المدلول السياسي للحوار اللبناني في قطر:
اتفاق توافقي يخدم مصلحة لبنان ويطعن في الصميم مخططات التآمر ضده!



* الاتفاق قطع دابر وايدي محراك الشر الامريكي والفرنسي والاسرائيلي والعربي المتواطئ معهم من التدخل في الشأن اللبناني ومن نسج المؤامرات لزرع الفرقة الوطنية وتأجيج الفتن السياسية والطائفية في لبنان *

بعد مداولات مكثفة حول طاولة الحوار الوطني اللبناني في قطر دامت خمسة ايام بين فريقي الصراع في لبنان، بين قوى الموالاة او قوى 14 آذار التي تحظى بالاكثرية في البرلمان اللبناني وبالاستئثار والاغلبية في السلطة الحكومية، والتي تحظى بدعم ومساندة القوى الامبريالية وخاصة الامريكية والفرنسية، كما تحظى بدعم الانظمة العربية "المعتدلة" حسب التصنيف الامريكي والتي تدور في فلك السجود في محراب استراتيجية الهيمنة العدوانية الامريكية في المنطقة، وبين قوى المعارضة التي تشمل قوى المقاومة والممانعة والمناهضة لمشروع الهيمنة الامريكية الاسرائيلية في المنطقة، وتتألف من قوى المقاومة اللبنانية وخاصة حزب الله وامل وحلفائهما من جماعة عون وارسلان وكرامة وغيرهم، بعد مداولات شهدت طلعات ونزلات، واحتمالات فشل وعراقيل مختلفة، بعد خمسة ايام مرت كأنها خمسة اعوام استبشرنا صباح يوم الاربعاء من هذا الاسبوع خيرا بالتوصل الى اتفاق وفاق وطني بين قوى الموالاة والمعارضة في لبنان. ونحن اذ نهنئ الشعب اللبناني بالتوصل الى اتفاقية الوفاق الوطني، التي اذا ما نفذت والتقيد الالتزام ببنودها من مختلف الاطراف اللبنانية فانها ستخدم في نهاية المطاف المصلحة اللبنانية الحقيقية في صقل الوحدة الوطنية والاقليمية للشعب اللبناني الواحد والوطن اللبناني الواحد، وستكون بمثابة طعنة موجعة لجميع القوى المعادية لمصالح الشعب اللبناني، من قوى امبريالية امريكية وفرنسية وقوى داجنة امريكيا من انظمة عربية وقوى لبنانية كانت تخطط "لحوار آخر" كارثي يزج الشعب اللبناني وقواه المختلفة في حرب اهلية مدمرة تضع مصير لبنان والشعب اللبناني على كف عفريت، فنحن اذ نهنئ الشعب اللبناني على هذا النجاح في قيادة الحوار الوطني الى اتفاق وفاق وطني، فاننا وقبل الدخول للوقوف على المدلول السياسي لما تم الاتفاق عليه في قطر بين قوى الموالاة وقوى المعارضة من خلال بنود الاتفاقية نوكد تأكيد ما يلي، وخاصة الوقوف عند الخلفية التي قادت الى انعقاد طاولة الحوار، فلهذه الخلفية تأثيرها على بلورة هوية وطابع الاتفاق التوافقي الذي تم التوصل اليه بين فريقي الصراع وعلى الآفاق المرتقبة. والحقيقة هي ان للنظام القطري، امير قطر ورئيس وزرائها دورا هاما في عقد مؤتمر الحوار اللبناني – اللبناني في قطر بالتنسيق والتعاون مع الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى. وقيام النظام القطري بدور الوسيط بين الفرقاء اللبنانيين ليس وليد الصدفة وليس ابدا نتيجة لمبادرة ابداعية ذاتية من انتاج النخوة الوطنية العروبية القطرية، بل جاءت حسب رأينا من خلال التنسيق في الدهاليز المعتمة مع الادارة الامريكية، ولا نستبعد ايضا الاصابع الاسرائيلية في اطار هذا التنسيق، وذلك بهدف منع قوى المعارضة اللبنانية، وخاصة حزب الله وحلفائه، من حسم المعركة سياسيا في الداخل اللبناني في غير صالح قوى الرابع عشر من آذار او قوى الموالاة الموالية لاستراتيجية خدمة المصالح الامريكية في لبنان والمنطقة. فاحتلال قوى المقاومة عسكريا لجميع الاماكن الاستراتيجية في بيروت ومنطقة الجبل خلال اقل من اربع وعشرين ساعة قد اذهل قوى الرابع عشر من آذار واسيادهم الامريكان والدواجن العربية، فهرعوا لمنع ان يؤدي الحسم العسكري على ايدي قوات حزب الله وحلفائه الى انجاز مكاسب سياسية ترجح كفة المعارضة سياسيا في معادلة وميزان الصراع اللبناني، ولعبت قطر دورا متميزا يختلف مثلا عن موقف الانظمة في السعودية ومصر والاردن التي دانت اجراء حزب الله وانصاره العسكري الذي كان وقائيا كرد فعل على الاجراءين الظالمين والاستفزازيين اللذين اتخذتهما حكومة السنيورة – الحريري – جعجع – جنبلاط والتي تستهدف في نهاية المطاف تجريد حزب الله من اسلحته الاساسية كقوة مقاومة رئيسية في لبنان – من شبكة الاتصالات كمقدمة لتجريد حزب الله وحلفائه من السلاح، فقد اتخذت عن هذه الاحداث موقفا بالوقوف الى جانب سوريا واعتبار ما حدث شأنا لبنانيا داخليا لا حاجة لتدويله. وهذا الموقف القطري "الحيادي" ظاهريا والمنسق مع الادارة الامريكية اكسب النظام القطري ثقة الطرفين، الموالاة والمعارضة في لبنان وموافقة الطرفين على الدعوة للحوار الوطني في قطر، وعمليا يتقمص النظام القطري الذي تحتوي اراضيه قاعدة عسكرية امريكية كبيرة ويقيم علاقات حميمة ومتنوعة مع اسرائيل العدوان والاحتلال يتقمص دور الحريص على المصالح الوطنية العربية ويتسربل داخل عباءة الدفاع عن المصالح العربية في اطار الاستراتيجية الامبريالية الامريكية الجديدة للهيمنة الامريكية – الاسرائيلية في المنطقة. ورغم ادراكنا لكل ذلك، فمشكور هذا الدور القطري الذي نشط في جسر الهوة بين مواقف الموالاة والمعارضة والى التوصل لاتفاق وفاقي بين الطرفين، ويبقى في ملعب اللبنانيين، وخاصة قواه الوطنية المناهضة لاستراتيجية الهيمنة الامريكية – الاسرائيلية كيف تجسد مقولة "حسابات السرايا لست كحسابات القرايا".
وحقيقة اخرى ثانية ساطعة كالشمس ان الحوار بين الموالاة والمعارضة بوساطة عربية وبرئاسة قطرية قد بدأ بعد ملامح الحسم العسكري لقوة الحق الذي اظهرته قوى المقاومة والذي ادى الى تراجع حكومة الموالاة ورموزها من سعد الحريري الى السنيورة الى جنبلاط والى المجرم الجزار سمير جعجع عن قراريها الظالمين والغائهما.
والحقيقة الثالثة ان استمرار الحوار خمسة ايام قد عكس حقيقة ان ما فشلت في تحقيقه قوى الموالاة والرابع عشر من آذار على الساحة اللبنانية سياسيا وعسكريا في املاء شروطها على المعارضة وخاصة على قوى المقاومة، قد حاولت تمريره واملاءه على قوى المعارضة بمساندة قطرية وعربية. ولكن اصرار قوى المعارضة بوحدة صفها وموقفها الموحد قد افشل محاولات الابتزاز السياسي من قوى الموالاة، وتمسكت المعارضة في القضايا الجوهرية بموقفها مع تنازلات هامشية. ففي القضايا الجوهرية نجحت المعارضة في امرين اساسيين نسفا محاولات ابتزاز قوى الموالاة وسندهما القطري والعربي، الامر الاول، افشال محاولات الموالاة في طرح قضية نزع سلاح المقاومة اللبنانية، وخاصة سلاح حزب الله وامل وغيرهما كبند على اجندة طاولة الحوار والمفاوضات. والامر الثاني، افشال محاولات الموالاة المدعومة من الوسطاء القطريين والعرب في عدم الربط بين انتخاب العماد ميشيل سليمان كرئيس توافقي للبنان وبين قانون الانتخابات، وتأجيل البت في هذا القانون لاحقا في لبنان. وقد نجحت المعارضة باصرارها على موقفها على ان يتركز الحوار حول حزمة واحدة من الاتفاق تربط بين الاتفاق على العماد ميشيل سليمان كرئيس توافقي سوية مع الاتفاق على بنية حكومة وحدة وطنية واقرار قانون معدل للانتخابات البرلمانية.
وما تم الاتفاق عليه في اطار اتفاقية الوفاق الوطني التي تمخضت عن الحوار في قطر يمكن الاشارة الى البنود التالية الجوهرية.
• اولا: ان تعقد جلسة مستعجلة (خلال ايام) لانتخاب العماد ميشيل سليمان رئيسا للبنان وبتأييد من جميع نواب البرلمان اللبناني ومن مختلف الكتل البرلمانية من الموالاة والمعارضة.
• ثانيا: الاتفاق على حكومة وحدة وطنية يضمن في تركيبتها اعطاء الثلث المعطل للمعارضة ويجري تشكيلها كالتالي: ستة عشر وزيرا للموالاة (للاكثرية المكونة من مجموعات الرابع عشر من آذار)، أي النصف زائد واحد، واحد عشر وزيرا للمعارضة (أي الثلث زائد واحد، وثلاثة وزراء للرئيس التوافقي العماد ميشيل سليمان).
• يمنع منعا باتا استخدام السلاح في اعمال العنف او لاحراز مكاسب سياسية او ابتزاز سياسي في الداخل اللبناني. وان تفرض الدولة اللبنانية سيطرتها الامنية على جميع المناطق اللبنانية.
• رابعا: اعتماد قانون الف وتسعمئة وستين كأساس للانتخابات البرلمانية، أي اعطاء القضاء صلاحية اقرار انتخابات على اساس الدوائر حيث الاكثرية المطلقة والنسبية في الوقت نفسه: اما بالنسبة لبيروت العاصمة فتقسم الى ثلاث دوائر انتخابية، خمسة مقاعد لبيروت الاولى حيث ان الاغلبية مسيحية، وسبعة نواب لبيروت الثانية، للشيعة والارمن والسنّة، وسبعة نواب لبيروت الثالثة حيث الاكثرية السنية.
وقانون الانتخابات الجديد قد يؤدي الى تحسين في وضعية بعض قوى المعارضة بزيادة تمثيل حزب الله وامل وجماعة عون، ولكنه بقي قانونا معلقا من سرته بالمحاصصة الطائفية المقيتة، فقوى المعارضة، خاصة حزب الله وامل، التقدمية في الموقف من مناهضة العدوانية الامريكية – الاسرائيلية الا انها لم تتقدم بصورة جدية وعميقة في القضية الدمقراطية والاجتماعية، لم تضغط كما يجب لاقرار قانون بديل لقانون المحاصصة الطائفية والمذهبية الرجعي القائم على تقسيم لبنان وبيروت الى دوائر وولايات كثيرة حسب المقياس الدمغرافي الطائفي والمذهبي في كل دائرة وولاية، فالمطلب الدمقراطي والاكثر دمقراطية، الذي تطالب به وتكافح من اجله عدة قوى وطنية تقدمية ويسارية في مقدمتها الحزب الشيوعي اللبناني هو اعتماد قانون الانتخابات النسبية الذي يعتبر كل لبنان دائرة انتخابية واحدة وولاية انتخابية واحدة، فقانون كهذا يحول المعركة الى معركة سياسية ويقزم الصراع الطائفي والفتن الطائفية، كما انه يعطي ويفتح المجال لتمثيل قوى سياسية غير طائفية تدخل البرلمان اللبناني.
ان ما تم انجازه في قطر من اتفاقية وفاق وطني يعتبر انجازا سياسيا هاما، يخدم اذا ما التزمت به جميع القوى الموقعة عليه المصلحة الحقيقية لتطور لبنان حضاريا. وبعد توقيع ما اتفق عليه في قطر تبقى مهمة وطنية من الدرجة الاولى جوهرها ومدلولها السياسي قطع دابر وايدي محراك الشر الامريكي والفرنسي والاسرائيلي والعربي المتواطئ معهم من التدخل في الشأن اللبناني ومن نسج المؤامرات لزرع الفرقة الوطنية وتأجيج الفتن السياسية والطائفية في لبنان.
ان نجاح الحوار الوطني في التوصل الى اتفاق اتفاقية وفاقية وطنية يعتبر عرس افراح بالنسبة للشعب اللبناني بمختلف هوياته انتمائه ولانصار حق الشعب اللبناني بالسيادة الوطنية وبالوحدة الوطنية ومأتما جنائزيا بالنسبة لاعداء مصالح الشعب اللبناني، لارباب استراتيجية الهيمنة الامريكية – الاسرائيلية في لبنان والمنطقة وخدامهم من الارانب ومختلف الدواجن الساجدة في محراب استراتيجية العدوان الامبريالية.

د. احمد سعد
السبت 24/5/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع