ألإنكار والتنكّر لذوي الاحتياجات الخاصة



لست من المداومين الكتابة على صفحات الصحف يومية كانت ام اسبوعية، ولكن اكتب عندما تعاودني المرة تلو المرة صورة من صور الحياة الواقعية التي اصادفها احيانا من خلال عملي تطوعا في مساعدة ومساندة البعض من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يتوجهون الي او تتوجه الي عائلاتهم ، بطلب الاستشارة والمساعدة في تحصيل بعض من حقوقهم ومخصصاتهم في مؤسسة التأمين الوطني  حيث يجهل البعض، كيفية التعامل او التوجه للجهة الصحيحة لتقديم طلب او معالجة قضية ما، الامر الذي اقدمه مسرورا لطالبي هذه المساعدة وعن طيب خاطر دون مقابل مهما كان، انما محاولة مني لرسم ابتسامة على وجه معاق او رؤية بوادر الراحة على محيا اهله واسرته فهذا هو الاجر والثواب.
اعي واعرف ولشدة اسفي تماما اهمية الامور المادية ولكنها ليست الهدف في علاقاتنا الانسانية بالرغم من ان النظام الرأسمالي يجبرنا احيانا على نسيان انسانيتنا والنظر للمادية بأنها هي العامل المهم ان لم يكن الاهم في حياتنا،فان عنصر التكافل الاجتماعي الذي نادت وتنادي به الاشتراكية ينعدم في ظل الرأسمالية التي نعيشها اليوم.
لست موظفا في مؤسسة ما او  محترفا في موضوع الارشاد والاستشارة، ولكن خبرتي كنت قد اكتسبتها على مر السنين ومن خلال مقارعتي للمؤسسات والدوائر الحكومية التي تعنى بأمر المعاقين وبسبب كوني احد هؤلاء الذين يعانون من اعاقة جسدية ألمت به على مر السنين ومن خلال تطوعي في جمعية الامل لرعاية المعاق في بلدي.
لم ولن ابخل يوما  بمد يد العون والارشاد لكل من يتوجه الي طالبا الاستشارة فالحمد لله املك معلومات ارشادية تعد كافية من اجل تحصيل حقوق لكل صاحب اعاقة - للمعنيين بمزيد من المعلومات الرجاء مراجعة اسرة التحرير- .
نعيش في مجتمع محافظ يتكتم ويحاول التستر على عيوب من شأنها الا تظهر وتناقش يوميا في المجالس العامة. فطالما كانت سمعة البنت والاخت والزوجة من المواضيع الحرام الاقتراب منها والحديث عنها الا للنفاق ومضايقة الآخرين، وللاسف هنالك من يصطاد في بحور كهذه ويهوى السماع لهذه الاخبار ويتحين الفرص ليتلذذ بما يسمع من سير الناس.
مواضيع مخلة"بالشرف" – وهي كلمة شاملة شمولية عظمى بالرغم من ان تقديرنا وتعريفنا للشرف امر لا يتفق عليه اثنان، فكل يعرف الشرف من زاوية مخالفة لتعريف الآخر
كانت وما زالت هذه المواضيع من الامور" العيب" مناقشتها. فاني اتفق مع مجتمعنا في هذا الموضوع لانه لا يجزي ولا يفيد.
اما اذا كانت هناك امور صحية ، فليس ذلك في مجال العيب او ان الحديث عنها والاقتراب منها يقع في خانة المواضيع السيئة والعيب، فالمجاهرة او الحديث عنها من المستحسن ان يتداول بيننا وفي مجالسنا  في سبيل تشجيع ومساعدة صاحب المشكلة الصحية وتقبله في المجتمع كأي انسان آخر ،المجتمعات الاوروبية اصبحت تحتوي مرضى الايدز وتتعامل معهم تعاملا عاديا ولكن للاسف فان المعاق في بعض اسرنا يعامل كالمجذوم او ناقل مرض معد واخفاؤه وابعاده عن مجتمع اصحاء الاجسام اسلم لاسرته وللآخرين.
دعونا نقولها بصراحة ايؤخذ برأي المعاق كرأي صحيح الجسم ،او اطرحها بشكل آخر لو وجدنا في مجلس معين اتعطى الفرصة للمعاق ان يبدي رأيه في مشكلة او موضوع ما كصحيح الجسم ،من تكون اجابته بنعم فانه يغالط نفسه ويغالط الآخرين.
ولكن هل نسينا ان اعظم فيزيائيي العالم صاحب اعاقة من اصعب الاعاقات الجسدية حيث اصيب  بمرض وكلنا غير محصنين من هذا المرض والكل معرض للاصابة به ، وهن تدريجي باعصابه الذي افقده اخيرا الحركة كليا وحتى النطق والكلام ولم يخضع لاعاقته او اختبأ في ظلامها او خجلت اسرته واخفته انما تجاهر اوروبا كأمة به وتعرض انجازاته للعالم  ولم ينقطع عن وضع الحلول والنظريات التطبيقية بحركات حدقات عينيه فقط عن طريق حاسوب خاص  وله نظريات وحلول وآراء فيزيائية لم يستطع الجبابرة الوصول او التفكير كتفكيره السليم ؟؟؟؟
اما نحن فما زلنا في دائرة الـ "عيب وبلاش حدا يدرى"
العديد العديد ممن يخفي او يحاول اخفاء حالات صحية او مرضية لا دخل له فيها انما وجدت لعدة عوامل لا ارى الدخول لاسبابها هنا في مقالتي هذه امرا حكيما لانها ليست في صلب مقالتي هذه بالرغم من انه لي فيها رأي مغاير لا يراه الكثيرون.
لطالما كان هذا الامر يقض مضجع الاهل في التستر على امر "عيب" فالعيوب كثيرة وكلي امل ان يعمل الجميع بالقول القائل "فعينك ان ابدت اليك معايبا فصنها - وقل لها يا عين للناس ألسن"
موضوع كتابتي اليوم عن العيب الجسماني وان كان حسب التفسير اللغوي، العيب هو خلل اونقص في الشيء ،فان النقص الجسماني لغويا يقع في مجال الـ "عيب" في صورة او وظيفة احد اعضاء الجسم. بالرغم من ان هذا الـ "عيب" لم يشتر يوما او اجتهد احد في الوصول او الحصول عليه.
كنت قد صادفت العديد من الحالات التي يحاول الاهل التستر على اعاقة احد افراد الاسرة واخفائه عن المجتمع لانه معاق جسديا- يعني "عيب الناس تشوفو والمصيبة يقعدوا ويقولوا انو هاذا ابن او بنت فلان" ،والانكى والامر ان كانت الاعاقة عقلية فهذه هي الطامة الكبرى والويل ثم الويل ان كانت صاحبة الاعاقة انثى فان البلاء انكى واشد، فاخفاء هذا المعاق يصبح من اول اولويات العائلة التي تظن انها منكوبة بهذا الشخص الذي لا ذنب له في اعاقته انما ولد بهذه الصورة،فمن اجل الصورة الكاملة لهذه العائلة وعدم فسح المجال لتناول موضوع اعاقة ابنهم في مجالس ودواوين فارغة تضم من لا عمل لهم او كانو قد فرغوا للحال من فروض صلواتهم في اماكن العبادة، والبعض يراها فرصة جيدة ليسمع اخبار الناس في نفاق اجتماعي لطالما رأيناه في بعض المجالس السيئة والتي هم لها الا الحديث عن مشاكل الناس ومصائبهم.
نرى بعضا من هذه الاسر تخفي او تتنكر لوجود معاق داخلها ويحبس المعاق مرتين مرة داخل اعاقته ومرارتها وقسوتها ومرة اخرى في غرفة داخلية او خلفية كأنه كائن حي آخر وليس انسانا له الحق في ممارسة حياته بكرامة والاستمتاع بها كسائر افراد المجتمع خوفا من التعرض لألسن المتفرغين او الاصح الفارغين.
ان المجاهرة وعدم التستر على وجود معاق داخل اسرنا لأمر بديهي، ويجب العمل على هذا الامر وليس ان المعاق كائن حي لم يرق لدرجة الانسانية نخفيه في بيوتنا ونحاول الابقاء على حياته، ويصبح كالبقرة الحلوب يجلب لنا كل آخر شهر دخلا لا بأس به من مخصصات من التأمين الوطني لا ينتفع منها شخصيا الا بالنزر اليسير لا يزيد عن مأكله الاساسي وملبسه الذي بالكاد يقيه برد الشتاء .
من خلال معالجتي لامور بعض المعاقين تابعت واتابع قضايا التحرك وشراء سيارات لذوي الاحتياجات الخاصة تكلف خزينة التأمين الوطني مبالغ باهظة وهذه لحسن حظ المعاق يحصل عليها بموجب القانون. والا لترك لحياة اسوأ بكثير مما هو فيه ولرأيناه يعاني معاناة اشد وطأة من الاعاقة والتستر عليه فيكون اللباس الرث من نصيبه وطعامه ليس كافيا انما ما تبقى بعد ان تتم العائلة تناول طعامها لانه نقمة وعالة على هذه الاسرة المنكوبة به.
ولأسفي أرى بعض الحالات وحتى يومنا هذا عندما يشتري الاهل سيارة لهذا المعاق وتزود بمصعد خاص تمكن المعاق من الدخول بكرسي عجلاته الى داخل السيارة، فان بعض العائلات تضع مكان هذا المعاق في الخلف وكأنه شيء ثانوي ناسين او متناسين بان هذه السيارة اعدت خصيصا له ولاحتياجاته.
حري بهذه الاسرة ان تعد له مكان الجلوس في الوسط وخلف السائق مباشرة ليكون بين افراد اسرته وليشترك ويشارك بكل المواضيع اثناء فترة السفر ويكون عضوا مركزيا في الاسرة، فكم يسهل هذا الامر على المعاق والا يضع مبعدا بآخر السيارة وكأنه شيء او قطعة اثاث مركونة .
كم اثلج صدري عند زيارتي لاحدى العائلات وكانت قد اشترت سيارة لابنهم المعاق اعاقة قاسية افقدته الحركة تماما حتى اصبح لا حول له ولا قوة ولكن هذه الاسرة اودعت مفاتيح السيارة لديه وكل من يريد السفر بالسيارة يطلب الاذن من هذا المعاق للسفر بالسيارة بالرغم من انه يستطيع ذلك دون موافقته وكم تكون فرحة هذا المعاق بانه هو صاحب القرار .
كم هي صعبة الحياة في ظل الاعاقة، ومهما حاولنا الاحساس والتماثل مع المعاق وصعوبة حياته لا نستطيع قياس صعوبتها. ولكن الذي ،  يشعر بها جيدا ويحس كم هي قاسية حياة المعاق، المعاق الآخرالذي يعرف ويحس معنى المحدودية في الحركة، او التعبير، او خدمة النفس دون اللجوء والحاجة لمساعدة الآخرين.
اعزائي القراء، اعزائي اهالي المعاقين او دعوني الطف تعبيري قليلا اعزائي اهالي ذوي الاحتياجات الخاصة.
المعاق ليس مخصصات شهرية وحقوق من مؤسسات التأمين الوطني ووزارة الصحة والشؤون الاجتماعية فقط  انما ،علينا واجبات يجب ان نؤديها له لكي نرقى بهذا الانسان لدرجة يعي ويحس بأنه فرد مهم في اسرته ومن هم حوله ،هنالك عدة مجالات وجمعيات ونواد تتيح للمعاق ان يشترك بنشاطات اجتماعية او رحلات ترفيهية او ان يشترك بدورات ترفيهية كدورات السباحة ،او الانضمام لبعض الفرق الرياضية للمعاقين ،الم نر كم من معاقي الدولة مثلوا الدولة بالعاب اولومبية ونالوا مداليات ذهبية ورجعوا الى لبلاد والفخر والاعتزاز على وجوههم،نعم ان ذلك ليس بالمستحيل او الحرام بل الحرام او العيب ذاته في رأيي هو التستر على صاحب الاعاقة وعدم السماح له بالتمتع بحياته اسوة بأصحاء الاجسام.
ألمجتمعات الراقية المتنورة هي تلك المجتمعات التي تأخذ بحساباتها هذه الشريحة المستضعفة في كل منشآتها ومؤسساتها وتحسب حساب اتاحتها امام هذه الشريحة قبل حساباتها اتاحتها امام اصحاء الاجسام.فان صحة الجسم هي نعمة لم تحصل عليها بقوتك او مثابرتك في عمل ما فالكل معرض ان يرزح يوما تحت اعاقة فلا تقل :لي هذا سوف لن يحصل  ،لانه لا سلطة لنا على مجريات الامور في صحة وسلامة اجسامنا.
مع تمنياتي للجميع بالصحة والسلامة وصدق من قال: الصحة تاج على رؤوس الاصحاء لا يراه الا المرضى.

(سخنين)

رجا جريس غنطوس *
الأثنين 19/5/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع