في ذكرى اخ لم تلده أمي
ولتبق ذكراك يا د. علي مالك عطرة



فُجعنا يوم الاثنين الماضي، الثاني عشر من ايار الجاري، برحيل المأسوف عليه الدكتور علي مالك مغربي (ابو حسين) عن عمر ناهز الرابعة والستين عاما، اثر مرض عضال عانى منه طويلا. لقد كان المرحوم بالنسبة لي اخا لم تلده امي فقد جمعتنا النكبة والنوائب وطريق الاشواك الوعرة في الساحات النضالية سوية منذ نعومة اظفارنا في عهد الطفولة التي لم ننعم بها يوما. ففي عام النكبة اوصلت جرائم التهجير ارجل عائلة العم حسين المغربي ابو ابراهيم وعلي وزهير مالك وعائلتنا الى قرية يركا بين اهلنا من بني معروف الكرام بشهادة قسرية اسمها لاجئون في وطنهم. والركض وراء رغيف الخبز ولقمة العيش بكرامة، اوصلت عائلتينا الى الانتقال الى كفر ياسيف والارتزاق من التجارة والعمل المأجور. وكانت تربط اخواتي بابنة ابو ابراهيم كلثوم مالك علاقة وطيدة حيث كانت تخيط الملابس وكانت ماهرة في مهنتها وقد توطدت العلاقة بين العائلتين، ولكن ما وثق العلاقة اكثر بين الدكتور علي مالك والاخ الاكبر ابراهيم وبيني وبين عائلتينا اننا اهتدينا سوية الى الطريق الوطني الكفاحي المنظم منذ الصغر، اذ تنظمنا علي وانا في منظمة الاشبال الحمر او ابناء الكادحين وسبقنا اخونا ابراهيم الذي يكبرنا بثلاثة اعوام الى دخول صفوف الشبيبة الشيوعية. كما ان وضعنا الطبقي المعيشي الصعب كأبناء العائلات "القادحة" قد ساعد على تصليب عزيمتنا الثورية ورفع درجة وعينا الكفاحي الذي تعمد على دروب العمل الاسود الشاق منذ سن التاسعة والعاشرة في موشاب قرية عمقا المهجرة وقطع حوالي عشرة كيلومترات ذهابا وايابا مشيا على الاقدام وقبل بزوغ الفجر لقطف وشك الدخان وفي "حواش" الخيار والبندورة وتعشيب ونكش الارض. وقد وطد النسب بزواج الاخ زهير من اختي عائشة العلاقة بين العائلتين.
لقد قضى المرحوم سنة في السجن بتهمة امنية بصفته "خطرا" على امن الدولة!! مما جعله يتوقف سنة عن الدراسة الثانوية وهو في الصف العاشر. وقد جمعتنا الدراسة الثانوية سوية ثلاث سنوات. وكان المرحوم ذكيا ومتعدد المواهب، فاضافة الى نجاحه في الدراسة الثانوية فقد كان علي مالك يقرض الشعر الوطني والغزلي، ولا انسى سهراتنا الطلابية في "بيت" الزملاء المستأجر من ابناء القرى المجاورة الدكتور جبر دخل الله والدكتور محمد بكري من البعنة ويوسف عكري من كابول ومحمود ابو الهيجاء من كوكب ابو الهيجاء وغيرهم، سهرات كان الدكتور علي يتحفنا بالقاء قصائد من نظمه، اتذكر ان احد الزملاء الطلاب من بيت معروف بولائه للسلطة وللحكم العسكري طلب من علي ارسال قصائده باسم مستعار الى صحيفة "الانباء" السلطوية حتى "نريش" ونكيف من النقد المقابل، لم يكن من علي الا ان مسح الارض به بهدلة وقال له: كرامتنا الوطنية لا تقدر بمال. حاولنا تشجيعه في الثانوية وبعد الثانوية بنشر قصائده في صحف الحزب الشيوعي في "الاتحاد" والجديد والغد ولكنه وللاسف لم ينشر قصائده ولم يصدر ولا أي ديوان شعر مع اني اعرف جيدا انه يملك دفاتر شعر تكفي لاصدار عدة دواوين. آمل ان يقوم الابناء والاصدقاء بهذه المهمة.
كان المرحوم من عشاق الرياضة ورياضيا برز في لعبة كرة القدم وكان من نجوم الفريق الكفرساوي في كرة القدم جذب بمهارته محبة وتقدير شباب القرية والقرى المجاورة. انهى المدرسة الثانوية بنجاح، ولكن لأن اسمه كان مدرجا في القائمة السوداء لدى الحكم العسكري مثله مثل باقي اعضاء الشبيبة الشيوعية والحزب الشيوعي فانه كان محروما من ممارسة مهنة التدريس او دخول المؤسسات الجامعية العليا مثل باقي الخريجين ابناء العائلات المرضي عنها سلطويا او كانت تفترش الرصيف وسياج "الحياد" في الفترة الدراسية. ولهذا، فمثل غيره من الشيوعيين لم يحن هامته الشامخة ويخنع وارتدى ملابس الشرف ونزل الى سوق العمل والكدح في العمار، في الطوبار والحديد وصف البلوكات. واشتغل في سوق العمل والكرامة اربع سنوات حتى ارسل ضمن بعثات الحزب الشيوعي في منحة دراسية وذلك في اطار المساعدة الاممية التي قدمتها جمهورية المانيا الدمقراطية الى حزبنا الشيوعي. وتخرج علي مالك من المانيا طبيبا ماهرا خدم المرضى والانسانية باخلاص وتفان ولعل الدكتور علي مالك رد بعض المعروف لأهالي يركا الكرام الذين احتضنوه وعائلته ابان مآسي النكبة الفلسطينية، فقد خدم كطبيب وداوم في يركا سنوات عديدة وطويلة. والحقيقة هي ان الدكتور علي ترك التنظيم الحزبي ولكنه بقي مخلصا للخط الوطني الكفاحي وكان يقول لي كلما التقينا افتح قلبي وعقلي فانني لم اتغير.
عزاؤنا في ما خلفه من سيرة حسنة ومن خدمة للانسانية، عزاؤنا فيما خلفه وزوجته المرحومة ام حسين من ذرية حسنة من بنات وابناء يستحقون الافتخار بهم وباخلاقهم وبمسلكهم الحسن. ولتبق ذكراك خالدة يا ابا الحسين.
د. احمد سعد *
الأربعاء 14/5/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع