*من الشهادات: "تظاهرت بالموت... وضعوني على ركبة الشيخ فتحي الذي أخذ يبكي ورغم الألم قمت بقرصه من ركبته ففهم قصدي" *"جاء ضابط يدعى "كوهين" فضربني فبطحته أرضا وعضضته في وجهه" *"ما زلت أذكرجيدا كيف دخل أبو سامي الشريدي الى قاعة المحكمة وهو يلبس نظارة وقبعة وبنطلونًا قصيرًا دون أن يتعرف عليه أحد" *جاء عنصر من عناصر الشرطة وضربني ضربة قوية على رأسي بعصا ولما أحسست بالدم أخذت أنعفه بيدي لغزارته"*
*الحاج مصطفى محمد محمود أبو الخرز*
الحاج مصطفى أبو الخرز من مواليد مدينة حيفا، ولد عام 1928 وحمل السلاح وقاوم ضد سقوط حيفا فقبض عليه وأطلق سراحه. عندما كان طفلا شاهد مسيرة تشييع جثمان الملك فيصل الاول الذي مات مسموما. تبوأ منصب سكرتير الشبيبة الشيوعية في حيفا مدة 8 سنوات وفي سجن الدامون أصبح المدرب الرياضي للعديد من سجناء أول أيار 58 في رياضه الملاكمة.
عن أحداث أول أيار عام 58 في أم الفحم يقول: "يوم السبت 3.5.58 عقدنا اجتماعا شعبيا ليتحدث فيه النائب توفيق طوبي وذلك في ساحة مسجد المحاجنة اليوم ورغم الطوق دخل طوبي أم الفحم، وبدأ يخطب فجن جنون الحاكم العسكري الذي دفع بفرقة من الشرطة العسكرية الى الساحة، فاصطدم الشعب والرفاق مع شرطة الحاكم العسكري، نحن "نطخ" بالحجارة وهم "يطخون" بالرصاص في الهواء وتحت أرجلنا. استمرت المعركة حتى وصلنا مشارف حي المحاميد وهناك انسحب الرفاق فأخذ جواسيس الحاكم العسكري الملقب "بالامين" يتسابقون للتبليغ عن الرفاق وبدأت الاعتقالات، أما أنا فهربت واختبأت في البيت أحيانا وفي "الحواكير" القريبة أحيانا أخرى وبعد فترة سلمت نفسي في بنايه الحكم العسكري".
ويتابع الحاج مصطفى: "في بناية الحاكم العسكري قام الحاكم بضربي فضربته وكانت صحتي جيدة ثم ضربت أحد أفراد الشرطه العرب "شلوط" وأخذت ألعب به كالكرة ثم هربت ولكنهم عادوا والقوا القبض علي ثانية، فجاء ضابط يدعى كوهين فضربني "فبطحته" أرضا وعضضته في وجهه، بعدها اعتقلت في برديس حنا والجلمه ثم حكم عليّ بالسجن 16 شهرا ونصف الشهر و18 يوما وأدخلت سجن الرملة وسمعنا أنهم يضربون رفاقنا في الدامون فأخذنا نعمل المشاكل لكي ننتقل الى سجن الدامون لمساندتهم ولما انتقلنا التقينا مع الرفاق هناك، وفي السجن عملت في تسييج السجن وفي النظافة أحيانا بالاضافة الى المحاضرات التثقيفية، وفي السجن كان دوري تدريب عدد من سجناء أول أيار 58 رياضة الملاكمة.
*محمد علي خالد مرحة (ابو خالد)*
يحدثنا أبو خالد قائلا: "إن مظاهرة أول أيار وسيلة وطريقة نضال لكي ترفع الجماهير العربية صوتها وتوصل كلمتها للرأى العام المحلي والعالمي، وهذا ما حدث فعلا في مظاهرة أول أيار من العام 1958 حيث أكدت المظاهرة على شعارات "لا للحكم العسكري"، و"نعم لعودة اللاجئين". كما أظهرت المظاهرة أن الجماهير العربية هنا ترفض المشاركة في "مظاهر احتفالات" مرور 10 سنوات على قيام الدولة الأمر الذي أغضب الحكم العسكري فجرت مصادمات في الناصرة وأم الفحم ونفذت اعتقالات وصدرت أحكام سجن بحق رفاق أم الفحم ورفاق الناصرة أمثال: توفيق زياد، ومنعم جرجورة، وسليم القاسم".
وعن الصدامات خلال الاجتماع الشعبي بمناسبه الاول من أيار 1958 والذي عقد يوم السبت 3.5.58 في أم الفحم، فيقول أبو خالد: "ساحة مسجد المحاجنة كانت أشبه بساحة حرب حيث انتشرت الشرطة العسكرية، وما أن بدأ النائب توفيق طوبي بمهاجمة الحكم العسكري حتى بدأ الهجوم المخطط له علينا سلفا، الأمر الذي دفع رفاق الحزب والمشاركين في الاجتماع الشعبي للرد، فكانت ساحة حارة المحاجنة القريبة من بيتنا مليئة بالحجارة التي شكلت قوة ضاربة لنا للدفاع عن أنفسنا في وجه بطش الشرطة العسكرية وعربدة وطغيان الحاكم العسكري الذي اختبأ تحت سيارة متوقفة معلنا استسلامه".
ويتابع أبو خالد: "بعد تدخل شيوخ من حارة المحاجنة قررنا الانسحاب، وهنا جاء دور الاعتقالات فكل شخص اعتقل في نفس اليوم تعرض للضرب المبرح مثل لطفي العوض الذي ضرب بشدة ورغم الضرب كان يهتف: "فليسقط الطغيان العسكري"، أما أنا فسافرت مع عدد من الرفاق الى تل ابيب فوجدنا في بيوت رفاقنا اليهود ملاذا لنا، واستمر هذا الحال نحو شهر ولكننا كل اسبوع كنا نعود الى أم الفحم لتوزيع جريدة "الاتحاد" وبعد أن طلب منّا الحزب تسليم أنفسنا اعتقلت أنا والرفيق محمود حسين حصري "أبو العفو" في بيته بعد توزيعنا لصحيفة "الاتحاد".
وفي عارة أجريت لنا محكمة عسكرية ووجهت لنا تهمة القيام بأعمال الشغب والاخلال بالنظام، وما زلت أذكر كيف دخل ابو سامي الشريدي الى المحكمة وهو يلبس قبعة ونظارة وبنطلونا قصيرا دون أن يعرفه أحد من رجال الحكم العسكري والشرطة.
وصدرت عن المحكمة بحقنا أحكام بالسجن لمدد مختلفة فأنا حكم علي بالسجن سنتين ونصف وما أن صدر قرارالحكم حتى أخذ "أبو سامي" ينشد "أعشق عيشة الحرية" للموسيقار عبد الوهاب.
بعدها دخلنا سجن الرملة ثم الدامون وهناك كان لنا لقاء مع رفاق الحزب الشيوعي من سجناء أول أيار 1958 من كافة المناطق".
*الشيخ فتحي انيس محاميد (ابو محمود)- 71 عاما*
يحدثنا الشيخ فتحي أحد سجناء أول أيار الذي أصيب إصابة بالغة: "كما تعودنا كل عام في أول ايار نظمنا اجتماعا شعبيا بالمناسبة وعلى ما يبدو أن هذا الامر استفز الحاكم العسكري "الامين" فأرسل شرطته العسكرية وحصلت صدامات بيننا وبين الشرطة العسكرية بلغت أوجها عند إنزال الرفيق توفيق طوبي عن برميل الخطابة وبالحجارة المتواجدة بكثرة صددناهم فأخذوا باطلاق النار في الهواء لتخويفنا".
وعن إصابته يقول الشيخ فتحي: "خلال الصدامات جاء عنصر من أفراد الشرطة وضربني ضربة قوية على رأسي بعصا، الضربة كانت صعبة ومؤلمة جدا فوضعت يدي على رأسي ولما أحسست بالدم ينزف أخذت "أنعفه" بيدي لغزارته، وهنا أدرك بعض الاهالي ما حصل لي فأحضر أحدهم "حطة" وقام بلف رأسي لمنع النزيف، لم تكترث الشرطة لما حصل لي فقامت باعتقالي وأنا مصاب حيث حكم علي بالسجن 13 شهرا من خلال محكمة عسكرية فسجنت في سجن طبريا وكانت المعاملة عنصرية وقاسية".
*خالد أحمد جبارين (أبو احمد)- 72 عاما*
يقول أبو احمد: "ما زلت أذكر جيدا أحداث الاجتماع الشعبي بمناسبة أول ايار فصورتها ما زالت ماثلة في ذاكرتي حتى اليوم، ولا أنسى البرميل الذي أحضرناه الى الرفيق طوبي للوقوف علية ليكون بمثابة منصة الأمر الذي أغضب الشرطة المتواجدة فدارت صدامات عنيفة بيننا وبين زلم الحاكم العسكري وشرطته".
وتابع: "عدت الى البيت وفي الساعات الاولى من ليلة يوم الصدامات حضرت قوة من الشرطة واعتقلتني بتهمة الاخلال بالنظام والاعتداء على الحاكم العسكري وأفراد الشرطة. وتنقلت بين سجون زمرين والجلمة والدامون خلال فترة محكوميتي التي فرضتها المحكمة العسكرية والتي بلغت 13 شهرا".
ويضيف أبو أحمد: "خلال محاكمتي أمام المحكمة العسكرية التي رفضنا أحكامها الجائرة وجهت لي تهمة الاعتداء على عناصر الشرطة العسكرية وخلال سير المحكمة حضر "شاهد" للإدلاء بشهادته فحاولت الاقتراب منه وضربه الا أنهم منعوني من ذلك لان هدف هذا الشاهد كان الحصول على بندقية صيد ولكن عن طريق الوشاية بي للحاكم العسكري".
*إبراهيم حصري (ابو بديع)- 88 سنة*
يحدثنا أبو البديع: "كان عمري في ذلك الوقت 24 سنة في عز شبابي وكنت من المسؤولين عن تنظيم الاجتماع الشعبي للأول من ايار. لقد صادف احتفالنا بأول ايار من عام 1958 مع احتفالات "عاشوراء" اسرائيل أي بمناسبة مرور 10 سنوات على قيام الدولة.
أرادت السلطة في حينه والتي تمثلت بالحاكم العسكري وأعوانه منعنا من عقد الاجتماع الشعبي ومنع الرفيق توفيق طوبي من دخول ام الفحم.
ويتابع ابو البديع حديثه: "ما أن بدأ الرفيق توفيق طوبي بإلقاء كلمته حتى هجمت الشرطة العسكرية لإنزاله عن ظهر البرميل الذي وقف عليه، فدارت معركة حامية بين المشاركين والشرطة، ضرب خلالها الحاكم العسكري ولما هدأت الصدامات اختبأت أنا وأخي أبو العفو في بيت طه الحاج محمد محاميد، وفي المساء سافرنا الى عرعرة ونمنا في بيت صديقنا الحاج محمد صالح عقل الذي استقبلنا أحسن استقبال، وفي صباح اليوم التالي سافرنا الى تل ابيب ومكثنا فيها مدة شهر وكنا كل يوم جمعة نعود الى أم الفحم لتوزيع صحيفة الحزب "الاتحاد".
وفي احد نوادي الحزب في تل ابيب طلب منا الحزب تسليم أنفسنا لكي لا يعتبروننا غائبين عن البلاد ويقومون بطردنا من الوطن. لقد ألقي القبض على الرفيقين أبو العفو ومحمد علي خالد (ابو مرحة) خلال توزيعهما لصحيفة الاتحاد، أما أنا فاعتقلت في مكان العمل الذي عملت به".
ويسرد أبو البديع حادثة طريفة خلال الاعتقال: "اعتقلنا لحين المحاكمة في مركز شرطة عارة ولكي يستطيعوا ضربي خلال الاعتقال طلبوا من كل معتقل الخروج للشرب او الذهاب للمراحيض ولما جاء دوري شعرت أنهم يريدون الاعتداء عليّ فقال لي عنصر من الشرطة: ألا تريد الذهاب الى المرحاض او لشرب الماء، قلت: لا... وهكذا أفشلت خطتهم للاعتداء عليّ" .
وينهي أبو البديع حديثه: "في المحكمة العسكرية طلبوا منا الاعتذار فرفضنا فحكم عليّ بالسجن 18 شهرًا أمضيتها في عده سجون آخرها سجن الدامون".
*الحاج لطفي العوض قاسم محاميد (أبو توفيق)- (79 عاما)*
جميع الذين قابلتهم أجمعوا على أن الحاج أبو توفيق العوض كان له "نصيب كبير" من إعتداء الشرطة وعندما ذهبت للقائة وجدته جالسا في ساحه بيته وعندما عرف هدف زيارتي انفرجت أساريره وبدأ بالحديث: "كان قرار الاحتفال في ساحة الميدان ولكن بسبب التواجد الكثيف لعناصر الشرطة العسكرية صبيحة يوم الاجتماع، قررنا نقل الاجتماع الى ساحة مسجد حي المحاجنة اليوم، وكان الخطيب النائب الشيوعي توفيق طوبي وبالرغم من الطوق المحكم دخل أم الفحم على ظهر حمار يملكه شخص صادفه اسمه إسماعيل محمود جابر. وفي الطريق إلتقى طوبي وإسماعيل محمود الجابر مع حلمي الأنيس الذي حضر خصيصا لملاقاة طوبي فأوصله الى الاجتماع الشعبي، وما أن بدأ النائب توفيق طوبي بالحديث حتى حضر عناصر الشرطة وعندما سمعوا صوت مكبر الصوت جنّ جنونهم وبدأوا بالاعتداء علينا، فاشتبكنا معهم سلاحنا كان الحجارة وسلاحهم كان البارود واستطعنا ردهم الى الوراء، وبعد أن هدأ الاشتباك لحظة ظهر فجأة الحاكم العسكري وكان واقفًا بجانب سيارة شحن متوقفة، فقلت للرفيق مصطفى العسلية أبو أكرم: هذا ابو شبابو قد شرفّ، وما أن تقدم نحونا حتى قذفناه بالحجارة فسبح على بطنه تحت السيارة المتوقفة وهرب واستمر الاشتباك رغم إطلاق النار وبعد تهديد أحد الضباط الشيوخ المتواجدين باعتقالهم إذا لم يضبطوا الامور بدأنا بالانسحاب رويدا رويدا".
ويتابع أبو توفيق: "لما عدت الى البيت قلت لزوجتي إذا جاءت الشرطة وسألت عني قولي لهم إني خرجت منذ الصباح، بعدها ذهبت الى أحد الجيران وطلبت منه الاختباء عنده فقال: أنت مطلوب لا تضع مصيبتك في رقبتي، أما الجار الاخر فاستقبلني وأدخلني غرفة وأغلقها وكانت الغرفة مجاورة جدا لبيتي.
وعلى مسمعي جاءت الشرطة وسألت عني فقالت زوجتي: لا أدري فقد خرج منذ الصباح، ثم دخلوا الى بيت أخي وكان مستلقيا بعد عودته من العمل فقاموا بضربه ظنا منهم أن الغبار الذي على يديه بسبب آثار حجارة الاشتباك، لم اتحمل ضرب أخي فقفزت من شباك الغرفة وقلت لهم أنا لطفي لا تضربوا أخي.
كان معهم 12 معتقلا فاعتقلوني وأخذوا بضربي بوحشية، في الطريق وكل 50م كانوا يعملون حلقة ويضربونني، وفي إحدى ساحات الحي من شدة الضرب تظاهرت بالاغماء والموت فانتشر الخبر بأني سلمت الروح، عندها بدأت النساء بقذفهم بالحجارة ولكن بعد تدخل وجهاء الحي ومن باب تقديم الاسعاف لي ركبوني على الحمار ورافقني ثلاثة أشخاص وهم فيصل طه وأخوه العبد ومحمد توفيق الحاج محمد وذلك من اجل ايصالي الى بريد حي المحاجنة لكي أسافر بسيارة شرطة الى المستشفى.
وصلت الى معتقل برديس حنا فوجدت هناك الشيخ فتحي والمرحومين إبراهيم الرشيد وتيسير الكفاية فوضعوني على ركبه الشيخ فتحي الذي أخذ يبكي لأن الخبر وصله بأني فارقت الحياة، رغم الالم قمت بلسع الشيخ فتحي في ركبته ففهم قصدي، بعدها نقلوني الى مستشفى في حيفا فقرر الطبيب أنه لديّ إرتجاج في المخ وأن في جسمي أوراما كثيرة نتيجه الضرب المبرح".
ويستمر أبو توفيق في حديثه: "نقلت من المستشفى الى معتقل الخضيرة مع معتقلين آخرين وفي الخضيرة طلبوا مني الوقوف، فقلت إنّني لا استطيع فقاموا بضربي وأطلقوا النار عليّ فقلت لا أخافكم.
دخلت المعتقل وكان مظلما فسمعت صوتا، فقلت إذا كنتم عربا أو يهودا فالشرطة هي التي ضربتني ومن صوتي عرفني المعتقلون وكانوا من أم الفحم فخففوا عني ألمي.
بعدها قدمت لمحكمة عسكرية وحكمت عليّ بالسجن 21 شهرا وأدخلت سجن الرملة ثم شطة وشهدت التمرد الذي قاده في ذلك الوقت أحمد بطاط.
حاول مدير سجن شطة المس بكرامتي فحذرته مرارا، بعدها أعلنت الاضراب عن الطعام 7 أيام فتدخل المدير العام للسجون فوجدني في حالة يرثى لها فقلت له إذا كنت ترغب بأن أقوم بحل الاضراب قم بنقلي من عند هذا السافل مدير السجن هذا الى سجن الدامون وفعلا وافق وبعد يومين نقلت الى سجن الدامون وكانت مدة سجني 18 شهرا بعد خصم ثلاثه أشهر".
وأخيرا بعد لقائي مع عدد من سجناء أول أيار عام 1958 إكتشفت أن لديهم الكثير ما يقولونه وأن تقريرا كهذا لا يكفي للقاء جميع سجناء أول وأن هناك حاجة للتوثيق من خلال كتيب لما يقوله الاحياء منهم والعودة الى ما كتب عن السجناء الآخرين الذين قضوا نحبهم وغيبهم الموت مرفق بصور من الماضي القريب ومدعوم بمصادر يعتمد عليها.
جاد الله اغبارية
السبت 10/5/2008