحقوقيين والباحثين والناشطين في حقل التربية والتعليم لتبين القضايا التي يمكن متابعتها قانونيا ولتحفيز مؤسسات العمل الأهلي في مجال المرافعة على متابعة هذه القضايا حقوقيا وجماهيريا؛ وصياغة ورقة عمل بشأن الموقف من المجلس الاستشاري، تتضمن التعديلات المطلوبة على المنظومة القانونية القائمة وتفصيل أوجه الشبه والاختلاف القائمة ما بين هذه الأنظمة وأنظمة التعليم الديني الرسمي؛ وبلورة مشروع لتعزيز وترشيد العلاقة بين مؤسسات العمل الأهلي والمدارس العربية.
كما أكد المشاركون دعمهم لإقامة المجلس التربوي العربي وتحديد مهامه الأولى ضمن عمل لجنة متابعة قضايا التعليم العربي في المواضيع التالية:
1. صياغة رؤيا للتعليم العربي تتضمن مراجعة لأهدافه الحالية من العام 1996؛
2. صياغة رؤية تحدد "ما نريد من التعليم العربي": صورتنا وذاكرتنا وراهننا؛ المبادرة إلى دراسة حول قضايا التربية اللامنهجية في المجتمع العربي والسياسات القائمة بشأنها. تتضمن هذه التوصية ضرورة التواصل مع العاملين في هذا الحقل عبر طاولات مستديرة وذلك نحو صياغة رؤيا لدور التربية اللامنهجية ومبناها ومضامينها في المجتمع العربي؛
3. بلورة مشروع لتنمية القيادات التربوية. تتضمن التوصية إقامة برامج مهنية وأطر مستدامة ومؤتمرات سنوية خاصة لمديري الثانويات العرب ولمديري أقسام التعليم في السلطات المحلية في المرحلة الأولى؛
4. بلورة مشروع لتطوير المناهج والكتب التدريسية البديلة، وتقديم مراجعات نقدية مفصلة للمناهج والكتب التدريسية والتجارب التربوية المعمول بها والمخطط لها.

السبت 26/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع