حزبنا الشيوعي يُحيي 90 عامًا من النضال:
ذكريات خِتيار لم تمُتْ أجياله (18)



* ...الوفود كانت قد بدات بالتوافد الى عكا من اكثر من اربعين مدينة وقرية والجميع يهتف بصوت واحد من اجل الغاء "مشروع قانون التجميع" وكان على المبادرين ايجاد بديل لقاعة سينما بستان وفي النهاية وجدوا قاعة "الدلالين" من اجل عقد هذا المؤتمر الهام. وهكذا غصت هذه القاعة الرحبة بالجمهور المشارك في هذا المؤتمر بالرغم من كل الجو الارهابي الذي عملت على فرضه السلطة واذرعها في مداخل مدينة عكا وفي ساحات المدينة القديمة التي"لا تخاف من هدير البحر"..*

 

في اواسط سنة 1960 صدرت تصريحات معاديه بشكل سافر ووقح ضد المواطنين العرب داخل اسرائيل من شخص يدعى لوبراني، الذي كان يعمل موظفا في مكتب رئيس الحكومة الاسرائيلية بن غوريون في ذلك الوقت. حيث قال "ان هناك نفر من العرب وافرادا من المثقفين العرب يتكلمون عن الشعب اليهودي بلهجة نازية". ولم يمر وقت طويل على مثل هذه التصريحات واذا برئيس الوزراء يعينه مستشارا له للشؤون العربية. وبعد هذه الترقية زاد من عنصريته ولم يتوقف عند هذا الحد من التصريحات العنصريه والمعاديه للجماهير العربية. بل تعداها بتصريحات اكثر عنصرية حيث ادلى بتصريحات اخرى في اوائل سنة 1961 حيث قال "العربي عدو لدود ابدي. ولا يمكن ان يكون جسرا للسلام بين اسرائيل والدول العربية. والحكم العسكري هو السبيل الوحيد لحكم العرب. ومن الضروري مصادرة الاراضي العربية ومن الافضل ان لا يكون هناك طلاب عرب ولو بقوا حطابين وسقاة ماء لكان من الاسهل ان نحكمهم" هذه هي "الجواهر" التي نطق بها  المستشار للشؤون العربية في ذلك الوقت. طبعا مثل هذه التصريحات لا يمكن السكوت عليها وهنا كان دور الحزب الشيوعي المميز للتصدي لمثل هذه التصريحات العنصرية الصادرة عن احد المسؤولين المباشرين عن الشؤون العربية. وفعلا بدا العمل من اجل تجنيد اوسع القوى بين الجماهير العربية والقوى الديموقراطية اليهودية من أجل العمل بجبهة واسعة ضد مثل هذا المستشار العنصري والذي لا يتمتع باخلاق انسانية وبشكل خاص تجاه الجماهير العربية في هذه البلاد. فكيف يمكن له ان يكون مسؤول عنها وان مثل هذا لا يستحق ان يكون له أي ارتباط مع جماهيرنا العربية ولذلك من المهم التجند والعمل ضد السياسة العامة لهذه الحكومة التي تعين مثل هذا المستشار. حتى ان احد الصحفيين المعروفين في صحيفة هارتس مقت مثل هذه التصريحات وهو الصحفي "زئيف شيف" حيث كتب في جريدة هارتس مقالا بتاريخ 4-4-1961 تحت عنوان "لو كنت عربيا " قال فيه "لو كنت عربيا-عربيا اسرائيليا – ذا نيه حسنه ونوايا ايجابية حيال الدولة لفقدت ذلك الشعور دفعة واحدة واصبحت عن وعي كارها للدولة بعد سماع اقوال السيد اوري لبراني صاحب اعلى مكانة في شؤون الاقليات في اسرائيل" وواضح ان هناك قوى ديموقراطية اخرى كانت لها مواقف جريئة ضد مثل هذه التصريحات.
في هذه الفترة ايضا طرح في الكنيست الاسرائيلي قانون"تجميع الاراضي" هذا القانون الذي في جوهره يستهدف الاراضي العربية في الاساس ولذلك قامت هبّه شعبيه بين جماهيرنا ضد هذا القانون الجائر وعلى هذا الاساس كان المبادر من اجل احداث مثل هذه الهبة الحزب الشيوعي وعمل على تعبئة الجماهير الواسعة ضد هذا القانون. وعمليا بسرعة تنادت الجبهه الشعبيه هذا الجسم الاوسع الذي خلقته احداث ايار سنة 1958 من اجل الدعوة الى عقد مؤتمر تمهيدي بهذا الخصوص وبعده دعت لعقد مؤتمر عام من اجل توحيد الجهود لالغاء هذا القانون وبادرت فروع الحزب والشبيبة الشيوعية وبتوجيه من الحزب مركزيا بالعمل على توقيع عرائض تطالب فيها بالغاء هذا القانون العنصري. وكانت عرابة من اوائل القري التي بادر فيها الحزب الشيوعي في التوقيع على عريضه بهذا المعنى وقد وقع عليها جميع مخاتير القرية وخوري القرية في ذلك الوقت بالاضافه الى العشرات من فلاحي عرابه البطوف. وكان ذلك في اوائل تشرين ثاني من سنة 1960 وبناء على هذه النشاطات التى حدثت في قرانا تنادت عدد من الشخصيات العربية من اجل عقد مؤتمر عام للجماهير العربية ضد هذا القانون "هذه صورة عن اسماء هؤلاء الشخصيات التي دعت لعقد المؤتمر" وبناءا على البحث الذي جرى تقرر عقد المؤتمر في حيفا بتاريخ 5-2-1961 ومنذ ان تقرر تاريخ عقد المؤتمر بدأت السلطات بمختلف اجهزتها تعمل باساليبها الرخيصه والعنصريه من اجل منع انعقاد مثل هذا المؤتمر الجماهيري وبدات بمختلف اساليب التهديد والوعيد لاصحاب القاعات السينمائيه في حيفا وتحذرهم من خطر اعطاء أي قاعه من اجل عقد مثل هذا المؤتمر. ولذلك رفض جميع اصحاب  هذه القاعات السينمائية في حيفا اعطاء أي قاعة من اجل عقد هذا المؤتمر. وبناءا على هذا الواقع الجديد اضطر المبادرون الى نقل المؤتمر الى مدينة عكا وعقدوا اتفاقا مع اصحاب قاعة سينما بستان هناك. ولكن اصحاب القاعة ونتيجة لضغط من رجالات السلطة والبوليس تراجعوا واقفلوا ابوابها واختفوا. ولكن الوفود كانت قد بدات بالتوافد الى عكا من اكثر من اربعين مدينة وقرية والجميع يهتف بصوت واحد من اجل الغاء " مشروع قانون التجميع " وكان على المبادرين ايجاد بديل لقاعة سينما بستان وفي النهاية وجدوا قاعة " الدلالين" من اجل عقد هذا المؤتمر الهام وهكذا غصت هذه القاعة الرحبة بالجمهور المشارك في هذا المؤتمر بالرغم من كل الجو الارهابي الذي عملت على فرضه السلطة واذرعتها في مداخل مدينة عكا وفي ساحات المدينة القديمة التي" لا تخاف من هدير البحر " وكذلك وبالرغم من الاعتقالات التي جرت قبل المؤتمر لعدد من الشخصيات الداعية لهذا المؤتمر. صحيح ان السلطة استطاعت ان تخلق جوا ارهابيا ولكن هذا الجو الارهابي زاد من تصميم الجماهير على انجاح المؤتمر وهكذا افشلت الجماهير جميع مخططات السلطة ونجح المؤتمر هذا المؤتمر الهام في حياة الجماهير العربية في هذه البلاد. وكان قد اتخذ فيه قرارات هامة. وانتخب فيه رئاسة من اجل مواصلة النضال ضد مثل هذا القانون الجائر. وقد جاء في القرار الاساسي الذي اتخذه المؤتمر ضد هذا القانون " ان القانون جاء ليتمم قوانين عنصرية سابقة كان منها قانون استملاك الاراضي سنة 1953 وقانون مرور الزمن وكلها تهدف الى مصادرة الاراضي العربية " ان سنوات الخمسينات الاولى كانت من اصعب السنوات على جماهيرنا العربية في هذه البلاد حيث كانت الجماهير ما زالت تعيش حالة من الرعب والياس حتى جاءت انتفاضة ايار 1958 التي ادت الى تخطي حاجز الخوف والانطلاق في التصدي الى مختلف القوانين العنصرية بوحدة اكثر وعزيمة اقوى حيث كان قد سنت قوانين عديدة جميعها تهدف الى سلب الفلاحين العرب من اراضيهم وكان اخر هذه القوانين الذي تحدثنا عنه سابقا "قانون تجميع الاراضي" واستطاع العمل المتواصل لقبر هذا القانون ولكن وفي ذلك الوقت ايضا جاء القرار بمصادرة اراضي في سهل البطوف من اجل تمرير المشروع القطري للمياه. وان هذه الاراضي المصادرة تملك الاكثرية المطلقة منها قرى سخنين وعرابة. وكان من الطبيعي ان يكون المبادر الاول للتصدي لهذا المخطط السلطوي فرع الحزب الشيوعي في عرابة وقد قام بالعمل على تجنيد الفلاحين للعمل المشترك ضد هذا المشروع. ومن اجل هذا الهدف عقد الحزب الشيوعي اجتماعا شعبيا في القرية في اوائل نيسان من سنة 1961 حضره العشرات من الفلاحين والاهالي حيث تكلم فيه اولا سكرتير فرع الحزب الشيوعي الرفيق ابراهيم شكري وبعده عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الرفيق اميل حبيبي. وفي هذا الاجتماع دعا الى وحدة الصف وقال في كلمته "ان هذا الاجتماع الضخم،الذي يعبر عن وحدة القرية، يزيل الياس من نفوس اليائسين ويؤكد ان الفلاحين مستعدون للنضال دفاعا عن ارضهم المهددة " ودعا ايضا لعقد مؤتمر لاسماع صوت الفلاحين للراي العام. وفي نفس الفترة كانت منطقة الناصرة للحزب الشيوعي قد اصدرت بيانا ونداءا الى اهالي قرى البطوف.وفيه جرى تحديد مطالب الفلاحين العادلة من السلطات ودعا الى  وحدة الصف الكفاحية من اجل التصدي لهذه المؤامرة الجديدة على الفلاحين في البطوف. وكان بعد هذا الاجتماع الذي عقد في عرابة قد كتب الرفيق اميل حبيبي اسبوعياته المعهوده في ذلك الوقت تحت عنوان " اطمروها " بتاريخ 6-4-1961 حيث كان المطلب الاساسي لجماهير الفلاحين ان تكون القناة مطمورة تحت الارض. وقال فيها "هذه طريقكم في كفاحكم العادل الحالي هذا، فتجندكم في هذا الكفاح خصوصا الان وبيت الحكم البنغريوني من زجاج والاحزاب تتراضاكم، هو الذي سيصون حقوقكم العادلة في ارضكم "واضاف " سيصرخون - الشيوعيون يستغلون قضية البطوف لمآربهم الحزبية. لقد سالتكم هذا السؤال بالضبط حتى يصرخوا هذا الصراخ. ان مآرب الشيوعيين الحزبية، هي بالضبط اهداف الشعب العامة سنربح نحن الشيوعيون اكبر ربح حزبي حين يحافظ الفلاحين العرب على اراضيهم في سهل البطوف وفي كل مكان. فلا مصلحة لنا سوى مصلحة الشعب "
بعد هذا النشاط الواسع لاهالي قرى البطوف دعا الحاكم العسكري عددا من وجهاء عرابة وسخنين للاجتماع معهم من اجل البحث حول مشروع قناة البطوف وخلال حديثه معهم وفي حديث مبطن من اجل ارهابهم اتهمهم بالشيوعية لانهم يتعاونون مع الشيوعيين ضد هذا المشروع. وعندها رد عليه احد اعضاء الوفد وقال له اذا كان الذي يدافع عن ارضه شيوعيا فلا يوجد ناس مخلصين غير الشيوعيين. وهذا الحديث اغاظ الحاكم العسكري ولكن الذي تحدث لم يتراجع عن حديثه. وفي تلك السنة جرت انتخابات الكنيست الخامسة بتاريخ 15-8-1961 وكان الشيخ عوض خلايله مرشحا في قائمة سيف الدين الزعبي وجبر داهش وكان مكانه الثالث في القائمة وكما هو معروف فان جميع القوائم العربية في ذلك الوقت كانت مرتبطة بحزب مباي، وقد عقد لهذه القائمة اجتماعا شعبيا في سخنين وكان حاضرا فيه وزير الشرطة في ذلك الوقت " بخور شطريت " وكان احد المتكلمين في هذا الاجتماع الشيخ عوض خلايلة وقد قال في كلمته موجها كلامه للوزير حيث قال "اننا نضع ارض البطوف امانة في عنقك يا حضرة الوزير ".هذا في الوقت الذي كانت فيه المعركة على اشدها ضد مشروع قناة البطوف القطري. وطبعا حمل الوزير الامانة وعمل باخلاص من اجل تنفيذ هذا المشروع.
في ذلك الوقت بالذات صدر قرارالمصادرة لاراضي البطوف التي سيمر بها مشروع المياه القطري. هل الذين سلبوا ويسلبون حق شعب بكامله حقه في وطنه، يمكن ان يحملوا مثل هذه الامانة الغالية على جماهير قرى البطوف وعلى جماهير شعبنا كله ؟

(عرابة البطوف)
(يتبع)

توفيق كناعنة
السبت 10/5/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع