تداعيات أزمة الغذاء وغلاء الأسعار العالمية:
حين تلجأ الرأسمالية العاجزة إلى الترقيع..



نشرت الصحف الإسرائيلية أن بعض فروع شبكات البقالة مثل "ميجا" و"سوبرسال" و"المربع الأزرق"، وضعت قيودا جديدة لزبائنها عند شراء ربطات الأرز (ربطتان للزبون). جاء هذا التحديد نتيجة للنقص المتوقّع بالأرز في البلاد، مما حذا بالمسؤولين عن تجارة الأغذية إلى الإسراع لطمأنة المستهلك، إلا أنّ المستهلك الإسرائيلي يشعر بالقلق والاضطراب ولكنّه لا يخرج  إلى الشارع ضد غلاء الأسعار الآخذة بالزيادة والاستشراء، منذ بداية السنة!

 

ارتفاع أسعار الحبوب في العالم (على سبيل المثال، ارتفع سعر الأرز بنسبة 50%)، جرّ وراءه ارتفاع أسعار الحليب ومنتجاته واللحوم على أنواعها والسكر والطحين. كان هذا الارتفاع نتيجة لأزمة النقص في الموادّ الغذائيّة التي تضرب بشكل خاصّ الطبقات المتوسّطة والفقيرة في العالم، ودلالة على الخلل في التوازن ما بين العرض والطلب على الغذاء في العالم، أي أنّ  العرض لا يفي ولا يوازي متطلبات ومطالب الطبقات المتوسطة والفقيرة.

 

* تسونامي صامت


نشرت وعلّقت الوسائل الإعلامية كثيرا على تصريح جوزيت شيران، رئيسة منظمة "برنامج الغذاء العالمي" التابع للأمم المتحدة، حول أزمة الغذاء وارتفاع الأسعار ووصفت الحالة بأنها تسونامي صامت يجتاح العالم ولا يعرف حدودا، وشرحت عن الخلل الحاصل، في السنوات الأخيرة، ما بين استهلاك وإنتاج الغذاء في العالم، وأنّ هناك تناقصا بنسبة 40% في الغذاء، وأنّ منظمة "برنامج الغذاء العالمي" تعاني اليوم من عجز مالي يصل إلى 750 مليون دولار أمريكي، في الوقت الذي عليها أن تقدّم المساعدات الغذائية لـِ 70 مليون نسمة سنويا.
أدى ارتفاع الأسعار والنقص بالمواد الغذائية إلى تحرّكات شعبية للطبقات المتوسطة والفقيرة هدّدت الاستقرار في كل من: هاييتي والكاميرون وإندونيسيا ومصر وموريتانيا والسنغال ونيجيريا والفلبين... . عقّب على هذا الوضع الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون بأن ارتفاع أسعار الموادّ الغذائية الضرورية هو تهديد لاستقرار العديد من الدول النامية، ولجهود مكافحة الفقر، وسيعيدنا إلى نقطة الصفر. أمّا عالم الاجتماع السويسري، جان زيجلر مبعوث الأمم المتحدة المكّلف بشؤون الغذاء فقد وصف ارتفاع الأسعار بالمذبحة الجماعية الصامتة، وحمّل مسؤولية الأزمة إلى سياسة العولمة و"لاحتكار الثراء في الأرض" الذي يؤدي إلى ما وصفه بـِ "العنف البنيوي" لأنّه كما قال "لدينا قطيع من متعاملي البورصات ومن المضاربين ومجرمي المال الذين ازدادوا شراسة وانشأوا عالما من اللامساواة والفظاعة، علينا أن نضع حدا لهذا"  كيف؟ حسب اعتقاد زيجلر ستكون هناك انتفاضة للجياع على نسق الثورة الفرنسية. آمّا رئيس وزراء بريطانيا براون فوصف نقص وغلاء الموادّ الغذائية بالتحدّي الأخلاقي لكل واحد منّا، من شأنه زعزعة  الاستقرار السياسي والاقتصادي العالمي.

 

* أسباب النقص والغلاء


تكمن الأسباب حسب رأي العديد من رؤساء الدول (مثل البوليفي إيفو موراليس، والبيروفي ألان غارسيا، والفنزويلي هوجو تشافيز) وجمعيات حماية البيئة ومؤسسات دولية مثل اليونسكو(منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) ومدير صندوق النقد الدولي-دومنيك ستراوس في:
* أسلوب الإنتاج الصناعي الرأسمالي الذي يدمّر الموارد الطبيعية ويلوّث البيئة ويؤدّي إلى لاحتباس الحراري. (طالب موراليس بإلغاء الرأسمالية).
* التكلفة العالية للوقود وإسقاطاتها على وسائل النقل، الأمر الذي أدّى إلى صعوبة في نقل المنتجات الزراعية إلى أماكن بعيدة.
* الطقس السيئ الذي ساد في البلدان المنتجة للغذاء.
* زيادة الأراضي والمزروعات المخصّصة للوقود الحيوي الذي ينتج من منتجات غذائية وليست زراعية فحسب. (المانيا والبرازيل كأكبر منتجتين للوقود الحيوي في العالم وجمعيات حماية البيئة يعترضون على هذا بادعاء أن الوقود الحيوي يخفف من الاحتباس الحراري)
* التكاثر السكاني.
* الآثار السلبية لبطء النمو الاقتصادي العالمي (خصوصا على الدول النامية).
* الاستهلاك المتزايد في الاقتصاد الصيني والهندي والبرازيلي ،أدّى إلى تحولات طبقية سريعة تتمثّل باتساع الطبقة الوسطى فيها بحيث أصبحت غالبية السكان تأكل أكثر من وجبة واحدة في اليوم !! (تقول المستشارة الألمانية ميركل: إذا شرب 30% من الصينيين الحليب فهذا سيؤثر على شرب الألمان له).
* سوء توزيع الفوائد المكتسبة من التقدّم في المجال الزراعي ( حسب رأي 400 خبير من اليونسكو).
* غلاء الأسمدة، والعزوف عن الإنتاج الزراعي العضوي.( زرع أجدادنا الحبق بين البندورة والباذنجان لحمايتها من الأمراض).
* بعد المسافة بين المنتِج للغذاء والمستهلِك له.
* توقّف كلّ من مصر وفيتنام والهند عن تصدير الأرز، كي تطعم جياعها.

 

* ما العمل؟


حسب رأي الرئيس الفرنسي ساركوزي، على العالم أن يتبنّى إستراتيجية لدعم الزراعة، وذلك ببناء شركة عالمية للأغذية وللزراعة بالتنسيق بين المؤسسات المالية الدولية والحكومات والقطاع الخاصّ، وتعهّد بمضاعفة فرنسا لمساعداتها الغذائية بمقدار 60 مليون يورو!!
أليس هذا ترقيعًا للرأسمالية العاجزة عن حلّ أزمتها؟ 
أمّا زعماء اليابان والاتحاد الأوروبي (يشجع الاتحاد الأوروبي إنتاج الوقود الحيوي) فيطالبون بالاستثمار في مجال الغذاء، وبإجراءات عاجلة لمشكلة ارتفاع الأسعار للموادّ الغذائية والنفط. لا سيما وأنّ ارتفاع أسعار النفط وتكاليف نقله دفع الدول الفقيرة إلى إنتاج الوقود العضوي.
وبكلمات بسيطة وموجزة لو كان هناك عدل في توزيع الخيرات، وفي تحمّل عبء التطور، وفي استغلال الطاقات الشمسية والمائية والهوائية لكان العالم بألف خير. لكن ليس بالتمني نوقف استشراس السياسة الرأسمالية الجشعة البشعة التي لا يهمّها إلا ربحها! 

راضي كريني *
الأثنين 28/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع