مطلوب شجاعة للرئيس! ليحصّنها بالعدل ولينقّ طريقها من الظلم



إنّ فقدان التوازن السياسي العسكري الذي يعتري عملية اتخاذ القرار لدى دوائر السلطة والقيادة الإسرائيلية، يُوظّف ليستهدف إثارة الاضطراب في مشاعر وفهم وتصرّف الشعب الإسرائيلي وفي إعاقة تكيّفه مع طبيعة المرحلة المعيشة لتنأى الفئات الشعبية عن عيشة البؤس، إلى بؤس منطق الإجماع القومي، الأمر الذي يُلقي بها في مهاوي التصعيد لنفسية المذعور من المجهول، والجاهل لآلام مخاض ولادة الدولة الفلسطينية المستقلة إلى جانب إسرائيل.
تؤلمنا الخلافات الفلسطينية الداخلية وخلط أوراق التحرر الاجتماعي بالسياسي لإطالة عمر الاحتلال، لكن ما يعزّينا هو أنّ هذه الحالة لا تقتصر على الشعب الفلسطيني، فقد أصيبت بها حركات تحرّر عديدة واستطاعت أن تتجاوزها ،لذلك فبرغم التكاليف الباهظة التي سيدفعها الشعب الفلسطيني لكنّه سيتغلّب عليها.
عدم استيعاب ظاهرة الولادة ليس مبرّرا للشعب الإسرائيلي كي يفسّر الظاهرة بأنها تهديد لكيانه أو دولته أو لحياته ليجيز ويبيح ويشرعن! سياسة العدوان والاحتلال بكل صورها البشعة، من غارات واغتيالات وجدار فصل وسلب عنصري وإذلال على الحواجز إلى التجويع والإفقار والتركيع!
دأبت السياسة الرسمية الإسرائيلية على وسم الحلّ السياسي للقضية الفلسطينية بالمعقّد وبالمستحيل، وعندما اضطرت بعض القيادات الإسرائيلية إلى الاعتراف بإمكانية الحل العادل للقضية جاءها الفرج من الرجعية العربية، ليعيد هذه القيادات إلى أحضان المؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي تبرّر إتباعها لطرائق حل ومنطق القوّة ثم أكثر قوّة لترتفع إلى مستوى تعقيدات الأزمة مستخدمة إياها في إقناع الشعب الإسرائيلي باستحالة الحّل السياسي العادل وبأن الحّل يتطلب مهارة خارقة، وهي غير متوفرة وغير معروفة ومن غير الممكن الخوض فيها واستعمالها، لذلك من المستحيل الوصول والتوصل إلى حل سلمي عادل!!
هذا مما يجعل الشعب الإسرائيلي يعيش في حالة من الهستيريا السياسية التي تتميز بالخوف من التقدّم نحو السلام والجنوح إلى التطرّف واليمين وتكريس الاحتلال، وفي حالة اجتماعية تتسم بالانحلال.. وبالعنف وبالقلق من المستقبل.لذلك،ليس غريبا أن تفكّر بعض الفئات الإسرائيلية بالهروب والهجرة من البلاد، وأخرى تطالب برفع مستوى المواجهة العسكرية حتى لو أدّى الأمر إلى استعمال سلاح الدمار الشامل! (هناك بعض الأصوات العسكرية التي طالبت باستعمال السلاح النووي في حرب لبنان الأخيرة للقضاء على حزب الله).
لو استعرضنا تصريحات القيادات الإسرائيلية، السياسية والعسكرية، للاحظنا كيف أنّها تميل إلى تصوير الأزمة السياسية بأنها كارثة لتلهب مشاعر المواطنين، مستغلة حساسية الشعب الإسرائيلي للكلمة وإسقاطاتها العاطفية المأساوية، وتسترسل وتسهب في دمغ الكارثة بأوصاف مشبعة بالمفاجآت الدرامية المهددة لوجود دولة إسرائيل!
لا أبالغ إن ادعيت بأن القيادة الإسرائيلية تستغلّ وتوظّف الكوارث الطبيعية المحتملة لتستثمر حالة من الجزع والعجز يعيشها المجتمع الإسرائيلي للإخلال بتوازنه أكثر فأكثر لإنماء حالة الفوبيا (الخواف = خوف شديد قهري) المعششة في وجدانه لكي يستسيغ دعاية التهويل والتضخيم للتهديد الآتي من إيران وحماس وحزب الله (في هذه الحالة تتشابه السياسة الإيرانية بالإسرائيلية وتتجاوزها في بعض الأحيان) وكأنّ الهلاك لا مفرّ منه! ولنستسلم دون أن نحاول التغيير ونستمر في تصريف الأيّام وتأكيد المصير المشؤوم بدون محاولات جادة لمساعدة أنفسنا، ولتغرق الفئات الشعبية مع فقرها وبؤسها في بحر نسيان الأزمة الاجتماعية- الاقتصادية، ولتصمت الهستدروت والنقابات المهنية عن طرح التأثيرات السلبية لآفات البطالة والغلاء والجوع... والعنف والجريمة المنظمة وتدهور التربية والتعليم...!
إن انهيار العالم السيكولوجي للقيادة الإسرائيلية يقلقني، لكن ما يقلقني أكثر هو عدم اعتراف الشعب الإسرائيلي بمصيبته في هذه القيادة المتغطرسة والمتهوّرة.
وعدم اعتراف الفئات الشعبية بمصيبتها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية(لا احتجاج ولا يحزنون) هو إصابة خطيرة في فهم وإدراك المجتمع الإسرائيلي لطبيعة المرحلة ومتطلباتها، تلبّد الأجواء في إسرائيل يؤدي، على الغالب، إلى تبلّد المشاعر والاستكانة السياسيّة (كونسينزوس لئومي- إجماع قومي).
أما رئيس دولتنا، بيرس، الذي يحاول دائما أن يسحرنا بقوته الفكرية وحكمته الفهلوية، انبرى يطمئننا بطلته الاستقلالية: بان الدولة تسيطر على الوضع وهي أقوى مما نظن والدنيا بخير!
ما زال رئيس دولتنا يؤمن بالحسم العسكري، فبيرس لا يفتش بالقمامة عن كسرة خبز، ولا ينام في العراء ويلتحف السماء ولا يعاني من بطالة وغلاء معيشة... وله مؤخّرة كمؤخّرة الثور لا يشعر بآلام الناس (ماركس) لذلك لا يقلقه الظلم الاجتماعي ومعاناة الفئات الشعبية وذوي الدخل المحدود وجشع أرباب رؤوس الأموال!
لا يا سيادة الرئيس، في دولتي قوّة لكن فيها ضعف وفيها خير ولكن فيها شر أكثر ونحن لسنا بخير ولا بشر كلّي! وأنا لست على درجة من السذاجة لأسألك لماذا يحصل هذا لنا؟ لأفتش عن الجاني في أخي الفقير أو في نفسي أو في أحسن الحالات لأتهم الحظ السيء!
وأنا ورفاقي لن تسودنا النظرة السلبية عن الذات، رغم تعاسة الوضع سنبقى ننادي بالعدل الاجتماعي وبالعيش المشترك والمتبادل النفع ولن نفقد البوصلة في فهم الأزمة وفي طرائق حلّها رغم كل الاختلافات التي تعترينا، لكننا متعاضدون متكاتفون لتقويم السياسة الاسرائيلية ولهدم جدران السلب والفصل العنصري ولتحصين المجتمع بالعدل.
لا بأس أن نطلع بيرس على حكمة الخليفة عمر بن عبد العزيز عندما جاءه أحد الولاة طالبا المال ليعينه على بناء سور حول عاصمة ولايته، فأجابه عمر وماذا تنفع الأسوار؟ حصّنها بالعدل ونقّ طريقها من الظلم.

راضي كريني
الجمعة 23/5/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع