للاعلام الحمراء أيد امينة تعرف كيف تصونها!



ينظم الحزب الشيوعي الاسرائيلي وشبيبته الشيوعية والجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة غدا السبت، الثالث من شهر ايار، وفي مدينة الناصرة عاصمة الكفاح التقدمي طبقيا – اجتماعيا – اقتصاديا وسياسيا، وطنيا وأمميا، مظاهرة الالوف المؤلفة، العربية – اليهودية، بمناسبة الاول من ايار، يوم العمال العالمي. ولرفع شعارات الكفاح والاعلام الحمراء الخفاقة في عيد العمال العالمي في بلادنا مدلول سياسي غاية في الاهمية يعكس حقيقتين اساسيتين، الحقيقة الاولى، ان مختلف الاحزاب الصهيونية التي تدعي "اليسارية" انها احزاب عمالية او انها تخدم مصالح الشرائح الاجتماعية المقهورة في المجتمع الاسرائيلي الرأسمالي مثل حزب "العمل" و"ميرتس" وغيرهما قد تخلت عن ايار الكفاح وطوت اعلامه الحمراء ولحقت ربعها من احزاب اليمين الصهيوني واحزاب وتيارات الاشتراكية – الدمقراطية الاصلاحية والانتهازية في مختلف بلدان العالم في خيانة مصالح الطبقة الكادحة والفئات والشرائح المضطهدة في بلدان الانظمة الرأسمالية وفي التواطؤ مع ارباب الرأسمال واصحاب العمل والتآمر معهم ضد اجور ومستوى معيشة وظروف عمل وحياة العاملين والمستضعفين في المجتمع. فمنذ سنوات عديدة تخلت الاحزاب "العمالية و"اليسارية" المهيمنة على نقابة العمال العامة (الهستدروت) ليس فقط عن نشيد الاممية وعن اعلان الاول من ايار يوم عطلة رسمية، بل تخلت كذلك عن احياء هذا اليوم الكفاحي بمظاهرات كفاحية ترتفع من خلالها الاعلام الحمراء والشعارات النضالية دفاعا عن حقوق العاملين ومن اجل السلام العادل والمساواة القومية والمدنية للمواطنين العرب، للاقلية القومية العربية الفلسطينية، في اسرائيل، ومن اجل التقدم الاجتماعي وضد السياسة العدوانية وسياسة التمييز القومي العنصرية التي تنتهجهما السلطة الحاكمة عميلة وربيبة الامبريالية العالمية. ولا تشغل القضية الطبقية واحياء ايار الكفاح حيزا في اطار اهتمامات ونشاط الاحزاب والتيارات القومجية والاصولية الدينية بين الجماهير العربية في اسرائيل مع ان هذه الجماهير، هذه الاقلية القومية العربية تعاني من مآسي اضطهاد مزدوج، طبقي وقومي، في ظل نظام يمارس بمنهجية سياسة تمييز قومي عدائية وعنصرية فاشية ضد العرب. فعلى سبيل المثال ووفقا لمعطيات تقرير مصلحة التأمين الوطني السنوي فقد بلغت نسبة الفقر، النسبة العامة للذين يعيشون تحت خط الفقر في اسرائيل عام الفين وستة حوالي واحد وعشرين في المئة، اما بين المواطنين العرب فقد تعدت النسبة الستة والاربعين في المئة، اكثر من ضعفي نسبة الفقراء بين المواطنين اليهود في اسرائيل.
امام هذه المواقف المعادية والمتخاذلة لأول ايار الكفاح وأعلامه النضالية الحمراء، لا يستطيع أي انسان موضوعي ان ينكر حقيقة تاريخية وموضوعية قائمة حتى اليوم وهي ان القوة السياسية الوحيدة في هذه البلاد التي لم تطوِ يوما اعلام ايار الكفاحية او تتخلى عن دورها في تجنيد الجماهير العربية واليهودية الى المعترك الكفاحي في الاول من ايار وفي غيره من الايام النضالية الوطنية والتقدمية، هذه القوة هي الحزب الشيوعي وشبيبته وجبهته الدمقراطية للسلام والمساواة.
والحقيقة الثانية، ان الحزب الشيوعي بصفته حزبا طبقيا ثوريا، حزب الطبقة الكادحة وجميع المضطهدين والمميز ضدهم طبقيا وقوميا وطائفيا وجنسيا قد ابدع في منهجه ونهجه الكفاحي الممارس في جبْل وصقل الاممي والقومي والوطني والطبقي في اطار هوية نضالية مصقولة ومميزة على الساحة النضالية في اسرائيل. فانطلاقا من حقيقة انه حزب اممي، يهودي – عربي في بنيته الهيكلية، مسلح بفكر الطبقة الكادحة الماركسي – اللينيني وبمنهجه المادي الجدلي الثوري، فان الحزب الشيوعي في بلادنا، وعلى مدار مسار التطور والصراع خلال الستين سنة الماضية منذ قيام اسرائيل وانفجار جرح نكبة الشعب العربي الفلسطيني النازف دما حتى يومنا هذا، كان الحزب الشيوعي ولا يزال المدافع الامين عن المصالح الحقيقية القومية الوطنية والطبقية الاجتماعية للجماهير العربية في اسرائيل.
ولا يستطيع أي مزور لتاريخ التطور والصراع في بلادنا ان ينكر ان للحزب الشيوعي دوره الريادي والقيادي في صقل الوعي السياسي والنضالي للجماهير العربية وفي بلورة الهوية السياسية السائدة لهذه الاقلية القومية كقوة دمقراطية لها وزنها النوعي والكمي في معارك الكفاح من اجل السلام العادل ونصرة الحق الفلسطيني المشروع بالدولة والقدس والعودة، ومن اجل المساواة القومية والمدنية للاقلية القومية العربية الفلسطينية في اسرائيل ومن اجل العدالة الاجتماعية والتقدم الاجتماعي. لقد تطرقنا في معالجة سابقة نشرت في "الاتحاد" الى المدلول السياسي لانتفاضة الشيوعيين في ايار الثمانية والخمسين، أي قبل خمسين سنة، التي عكست الهوية النضالية المميزة للشيوعيين التي تجمع في اروع وحدة جدلية لا تنفصم بين الاممي الطبقي والقومي الوطني. ففي الثمانية والخمسين لجأت السلطة الظالمة الى قوانين الطوارئ الانتدابية والى ارهاب الحكم العسكري واذرع القمع البوليسية لمنع التظاهر في اول ايار، منع المظاهرتين القطريتين في الناصرة لقرى الجليل وفي ام الفحم لقرى المثلث، والاستعاضة عن هذا اليوم الكفاحي باقامة "عرس الافراح والليالي الملاح" بمناسبة مرور عشر سنوات على قيام اسرائيل. وهبّ الحزب الشيوعي بانتفاضة ضد التوجه السلطوي التعسفي والمستهتر بشعور الجزء الباقي من الشعب الفلسطيني متشبثا بتراب وطنه. وقرر الحزب انه لن يطوي اعلامه الحمراء الكفاحية ولن يلغي المظاهرات في يوم الطبقة العاملة، كما اشهر الحزب سلاحه النضالي ضد العدمية القومية ومحاولة تدجين الجماهير العربية في حظيرة الولاء للصهيونية، فيوم استقلال اسرائيل بالنسبة للجماهير العربية ليس يوم فرح وسرور احتفالي بل يوم مأتم جنائزي، يوم ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني التي تؤلف هذه الجماهير جزءا عضويا من مآسي هذه النكبة. ولهذا كانت هبة الشيوعيين في الثمانية والخمسين محطة كفاحية تاريخية هامة ساهمت في صقل الهوية القومية الوطنية والاعتزاز بالكرامة القومية والدفاع عنها لدى جماهيرنا العربية.
واليوم عشية المظاهرة الكفاحية الجماهيرية القطرية في ناصرة الكفاح نود التأكيد ان هذه المظاهرة في اول ايار تكتسب اهمية كبيرة من حيث مدلولها السياسي. ولعل هذه الاهمية تنبع من طابع القضايا الجوهرية الاساسية وما تفرضه من تحديات علينا مواجهتها، وستتمحور شعارات مظاهرة الناصرة حولها. وسأحاول باختصار شديد التوقف للكشف عن الجوهري في المدلول السياسي لطابع القضايا الجوهرية التي سأجملها في القضايا الثلاث الآتية:
* اولا: تصعيد سياسة القهر القومي العنصرية ضد الجماهير العربية. لا يختلف اثنان بانه منذ قيام اسرائيل على اطلال النكبة الفلسطينية تمارس حكومات اسرائيل المتعاقبة وخلال الستين سنة الماضية سياسة تمييز قومي عنصرية منهجية ضد العرب في شتى مجالات الحياة والتطور في اسرائيل. ولكن الظاهرة الجديدة التي بدأت تتعزز على ارض الواقع المأساوي في اسرائيل ان سياسة التمييز القومي العنصرية التقليدية "تطورت" الى سياسة عداء مكشوفة مشحونة بمد عنصري فاشي متصاعد يضع علامة سؤال حول حق الجماهير العربية، صاحبة وأهل هذا الوطن الاصلية التي لا وطن لها غيره في الوجود. والامثلة على هذا العداء والمد العنصري الفاشي كثيرة لا تعد ولا تحصى.
فالترانسفير العنصري لترحيل العرب من وطنهم حفاظا على الموازنة الدمغرافية لضمان اغلبية يهودية ساحقة وحاسمة في "دولة اليهود" تعدّى اروقة المناظرات الاكاديمية واصبح مطروحا على اجندة مشاريع السلطة العنصرية. الامر تعدى عواء ذئب الفاشية العنصرية افيغدور ليبرمان وحزبه "اسرائيل بيتنا" وتعدى القوانين العنصرية المعادية للعرب والتي تستهدف مصادرة الحقوق الدمقراطية وشرعية النشاط السياسي للعرب والنواب العرب، واقرار هذه القوانين في اعلى هيئة تشريعية، في الكنيست، البرلمان. لقد وصلت السلطة العنصرية الى درجة ممارسة سياسة الاقتلاع والتطهير العرقي، خاصة ضد عرب النقب، وذلك من خلال مشاريع حكومية يطلق عليها جزافا اسم "مشاريع تطوير النقب والجليل" ولكنها في الواقع مشاريع لمواصلة تهويد النقب والجليل التي تستهدف ترحيل عرب النقب من القرى العربية غير المعترف بها سلطويا وتركيز المهجرين في مراكز اشبه ما تكون بمعسكرات الاعتقال ومصادرة اراضيهم لاقامة مستوطنات ومزارع رأسمالية يهودية. لقد وصلت سياسة الحكومة الى درجة طرح مشروع "المبادلة" العنصري، مبادلة مستوطنات اوباش المستوطنين من المناطق الفلسطينية المحتلة مقابل قطع المثلث العربي، ام الفحم  والقرى المجاورة لها، من جسد وطنها، وضمه او ترحيل اهله الى مناطق الكيان الفلسطيني الذي سيقوم! ولا تكتفي السياسة العنصرية بممارسة هذه السياسة الاجرامية بل تعمل على فرض الاذلال القومي على جماهيرنا. تعمل على فرض "الخدمة المدنية" على الشباب العرب من خلال معادلة تضليلية كاذبة تربط بين الحقوق والواجبات. فالحقوق مطلقة بغض النظر عن الواجبات وعلى قاعدة المساواة بين جميع افراد المجتمع وبغض النظر عن الواجبات. وليس من المنطق ومن منطلق قومي وطني وانساني واخلاقي ان يخدم العربي خدمة مدنية تعتبر مقدمة لخدمة عسكرية ووسيلة تخدم في نهاية المطاف سياسة التمييز القومي ضد العرب والعدوان والجرائم والاحتلال ضد شعبنا الفلسطيني. كما فعلت وزيرة المعارف خيرا برفع الفرض التعسفي على المدارس العربية الاحتفال بعيد استقلال اسرائيل، فكما لم نحتفل في السنوات الماضية بهذه المناسبة التي تعني بالنسبة لنا ذكرى نكبة شعبنا، حيث نقوم بزيارة قرانا المهجرة لترديد القسم الوطني حول اصرارنا على حق العودة مهما طال الزمن، فحق العودة لا يخضع لقانون التقادم الزمني. ومسيرة العودة في صفورية المهجرة هذه السنة في انتظار الجميع.
* الطبقي وتفاقم الوضع الاجتماعي: السياسة النيولبرالية، الخصخصة واقتصاد السوق تقطع في لحم وعظام الفئات الاجتماعية محدودة الدخل وتتسع هوة التقاطب الاجتماعي بين الاغنياء والفقراء وتتصاعد الهجمة على حقوق العاملين وضرب النقابات والاتفاقات الجماعية. ففي "جنة عدن" السياسة النيولبرالية يعيش في اسرائيل اكثر من مليون ونصف مليون مواطن يهودي وعربي تحت خط الفقر، وفي عشية عيد الفصح العبري الاخير فان اكثر من مليون يهودي اصطفوا في طوابير طويلة لأخذ اعانة وبعض السلع الغذائية لأنهم لا يملكون قدرة مادية لادخال البهجة الى البيوت المعدمة والفقيرة. واذا كانت النسبة بين المواطنين اليهود ان كل خامس يهودي فقير فان النسبة بين المواطنين العرب هي ان كل ثاني عربي فقير. وهذا الوضع ليس نتيجة ضربة من السماء بل النتيجة الحتمية للسياسة النيولبرالية، لسياسة الاحتلال والاستيطان والعدوان، لسياسة القهر الطبقي الاستغلالي الرأسمالي. وبفعل موجة الغلاء الاخيرة ستكون النتيجة الحتمية زيادة عدد الفقراء والمحتاجين، خاصة وانه في ظل السياسة النيولبرالية فقد العاملون آلية التعويض عن الغلاء، فجدول الغلاء الجديد اصبح عاملا لتردي الاوضاع المعيشية لعدد كبير من العاملين وذوي المخصصات محدودة الدخل الهزيل.
* سياسة الكوارث العدوانية: نظرا لضيق المجال فسأكتفي في هذه العجالة للتحذير من مغبة سياسة الكوارث العدوانية التي تنتهجها حكومة اولمرت - براك، حكومة الاحتلال الاسرائيلي، التي تغتال أي امل او جهد او مبادرة، عربية كانت ام دولية، للتسوية السياسية العادلة للصراع الاسرائيلي – الفلسطيني – العربي. فتصعيد جرائم المجازر او العقوبات الجماعية والحصار الاقتصادي – التجويعي على مليون ونصف مليون فلسطيني في قطاع غزة وجرائم الحرب المتعددة التي يمارسها المحتل في الضفة والقطاع، يعكس حقيقة ان وجهة حكومة الكوارث والاحتلال ليست ابدا بالجنوح نحو السلام، واندماج حكومة اسرائيل في اطار المشروع الاستراتيجي الامريكي للهيمنة في المنطقة ينذر بمشاركة اسرائيل، او قيامها بمفردها، باشعال فتيل عدوان او "حرب استباقية" ضد ايران او سوريا او لبنان بحجة الانتقام من المقاومة اللبنانية وخاصة من حزب الله الذي مرغ انف المعتدين الاسرا امريكيين في صنة الاوحال اللبنانية في الحرب الاخيرة.
ان المؤشرات الثلاثة المذكورة تؤكد الاهمية السياسية النضالية لانطلاق الصرخة الجماعية من افواه الالوف المؤلفة، واكثر من أي سنة سبقت، غدا السبت في مظاهرة الاول من ايار، يوم العمال العالمي. فقضايا السلام والمساواة ورغيف الخبز تستدعي التحشيد الجماهيري العربي واليهودي، اليهودي والعربي تحت مظلة غابة الاعلام الحمراء.

د. احمد سعد
الجمعة 2/5/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع