ما بعد ... بعد ... بعد بيروت !!



* محطات تلفزة عربية تعمل "تبرعا" لوجه الله وسنة رسوله من أجل إيقاظ فتنة سنية شيعية *

مثلكم فرحت لما رأيت فئران لبنان تزحف نحو جحورها، مثلكم طربت على زئير أسود نامت في عرينها وصبرت طويلاً على فئران عاثت فيه حتى شعرت بأن على رؤوسها غيلاً.
هُزم تيار المستقبل، وعاد جنبلاط إلى شبه حجمه، أما جعجع فلا رحمة عليه ولو حرر جسمه من نجس روحه. وكل أولاد الحرام الذين بكوا على دماء الحريري بمقدار ما قبضوا، وكل الذين شتموا سوريا لينقضوا قصائد مديحهم السابقة لها، وكل الذين فركوا أيديهم فرحا وسرا مع بدء حرب إسرائيل على لبنان... وكل الذين أحبوا أمريكا لوجه الله والدولار وإسرائيل، وكل الذين صلوا ركعات السنة لخادم الحرمين... كلهم غادرونا أو يغادرون على مهل... وهذا بالضبط ما يجعلني أرتعد خوفا، وللتأكيد على القارئ، أكرر، أرتعد خوفا لأفول هذه الكواكب الكالحة التي يعلوها بعض الصدأ وكثير من العفن والعهر.... وأكثر ما يؤلمني في الأمر أن الهزيمة الكبرى لحقت بتيار المستقبل بالذات، لا، لا تحسبوا أنني حزنت على هذا التيار، بل أقرأ منذ الآن خارطة لبنان الآتية وكأنها مقثاة بطيخ في نهاية الموسم بعد أن اجتاحتها القطعان- القطعان هنا سيأتيك خبرها لاحقا-.
وقبل أن نقرأ خارطة لبنان، لا بدّ من الرقص قليلاً مع المنتصرين، ولا بدّ من بعض غناء يريح النفوس من طول صبرها على جوقة المارقين في لبنان، ولا بد من عناق مع حزب الله ورقصة مع التيار الحر ودبكة مع وئام وهاب وطلال أرسلان، لا بدّ من استغلال أيام العيد حتى منتهاها، وأيام العيد والنصر قصيرة إذا قيست بسنين عجاف  قادمة حيث لا سنابل سمينة تأكل ضعيفة ولا ضعيفة تأكل سمينة، سنين عجاف تأكل السنابل كلها والأرض والحجارة والناس.
وحتى لا نترك للأمل نافذة أو كوّة، نعرج على الدوحة ونقول، مؤتمر المصالحة هذا ليس إلا زخة مطر على الربع الخالي، لن يروي الظمآن، ولن ينبت زرعا ولو اشبع المؤتمرون لحاهم تقبيلاً... مؤتمر الدوحة هذا ولو توّج بأكاليل الغار فلن يكون مصيره إلا إشباع غرور أمير قطر فرحا بنفسه وتشفيا من آل سعود فقط، لا غير... أما فرقاء لبنان ولو تعانقوا وعادوا إلى بيروت بنفس الطائرة فإن لبنان منذ هذه اللحظة أو منذ هزيمة تيار المستقبل هو لبنان آخر... فلن تبقى ثورة أرز لأن النيران ستحرق أرزه... ولن تبقى مقاومة لأن النيران التي ستحرق الأرز والأرض لن تترك حظوظا أخرى للإنسان.
وبعد هذه المقدمة المشئومة والسوداوية نصعد وإياكم قمم جبل الشيخ لنرقب معا خارطة لبنان القادم، وأقصد بالضبط أن "نتمتع" سوية بمشهد من جهنم على مسرح الدار الدنيا في أرض لبنان. أنظروا معي هناك إلى الشمال في أبعد الأفق!! أترون طرابلس؟ أتشاهدون منطقة عكار اللبنانية؟!!. أتشاهدون كيف ينتقم أهل السنة من هزيمتهم في بيروت؟!! على مهلكم!! لست بحاجة إلى براهينكم بأن أحداث لبنان ليست طائفية. و أن لا علاقة لها بالسنة والشيعة، وإنها خلافات سياسية. لا تقولوا لي ذلك فأنا أعرف على الأقل مثلكم. ولا تقولوا بأن تيارات وطنية سنية تساند حزب الله!! فأنا أعرف ذلك تماما. وحتى لا أجادلكم فيما أتفق فيه معكم أسوق لكم حكاية بسيطة عن رجل كان يخاف من الدجاج إلى حد الموت، لأنه اعتقد بأنه حبة قمح، وقام واحد من أهله على قدر ما من العلم فأخذه إلى طبيب نفسي للعلاج، وبعد لقاءات لم يذكر الراوي عددها تعافى الرجل واقتنع بأنه إنسان كامل وأنه ليس حبة قمح، وعاد الاثنان إلى القرية يمتطيان فرسيهما بالضبط كما يعود قادة لبنان من قطر على طائرة أصيلة، ولما بلغ الرجلان القرية شاءت الأقدار أن تكون دجاجة قد فرت من القنّ لشدّة جوعها، وأنا شخصيا، لا أعرف كيف عرف الراوي أن الدجاجة فرت من جوع... ولماذا لم يقل مثلاً انها خرجت لتبيض أو تقضي حاجتها أو لعلها على موعد مع ديك، على كل حال، بينما كان صاحبنا الذي أصبح خيالاً ونسي إطلاقا أنه حبة قمح على فرسه يحلم بسيف في يده ومبارزة مع عنترة بن شداد، لمح الدجاجة بطرف عينه، وإذ به يقفز عن فرسه ويولي هاربا وكأن جحافل التيار تكرّ عليه، فلحقه الذي تعب من أجل علاجه وناداه عن بعد، لماذا تهرب؟ فأجاب: ألا ترى الدجاجة جاءت لتأكلني؟ فقال: لكنك لست حبة قمح، أنت رجل... أنت رجل... فرد عليه: نعم، أعرف أنا رجل... أنا لست حبة قمح، لكن، اذهب واقنع الدجاجة بأنني لست حبة قمح.
واعترف أمامكم، بأنني وضعت كثيرا من البهار على الحكاية، لكن، كيف تقنعون أهل السنة في لبنان بأن هذه الأحداث ليست طائفية؟! القاعدة إياها، قاعدة ابن لادن والظواهري والزرقاوي أعلنت عداءها للشيعة وحزب الله في عزّ تعرضه لهجمات إسرائيلية لم تشهدها أرض عربية على مدى التاريخ...
ومحطات تلفزة عربية تعمل "تبرعا" لوجه الله وسنة رسوله من أجل إيقاظ فتنة سنية شيعية.ومشايخ السلفية في العالم العربي وفي لبنان خاصة بقيادة الشيخ الشهال، يؤكدون أن الخلاف هو طائفي ولو"غلفه" الشيعة بالسياسة...
رويدكم!! لا تبرحوا جبل الشيخ! راقبوا أهل السنة في لبنان، ان مشاعرهم لا تختلف عن سنة العراق... فقدوا السيطرة والهيبة بالضبط كما في العراق... يشعرون بالهزيمة، الحقد يملأ صدورهم.. كانوا أسيادا فأصبحوا في نظر أنفسهم مجرد فئران تعدو إلى جحورها.
وانظروا! انظروا إلى مشايخ الأصولية والسلفية تتجول في الشوارع لإعلاء كلمة الله ومحاربة أهل الكفر وتعد أهل السنة بآخرة كلها نعيم بدل هذا الذل الذي أصابهم من "كفر الشيعة" وإتباع تيار المستقبل الدنيوي الذي "خذلهم" وجلب عليهم العار أمام "الكفار" من شيعة ومسيحيين ودروز.
انظروا إلى أهل السنة في شمال لبنان... تابعوا التحريض الدموي على فتنة كبرى ستنفذها كل الحركات الأصولية في العالم السني، وسيأتي آلاف "المجاهدين" إلى لبنان من كل جهات الريح، سيأتي شباب من أهل السنة قيل لهم بأن شيعة لبنان يشتمون عائشة زوجة الرسول، ويسبون الخليفة عمر والخليفة عثمان، ويحشون عقولهم وقلوبهم حقدا على حزب الله وكل الشيعة في لبنان. سيأتي هؤلاء الشباب المغرر بهم انتصارا لقناعات هي غسيل دماغ، انتصارا لرموز إسلامية يحظون لقاء نصرتها بكل نعيم الآخرة.
ولست بحاجة إلى راوية يسرد لي المشهد القادم.
ولا أنتم بحاجة لكلينا، أنتم بحاجة إلى قليل من الوقت وكثير من التبصر لتدركوا بأنّ حسن نصر الله وقع في الفخ الذي وضعه كل الذين استدرجوه ليخرج عن طوره، فخرج عن طوره.. ووقع سماحة السيد في الفخ، لكن كل الذين نصبوا الفخ وقعوا هم أيضا فيه.. لأن "القاعدة" التي ستغزو لبنان عاجلاً أو آجلاً اثر هذا الفخ تعتبر المعارضة كلها أهدافا للذبح والتفجير وبمساواة كاملة بين ما يسمى الأكثرية أو المعارضة.
والحكاية ما زالت في مطلعها، لأنّ سقوط تيار المستقبل في لبنان رغم تفاهة زعيمه، يعني فراغا في الطائفة السنية لن يملأه إلا متطرفون كما أسلفت والنتيجة إذا غاب تيار المستقبل احتراق لبنان بآلاف الانتحاريين من العالم السني الذين يعشقون "الاستشهاد" في أي جمع شيعي مهما كان.... لأن من لقنهم مكاسب الاستشهاد ادخل في قناعاتهم أنّ الشيعة هم عدوّ الإسلام الأول.
ولكل ما تقدم، أحاول تقديم النصح العاجل رغم رغبتي في تقديم براهين أخرى، لكن المقالة لها حدود يرغب القارئ عنها مع استطالتها... أقول: بأن حزب الله وقع في خطأ فاحش قاتل، ويبدو لي أن سماحة السيد حسن نصر الله تعرّض إلى ضغط هائل من أطراف لبنانية وغير لبنانية لاتخاذ قرار الرد المسلح، هذا الرد الذي طلب منه دائما من نفس القوى، لكن، وكما يبدو بأن  اغتيال عماد مغنية أفقد سماحة  السيد المستشار الذي يحسب ألف خطوة قبل كل خطوة... وحتى نبعد نعيق الغراب عن كل من يطرب لصوته، أختصر كل مقالتي بجملة قد تنقذ لبنان لو نطق بها سماحة السيد، بأن، سعد الحريري هو رئيس حكومة توافقي أيضا وهذا أيضا لا يشكل ضمانا لحصانة لبنانية من ويل القاعدة، لكن، وأقولها بكل التعب والإحباط، إذا لم يجعل سماحة السيد مخرجا لأهل السنة في لبنان من الجرح  الذي أصابهم، فقد يجد نفسه عاجلاً حليفا لإسرائيل وأمريكا في محاربة القاعدة في لبنان، وبالضبط كما يحدث الآن في العراق.
وحتى لا تحسبوا أنني أرجم بالغيب... أذكركم بما قال زعماء "القاعدة" بأنّ حزب الله يمنعهم من مقاتلة إسرائيل... ونحن الآن وبالضبط في مفترق زعم إشباع القاعدة بأن حزب الله يحمي حدود إسرائيل مع لبنان... وإذا كان سماحة السيد غير مدرك لما يطبخ أهل السنة، فإن الكارثة الكبرى قادمة....
قالوا بأن لبنان وحل... لكن لبنان ليس وحلاً ،لبنان مقاومة ، ولبنان يحتاج اليوم إلى سيده وبطله  بطل المقاومة بأن ينصب سعد الحريري رئيسا لحكومة لبنان حتى لا يتعاون في السر غدا مع حكومة إسرائيل لاجتثاث القاعدة من لبنان.

غازي أبو ريا *
الجمعة 23/5/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع