ستون أملا ً !



كثيرًا ما يعني أن زنبقة ً في وَسَط الرّكام، تمنحكَ الرجاء في بناء حدائق، وحتى وإن سَخرَ الركام من خيالكَ هذا، فإنك تصرّ عَلى توفير موطِئ لهُ في عقر دارِكَ.
والأمَلُ باقٍ ما بقيَ شعبي هذا، لأعلنها على رؤوس الأشهاد بأنكم أنتم الزنابق والزيزفون ذوو القدرَة الهائلة عَلَى التشابُك والإلتِصاق بالحيطانِ والأعمِدَة، وكلّ ما هُوَ مُشرَئب بعنقهِ إلى أعلى.
أحبّكم أهلَ بلادِي لأننا كلما نأينا عَن تاريخ النكبَة، إلتهبَت أجسادُنا بحُمّى الحَدَث، واشتعلت قلوبنا بذكرى صارَت طيفا  لا يُفارِقنا.
ويُعجبُنِي الأَمْرُ هُنا بنتائجهِ العكسيّة حَيثُ التناسب العكسي مع التاريخ، فكلما مرت الأيام أكثر تأجَّج الشوق للعودة أكثر، فمثلاً أتذكر انه قبل عشرين عاما كانت ذكرى النكبة رمادا ، لتمر عشرة أعوام اخرى وتصبح جمرةً، ثم خمسة اخرى فتصبح نارا  مشتعلة، حتى انه في هذهِ الأيام لم يعد لنا طاقة بتحمّل تبعاتها وأنينها، وصورها العالقة في أذهاننا، والإصرار على جعلها تاريخا غير عابرا .
كان العمر بعدها كمّا لا يستهان بهِ مِنَ الشقاءِ، وتربَّصت بنا النوائب، فزادت السجون والمعتقلات، والأمهات الثاكلات، وتذمَّرت الأقمشة البيضاء من نقصها الدائم بسبب استعمالها كأكفانٍ للشهداء، أم الأقمشة الحمراء والخضراء والسوداء فباتت تلفُّ كل مرة عنقاء جديدة، لتصبح السماء سحابا من العنقاوات.
كان العمر بعدها خياما ومنفى، وآباء وامهات نسوا أولادهم في البيوت من شدة الفزع، وشيوخ نسوا عكاكيزهم ، وحكمتهم وتاريخهم عند المَسَاجد، وغرف الكـُتـَّاب، صبايا نسينَ جرارهنَّ وجوارحهنَّ عند نبع المياه، شباب مضوا الى مصائرهم محاصرين بالهزيمة، لكننا اليوم مصممين على العودة أكثر من قبل لنبحث عن أشيائنا التي نسيناها، وسنجدها إن شاء الله ما دامت القطيعة لم تعثر على مكان لها عندنا .
نحبك فلسطين كل يوم أكثر، ونؤكد لكِ أننا لن نحاصر مرة بالنسيان، وان حبك مرضٌ من نوع المعافاة والنجاة، وأحسبُ أننا نعيش كل يوم أملا جديدا، وفي السنة ثلاثمئة وخمسة وستون أملاً، ليَصِير عندنا منذ عام النكبة أرضا مأهولة بالآمال وبالأحبة، فستون أملاً حيث سيحتفل الآخرون بهذا العدد ، لا تكفي للعودة إليك.

(أم الفحم)

مها فتحي *
الأربعاء 7/5/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع