زيارة اردوغان الى سوريا في ارجوحة مشروع الهيمنة الاستراتيجية الامريكية – الاسرائيلية في المنطقة



انهى الرئيس التركي الطيب اردوغان في نهاية الاسبوع المنصرم زيارته الى سوريا التي استغرقت ثلاثة ايام. ومن حيث اجندتها لا تعتبر هذه الزيارة مجرد زيارة مجاملة دبلوماسية تقليدية لتوثيق العلاقات السياسية والاقتصادية – التجارية بين الانظمة. فأجندة هذه الزيارة تتمحور حول مهمة استراتيجية اوكل اردوغان بنقل رسالتها الى قادة النظام السوري، الى الرئيس السوري بشار الاسد وغيره من المسؤولين السوريين. وبرأينا ان هذه المهمة الاستراتيجية تندرج في اطار خدمة المشروع الاستراتيجي الامريكي للهيمنة في منطقة الشرق الاوسط والذي يأمل النظام التركي ان يكون له دوره ومكانته الاستراتيجية المرموقة داخل هذا المشروع. فقيام الرئيس التركي بنقل رسالة استعداد رئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود اولمرت الانسحاب من كل هضبة الجولان السورية المحتلة مقابل السلام لم يكن دافعه مجرد وساطة خير وخدمة مجانية لوجه الله تعالى، بل يرتبط عضويا في خدمة المصالح الاستراتيجية والسياسية للنظام التركي اولا وقبل كل شيء. فمن جهة اولى ينشط النظام التركي ليكون له الدور المؤثر والفاعل وبشكل يوازي وينافس النفوذ الاقليمي الايراني في المنطقة ويشغل مكانه. فتركيا تمتاز عن ايران بعدة سمات مميزة وفي مقدمتها ان لها علاقات حسنة وجيدة مع طرفي الصراع الاسرائيلي – العربي، وخاصة مع الانظمة العربية "المعتدلة" والمدجنة امريكيا ومع اسرائيل الرسمية التي ترتبط معها بعلاقات استراتيجية وعسكرية في اطار تحالف استراتيجي مع الامبريالي الامريكية. ولهذا ليس من وليد الصدفة ان يخصص في اطار المشروع الاستراتيجي الامريكي للهيمنة كونيا مكانة هامة لتركيا كأحد المخافر الاستراتيجية الاساسية الى جانب اسرائيل في اطار "الشرق الاوسط الكبير" الذي تمسك ادارة الامبريالية الامريكية برسنه. اضافة الى ذلك فان النظام التركي انتقل في ثمانينيات القرن الماضي من موقع علاقة العداوة والتوتر العدائي مع النظام السوري الى موقع الصداقة والتعاون وعلاقة حسن الجوار مع سوريا. ولعل ادراك حقيقة انه لا يمكن تجاهل دور سوريا وتأثيرها في المنطقة وانسجام الموقف التركي والسوري المعادي للحقوق القومية الكردية كانا من العوامل المؤثرة على تحسين العلاقات التركية – السورية. فتركيا تقيم من جهة علاقة تحالف استراتيجي عسكري مع اسرائيل وتجري مناورات عسكرية جوية وبحرية مع اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية كما ترتبط مع اسرائيل بعلاقة صناعية عسكرية، حيث يجري في الصناعة العسكرية الاسرائيلية تصليح وعصرنة الدبابات والطائرات الاسرائيلية – الامريكية الصنع، ومن جهة اخرى يبني النظام التركي علاقات صداقة حميمة مع سوريا. هذا اضافة الى ان تركيا العضو في الحلف العسكري العدواني، في الحلف الاطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية لا تزال الى اليوم تجد صعوبة في قبولها عضوا في الاتحاد الاوروبي. وبنشاطها في تحسين ورفع مستوى ادائها وعلاقاتها مع سوريا وباقي الانظمة العربية في المنطقة يأمل النظام التركي ان يكون ذلك عاملا مساعدا لدخول تركيا الى منظومة الاتحاد الاوروبي.
ما نود تأكيده ان النظام التركي يقوم بدور الوسيط لتدجين النظام السوري في بيت الطاعة الامريكي – الاسرائيلي وخدمة التواطؤ مع استراتيجية الهيمنة الامريكية – الاسرائيلية في المنطقة. من يصدق ان النظام التركي لم يكن على علم، ولم يجر التنسيق معه، عندما قصفت ودمرت الطائرات الاسرائيلية مخفرا عسكريا في العمق السوري ادعت الاخبار المسرّبة الى وسائل الاعلام البريطانية والامريكية والاسرائيلية ان مخفرا استراتيجيا نوويا يجري تجهيزه بالتعاون مع كوريا الشمالية، وان تدميره كان بمثابة انذار ومؤشر للنظام السوري ووسيلة ضغط عليه مدلوله السياسي ان ذراع العدوانية الاسرائيلية تطاله في أي مكان.
لقد اتضح من خلال زيارة ومحادثات اردوغان مع القادة السوريين في دمشق ان المفاوضات والمحادثات الامريكية – السورية والاسرائيلية – السورية عبر طرف وساطة ثالث، تركي وغيره، لم تنقطع يوما ومنذ توقفت المحادثات الرسمية المباشرة الاسرائيلية – السورية سنة الفين. كما اتضح ان الهدف المركزي من وراء هذه الزيارة هو الايحاء وخلق الانطباع انه مقابل اخراج النظام السوري من دائرة الممانعة والمقاومة والمناهضة للمشروع الامريكية الاستراتيجي للهيمنة الامريكية – الاسرائيلية في المنطقة، مقابل ذلك اسرائيل الرسمية على استعداد لدفع الثمن المطلوب، الانسحاب من جميع اراضي الهضبة السورية المحتلة منذ السبعة والستين وتوقيع اتفاقية السلام الثابت وتطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية الاسرائيلية – السورية والامريكية – السورية!!
اننا من اجل التوصل الى السلام العادل الاسرائيلي – العربي القائم على قواعد العدل وتوفير وضمان الحقوق الوطنية الشرعية لكل طرف، ولكننا نشك في النوايا الاسرائيلية ولا نثق بالموقف الاسرائيلي وبان السلام العادل مع سوريا اصبح بين ليلة وضحاها الخيار الاستراتيجي للمحتل الاسرائيلي. فما نقله الرئيس التركي اردوغان عن استعداد اولمرت الموافقة على مبدأ الارض مقابل السلام، الانسحاب الاسرائيلي من كل هضبة الجولان السورية المحتلة مقابل السلام الدائم مع سوريا قد يكون لا اكثر ولا اقل من مناورة سياسية جرى نسج خيوطها التآمرية في دهاليز مطبخ التنسيق الامريكي – الاسرائيلي وبشكل يخدم دفع عجلة مشروع استراتيجية الهيمنة الامريكية – الاسرائيلية في المنطقة. فلو كان اولمرت صادقا في موقفه الذي نقله اردوغان الى القيادة السورية لاتخذ هذا الموقف علانية واخذ قرارا بهذا الخصوص في الحكومة والبرلمان ولما كانت هنالك حاجة لوساطة اردوغان، خاصة وان النظام السوري، الرئيس بشار الاسد وغيره من المسؤولين السوريين قد اعلنوا مرارا ان السلام العادل، الشامل والثابت الخيار الاستراتيجي لسوريا الذي تلتزم به. ولكن توقيت زيارة اردوغان الى سوريا والاعلان عن ما يحمله من رسالة "مبادرة سلام" اسرائيلية الى القيادة السورية حتى قبل ان تطأ قدماه ارض بلاد الشام، هذا التوقيت يوحي بان اردوغان يحمل "كلمة حق يراد بها باطل". فاطلاق بالون اولمرت الدعائي حول السلام مع سوريا جاء قبل حوالي اسبوعين من الزيارة المرتقبة للرئيس الامريكي جورج دبليو بوش الى المنطقة لتهنئة الحليف الاستراتيجي اسرائيل بمرور ستين سنة على استقلال اسرائيل وقيامها على فوهة بركان نكبة الشعب العربي الفلسطيني الذي لم تخمد انفاس لهيبه ولم يتوقف الدم النازف من شرايينه. ويأمل بوش ويعمل وخدامه من اجل ان تتوج زيارته وجولته في المنطقة باحراز مكسب استراتيجي سياسي يرفع من اسهمه واسهم حزبه الجمهوري المنهارة في بورصة الانتخابات الامريكية التي ستجري في شهر تشرين الثاني من هذه السنة. فالعمل لاحراز بدء مفاوضات اسرائيلية – سورية تجرجر اسرائيل محادثاتها الى ما بعد انتهاء الانتخابات الامريكية، وتدفنها بثياب الفشل، يعتبر مكسبا. كما ان تنشيط المسار التفاوضي الاسرائيلي – السوري واعتلاءه سكة قطار السفر الى سراب المجهول، وفي وقت تتعثر فيه المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية من جراء تنكر اسرائيل لثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية، فان المحتل الاسرائيلي وبمساندة الدعم الامريكي سيعمل على استغلال استئناف المسار التفاوضي الاسرائيلي – السوري لابتزاز تنازلات سياسية من الطرف الفلسطيني خاصة فيما يتعلق بحدود السيادة الفلسطينية في الدولة الفلسطينية المستقلة وفي عاصمتها القدس الشرقية وفي موضوع حق العودة للاجئين الفلسطينيين. وليس من وليد الصدفة ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس عاد من لقاءاته ومحادثاته مع الرئيس الامريكي بوش وغيره من المسؤولين في "البيت الابيض" دون ان يحمل أي بشائر تفاؤلية. فادارة بوش لم تغير موقفها الذي تضمنته وثيقة تطمينات بوش لشارون في نيسان الفين واربعة والذي تتعهد بموجبه الادارة الامريكية بدعم موقف اسرائيل بضم القدس الشرقية وكتل الاستيطان لاسرائيل في اية تسوية نهائية للصراع مع الفلسطينيين، دعم موقف اسرائيل الذي يتنكر ويعارض بشكل مطلق حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الامم المتحدة 194، وحق اسرائيل في بناء جدار الضم والعزل العنصري. ومن حيث المدلول السياسي فان تحالف العدوان الاسرائيلي – الامريكي يضغط على القيادة الشرعية الفلسطينية، على السلطة الوطنية الفلسطينية والرئيس محمود عباس للقبول "باتفاق مبادئ" حتى نهاية العام الحالي، الفين وثمانية، يكون مبنيا على حل قيام كيان فلسطيني اقل من دولة واكثر قليلا من حكم ذاتي اداري، كيان بدون القدس الشرقية مع ضمان حرية العبادة للطوائف، كيان يحرر اسرائيل من مسؤولية تجسيد حق العودة للاجئين الفلسطينيين، كيان بدون حدود نهائية وتحت رحمة العلاقات الاقتصادية والامنية مع المحتل الاسرائيلي. ومثل هذا الحل لن يجد أي فلسطيني كان من كان يجرؤ على تأييده او التوقيع عليه، ولن يكون اكثر من فتيل يشعل نيران انتفاضة فلسطينية ثالثة في وجه الاحتلال ومن اجل التحرر والاستقلال الوطني.
ان وراء موقف اولمرت الذي يوحي بانه مع حل على اساس الارض مقابل السلام مع سوريا يستهدف وبالتنسيق مع الادارة الامريكية "دس السم في الدسم"، اغراء سوريا بسلام مرتقب وبتنقية اجواء العلاقات الامريكية – السورية ولكن مقابل دق اسافين الفرقة بين سوريا وايران، اخراج سوريا من "تحالف الشر" مع ايران وكوريا الشمالية، وابعاد سوريا عن موقف دعم المقاومة اللبنانية ودعم المقاومة الفلسطينية وايواء قادة بعض الفصائل الفلسطينية، او بمعنى آخر تدجين سوريا في حظيرة التدجين وخدمة المشروع الاستراتيجي الامريكي – الاسرائيلي للهيمنة في المنطقة.
لقد عاد اردوغان من سوريا يحمل الموقف السوري المعهود المتمسك بثوابت السلام العادل، الشامل والثابت، بثوابت حقوقه الوطنية بالانسحاب من كل الجولان المحتل. وبالمناورات التآمرية والثعلبية التي تنتقص من ثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية والسورية لا يمكن انجاز السلام العادل الذي يضمن الامن والاستقرار في المنطقة. كما ان محاولة استغلال التفاوض على احد المسارات، سوريا كان ام فلسطينيا ام لبنانيا، لابتزاز تنازلات سياسية من مسار آخر لن يكون مصيره سوى الفشل الذريع. ولن يكون أي بديل للسلام العادل، الشامل والثابت الذي بمقدوره ضمان الامن والاستقرار والسلام لجميع بلدان وشعوب المنطقة.
د. احمد سعد *
الثلاثاء 29/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع