تعلموا من التاريخ ... أدرسوا التاريخ



بداية أحيي المحاربين الذين وقفوا في وجه النازية والناجين من الوحش النازي الذي يحضرون الجلسة اليوم، وبهذه المناسبة أريد الإشادة بالدور الحاسم الذي قام به الجيش الأحمر في القضاء على الوحش النازي، فيوم 9 أيار، هو يوم رفع العلم الأحمر على الرايخستاغ بأيدي الجيش الأحمر.
إن يوم الانتصار على النازية هو عيد بالنسبة لي منذ كنت فتى يافعا عندما انضممت لصفوف شبيبة حزبي، الحزب الشيوعي الإسرائيلي.
لماذا أقول هذا الكلام؟ لأنه على مدار عشرات السنين، كان يوم النصر على ألمانيا النازية ذكرى مهملة ومنسية، ولم يكن لها مكان في الرزنامة الإسرائيلية.
إن الذي أنقذ هذه الذكرى وحرص على الاحتفال بها كان الحزب الشيوعي الإسرائيلي، لذلك فإني أشعر بالرضى عندما تقوم إسرائيل الرسمية باعتبار هذا اليوم الهام والمشحون، ووجدت له مكانا في رزنامتها في السنوات الأخيرة.
هذه الذكرى تلخص بالنسبة لي أسس القيم السياسية والفكرية: ففي هذا اليوم نرفع عالياً علم هزيمة الفاشية وراية النضال العنيد والمتواصل ضد الفاشية.
إن مظاهر العنصرية وكراهية الآخر والتعصب القومي ترافق حياتنا طوال الوقت لأسفنا الشديد.
وإذا لم ننهض جميعا للإجهاز على هذه المظاهر فإنها ستجهز علينا.
إن النضال ضد التعصب القومجي والعنصرية هو عمليا نضال من أجل الحضارة والثقافة ومن أجل المحافظة على قيمنا الإنسانية كأفراد وكمجموعات.
لقد جلبت مظاهر التعصب والعنصرية خرابا على البشرية، وسجلت الفصل الأكثر حلكة في تاريخها، وحوّلت أوروبا وشعوبها إلى رماد وغبار وحوّلت اليهود إلى بقايا...
في النازية وفي النصر البطولي عليها، يكمن الانحطاط والسمو، وفيها تتمثل الذرى العالية والهاوية السحيقة، أي أن الجنس البشري أثبت أن بمقدوره أن يصنع المشهد الأكثر انحطاطا وبمقدوره في الوقت ذاته ان يصنع المشهد الأسمى والأبهى.
إن غايتنا نحن بني البشر أن نحافظ على انسانيتنا وأن نظل أهلا للحضارة والثقافة في كل حال وزمان، وعلينا أن نعرف الحد بين الوطنية والتعصب القومي وبين القوة للدفاع عن النفس وبين سياسة القوة وسياسة جنون العظمة، وعلينا أن نميز بدقة لحظة انهيار الديمقراطية ووصول حمقى ومختلون ومصابون بالهذيان وسكارى طغيانهم وجبروتهم إلى السلطة، الذين يأتون كل مرّة بلباس آخر.
إن نظرة شمولية ومواكبة للعصر على أنظمة الحكم في العالم تطرح أمامنا صورة مقلقة.
ليست الأنظمة المحافظة التي أعارضها، هي التي تثير القلق إنما ذلك الترابط المشين بين التعب واليأس من الديمقراطية ونقاط ضعفها، وبين الارتفاع الهائل لمكانة رأس المال الذي تحول عمليا إلى صاحب السيادة الحقيقي، يقلقني تراجع الأيديولوجيا وتفريغ السياسة من المنافسة الفكرية.
كل هذه التحولات تؤدي إلى انهيار الديمقراطية بمعناها العميق.
 إن الديمقراطية الإسرائيلية أيضا تقف على أرجل واهنة وهي تعاني النزع الأخير، فنسب المشاركة المتدنية في الانتخابات ومبدأ التمثيل الديمقراطي الحقيقي جرى القضاء عليه كلياً، وغالبية أعضاء الكنيست لم ينتخبوا في أي إطار سياسي حزبي قبل وصولهم إلى الكنيست، بالإضافة إلى الطعن المتواصل بالحياة البرلمانية.
إن نجوم العصر هم أصحاب مليارات يمارسون الاستغلال والفظاظة وقلة التربية من برلسكوني إلى أركادي غاديميك.
وأكثر من ذلك فإن مصادرة حرية واستقلال شعب آخر، لا يمكنها أن تبقي أي ذكر للديمقراطية، وأمامنا مأساة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني واستمرار الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني: شعبان يتصارعان على أرض هذه البلاد والتي كان بالإمكان تقاسمها لدولتين.
يقال إن التاريخ يكرر نفسه، وهو يكرر نفسه، ولكن ليس بذات الطريق وبذات الشكل، فلو تعلمت الشعوب من الحرب العالمية الأولى لما اندلعت الحرب العالمية الثانية، وقد اندلعت الحرب العالمية الثانية.
ولذلك يجب أن تتعلموا من التاريخ وأن تدرسوا التاريخ، كي لا يكرر التاريخ نفسه، وكي لا نسمح للفاشية بأن ترفع رأسها في أي مكان.


*الكلمة التي القاها النائب محمد بركة في الجلسة الخاصة التي عقدتها الهيئة العامة للكنيست بمناسبة يوم النصر على النازية يوم الاربعاء 21\5\2008.

محمد بركة
السبت 24/5/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع