إمبراطورية الشمس في ضيافة تركيا «المريضة»



غول والأمير فيليب يتوسطان الملكة أليزابيت وخير النساء أمام جامع «أورتاكوي» وجسر البوسفور في اسطنبول أمس(رويترز)

محمد نور الدين- استقطبت زيارة ملكة بريطانيا العظمى إليزابيث الثانية اهتمام ومتابعة الجمهور التركي. ومع أن الشكل غلب على معظم متابعات وسائل الإعلام، فإن الزيارة لم تعدم مضامين سياسية مهمة، وقد تكون مصيرية!
كانت التجربة الأولى للنخبة الإسلامية الموجودة في السلطة في التعاطي مع زيارة ملوكية كل شيء فيها محسوب بدقة، وربما يمكن القول إن إسلاميي تركيا قد سجلوا باعتراف الجميع علامة كاملة، أي عشرة على عشرة.
للمرة الأولى يرتدي الرئيس التركي عبد الله غول بذلة «السموكنغ»، غير أن الأنظار تركزت أيضاً على زوجته السيدة الأولى خير النساء في حفل الاستقبال الذي أقيم في القصر الجمهوري. وتجاه منظر الملكة التي ارتدت التاج المرصع، كان حجاب خير النساء في تصميمه أقرب إلى شكل تاج منه إلى حجاب مسلمة، وإن كان «شرعياً» بالكامل لجهة انسجامه مع المعاير الدينية. وربما للمرة الأولى التي ترتدي فيه خير النساء فستاناً أبيض من دون جاكيت فوقه، فبدت «ملكة» أكثر منها زوجة رئيس جمهورية. وبين منظر غول الحديث جداً وزوجته يكاد المرء يشبه بين الصورة التقليدية الشائعة في الغرب عن الإسلاميين.
وقدم إسلاميو تركيا نموذجاً آخر للصورة النمطية عن الإسلاميين عندما كان جامع «اولو» في مدينة بورصة إحدى محطات الزيارة. ارتدت الملكة منديلاً من الحرير الذي تشتهر به بورصة، وجلست مصغية باحترام إلى قارئ القرآن وهو يتلو سورة منتقاة بدقة، أي سورة الرحمن، التي تتحدث عن العلم والإيمان في آن واحد وإظهار صورة الإسلام الحديث. والمفارقة أن السيدة الأولى التركية وملكة بريطانيا كانتا تستمعان إلى تلاوة بلغة عربية غير لغتهما الأم.
وكانت الملكة إليزابيث ذكية بمنح الرئيس التركي الوسام الملكي الأعلى، لكن بطبعة مختلفة لا تتضمن صورة الصليب مراعاة لحساسيات قد يخلقها الوسام بالصليب.
أما في السياسة فالأسئلة كثيرة ومثيرة:
لماذا هذه الزيارة للملكة العجوز التي تبلغ من العمر 83 عاماً؟ وفي هذا الوقت بالذات؟
يعود البعض بالذاكرة إلى أن الملكة نفسها، زارت تركيا مرتين عندما كانت فتية، الأولى في العام 1961 بعد انقلاب 27 أيار 1960 وكانت الزيارة لساعات، وقيل حينها إن الملكة حاولت منع إعدام رئيس الحكومة السابق عدنان مندريس وعدد من المسؤولين، لكنها لم تفلح بذلك، والثانية كانت بعد انقلاب 12 آذار ,1971 في زيارة رسمية أولى وذلك بعد الإطاحة بحكومة سليمان ديميريل، وكان تشديد على أهمية عودة البلاد إلى الديموقراطية وترسيخها.
واليوم، بعد 37 عاماً على تلك الزيارة، تأتي الملكة لتطلق خطابات فيها مضــامين سياسية، وأهمها أهمية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وان تكون أنقرة جسراً بين الغرب والشرق وملتقى لحوار الحضارات.
وقرأ العديد من المراقبين ذلك خوفا بريطانيا من أن تتحول تركيا إلى الصين وروسيا وإيران، وما إلى ذلك، خصوصاً أن وزير خارجية بريطانيا ديفيد ميليباند يرافق الملكة في زيارتها التركية.
لكن أيضاً يتوافق هذا الكلام، كما توقيت الزيارة مع محاكمة حزب العدالة والتنمية، وما يحكى عن احتمال قوي بحظره، وبالتالي إســقاط نموذج «الإسلام المعتدل» الذي يحتضنه الغرب، لأنه لا بديــل سوى تنامي التيارات الدينية والقومية المتشددة والمعادية للغرب عموماً بشقيه الأوروبي والأميركي. وبالتالي فإن زيارة الملكة هي، في احد أهــدافها غير المباشرة، رسالة للمحكمة الدستورية في تركيا لعدم حظر الحزب الحاكم، فهل تتحقق أمنية ملكة الإمبراطورية، التي لا تزال تعتقد أن الشمس لا تغيب عنها، لحماية من يجهد لعلاج «رجل لا يزال مريضاً» رغم «حداثات» عمرها عن 85 عاماً؟


الجمعة 16/5/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع