أين انتفاضة الأرز؟



في الأيام الأخيرة دارت أحاديث كثيرة حول الارتفاع الحاد أسعار المواد الغذائية كالأرز والزيت وغيرهما. وهذه البداية فقط، على أساس أنها أزمة عالمية، لا شبق لإسرائيل فيها ولا عبق.
أعتقد أننا جميعًا ردّدنا نفس التساؤل: لماذا لا يتحرك أحد؟ لماذا الصمت؟ أين انتفاضة الأرز؟ وهكذا صار عدم التحرك أمرًا مسلمًا به. والأنكى هو أن انتظار هذا التحرك بات أمرًا مسلمًا به أيضًا. ونحن طبعًا حين نطرح هذا التساؤل فهو في أغلب الأحيان يتعلق بالشارع اليهودي، فنحن، المواطنون العرب، ندرك أن الاحتجاجات على هذه الخطوات لا يمكن أن تؤثر إذا لم تنتشر وتغلغل في الشارع اليهودي.
لا يمكن برأيي، أن نبالغ في التعويل على الشارع اليهودي. علينا ألا ننتظر أن يثور الشارع اليهودي، وبالتحديد فئاته المستضعفة، فالشارع اليهودي في هذه القضايا بالذات، بحاجة إلينا أكثر مما نحن بحاجة إليه. ان هبةً شعبية على رفع الأسعار لا يمكن إلا أن تبدأ عندنا. هذا أيضًا بالإضافة الى أننا أكثر المتضررين من هذه الإجراءات، فقرانا ومدننا تتصدر قائمة البلدات المنكوبة بالبطالة، 50% من العائلات العربية تعيش تحت خط الفقر، مقابل 15% من العائلات اليهودية. وكما يقول المثل الشعبي "اللي إيدو بالمي مش زي اللي إيدو بالنار".
إن إحدى أهم النظريات في الإعلام تقول بأنه ليس بالضرورة أن يملي الإعلام على الناس "كيف" تفكر، ولكنه يملي على الناس "بم" تفكر. ولن يكون الباحثون بحاجة إلى الكثير لإثبات هذه النظرية هنا في إسرائيل، ففي الآونة الأخيرة مثلا نشهد تصاعدًا واضحًا في وتيرة العناوين الصارخة حول احتمال نشوب حرب في المنطقة، تهديدات إيرانية تارة، مناورات عسكرية اسرائيلية تارة أخرى، معدّات عسكرية حديثة تصل من روسيا الى سوريا تارة ثالثة، جنرالات ومحللون عسكريون يغمرون الشاشات والصفحات بتوقعاتهم حول "التهديدات على إسرائيل". كيف ومن سيحتج على ارتفاع أسعار الأغذية؟ فتصنيع الخوف والرعب لدي الإسرائيليين هي الوسيلة الأنجع والأنجح لإخماد أي صوت يطرح الأسئلة حول النظام القائم، وخاصة الاقتصادي.
هذا كله، ناهيك عن العمل المبرمج والمتواصل على إحباط أي نضال لمواجهة السياسات النيوليبرالية. وهنا أيضًا يلعب الإعلام دورًا كبيرًا، فهو لا يجرؤ على الاعتراض على النظام الاقتصادي القائم، هذا كله بالإضافة إلى رجال ونساء السياسة الذين يخدمون أسيادهم/ن من أصحاب رؤوس الأموال، والجنرالات الذين يهيمن خطابهم العسكري على الرأي العام.
في الأعوام الأخيرة لاحظنا وانتعشنا ببذور صحوة طبقية في إسرائيل جرّاء سياسة نتنياهو النيولبرالية والتي شملت الخصخصة وتقليص مخصصات الأطفال والبطالة والشيخوخة وغيرها. وشهدنا  العديد من النضالات الاجتماعية منها نضال الأمهات المعيلات الوحيدات (ما يعرف بنضال فيكي كنافو) ونضال عمال الموانئ ونضال الطلاب ومؤخرًا نضال المعلمات. كلها نضالات تم احباطها ومهاجمتها بأساليب ديماغوغية، وكلها فشلت في إحداث أي تغيير على استراتيجية الحكومة. وحتى تلك التي نجحت - كنضال ذوي المحدوديات الجسدية ومرضى سرطان الأمعاء الغليظة - نجحت لأنها لم تتحد النظام القائم ولم تعترض عليه، بل حصّلت مطالب عينية لفئة عينية، وغيّرت بندًا صغيرًا في ميزانية الدولة من بين آلاف البنود المرتبة ضمن رؤية سياسية مبرمجة.
وإذا تتبعنا أساليب وزارة المالية والحكومة والإعلام ايضًا في مواجهة النضالات الاجتماعية فسنجد خطًا واحدًا وهو خطاب تحميل المسؤولية للمستضعف (أو ما يعرف بلوم الضحية، وهو نفس أسلوب الحكومة الإسرائيلية في تحميل شعبنا الفلسطيني مسؤولية وقوعه تحت الاحتلال!). فقالوا عن المعطلين عن العمل إنهم "كسولون ولا يريدون العمل"، عن الطلاب قالوا "نضال رفاهية"، عن المعيلات الوحيدات قالوا "يعتمدن على المخصصات ولا يبحثن عن عمل"، عن العائلات الفقيرة قالوا "ينجبون الكثير من الأطفال" وعن المعلمات قالوا "لا يأبهن لمصلحة الطلاب".
هذا بالإضافة إلى ترسيخ مصطلحات يكمن وراءها هدف واضح، فمثلاً يستعمل الإعلام وغالبية الناس مصطلح "الضعيف" وليس "المستضعف"، الفئات الضعيفة وليس المستضعفة، إلى أن ينظر الناس إلى أنفسهم كضعفاء وبالتالي عديمي الحيلة والقدرة على تغيير واقعهم.
هذه العوامل وغيرها تضع المسؤولية علينا. إن تعزيز ثقة الناس بقدرتها على التغيير يحدث فقط من خلال تحرك شعبي-جماهيري سريع وواسع عربي يهودي لمناهضة رفع الأسعار. فلا يمكن التعويل على الشارع اليهودي، ولا يمكننا أن ننتظر الخلاص من هناك. هذا النضال لا يمكنه إلا أن يبدأ هنا! هنا أول أيار، هنا الناصرة، هنا الجماهير العربية، وهنا الحزب الشيوعي والجبهة الدمقراطية.

عبير قبطي
السبت 3/5/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع