حكاية صغيرة.. من المريخ: عَمُّو طنَّش!



قال الراوي:
نظمني وأخدانًا لي ناد.. تجمّع تحت سمائه الأصحاب من جميع أنحاء البلاد.. وراح كلٌّ يقصّ علينا ما حدث له.. وينبش من خبايا قلبه ما آلمه..
روى عبد الله بن عامر بن عبد الستار الصفدي- وكان أديبا حبيبًا أريبًا- قال: يطيب لي أن أقصّ عليكم بكلام صريح.. عن البراعة في فن التطنيش والتكليح!
فقلنا له: هات من الآخر.. يا أبا عامر! وأرحنا- أراحك الله من أعدائك وحسّادك- من المقدمات "الحريرية" والمحسّنات "البديعية" التي لا تسمن ولا تغني من جوع!
وفي الحال.. استوى في جلسته.. وتنحنح ثم راح يروي لنا على راحته:
- تلقيت دعوة من أحد المراكز الثقافية.. لتقديم محاضرة أدبية.. عن "فن السباحة في البحور الشعرية"!
في بادئ الأمر ترددت.. ثم فكرت.. ثم قررت!
وقلت في نفسي: هي رسالة!
ثم فزعت إلى مكتبتي.. ورحت أستلّ منها الكتب والصحف وملفّات المقالات والقصاصات الصغيرة والتلخيصات المدوّنة في الدفاتر.. وما إلى ذلك من مختلف المراجع والمصادر.. التي جمعتها وكوّمتها وصنّفتها.. لأعدّ محاضرة تليق بالمقام.. طموحًا إلى الكمال والتمام..
وقضيت الساعات الطوال "منْكبًّا" في غرفتي.. ومنْكبًّا على كتبي ومكتبتي.. حتى انتهيت من كتابة المحاضرة.. استعدادًا لليوم الموعود.. وتحقيقًا للهدف المنشود..
وقبل يوم من اليوم الموعود هاتفت المسؤول.. وأخبرته أن لدي مشكلة تحتاج إلى حلول.. فليس لديّ سيارة.. وليس لديّ رخصة سياقة.. وليس هنالك سيارات أجرة أو حافلة.. توصلني إلى المدينة الفاضلة!
فقال لي: جرّب.. دبّر حالك!
وبعد السير على الشوك.. والوقوع في شَرَك الإحراج.. دبّرتُ حالي!
فكّرت في أحد الأصدقاء الذين ألجأ إليهم وقت الحزّة واللزّة.. فلجأت إليه.. و"مُنْتُ" عليه.. وخجّلته.. وأبديت له استعدادي لتغطية ثمن الوقود.. على أن يرافقني لتأدية المهمّة الثقافية!
وتوكّلت عليه.. وعلى سيارته "عزيزة" التي تنتمي إلى الطبقة الشعبية المسحوقة.. ويمّمنا شطر المدينة الفاضلة!
وسيري يا مباركة!
وبعد ساعة وبعض الساعة.. وبعد تجشُّم مشاقّ السفر.. وركوب الخطر.. وحرق الأعصاب في أتون ازدحامات السير على الشوارع المجنونة.. وصلنا بالسلامة.. وتوقفنا عند مشارف مدينة الثقافة!
فرأينا أمامنا "مركزًا ثقافيًا" فخمًا.. بناءً وفنًا معماريًا وزخارف عربسكية.. يروي الرواة أنه- أي المركز- "أُبّهة" لم يُخلق مثله في العالمين.. فدخلناه بسلام آمنين!
رحّب المسؤول الكبير بنا.. وشرح لنا، متباهيًا، عن الملايين الطائلة التي استثمرت في هذا المركز الفخم.. وعن الميزانيات الضخمة المخصصة التي "تنهال" علينا لصرفها على النشاطات الثقافية والاجتماعية وغيرها من النشاطات.. للنهوض بالمدينة.. وإيقاظ ثقافتها من حالة السبات الحزينة!
وبعد الانتهاء من تقديم المحاضرة الثقافية.. ثار نقاش وجدال وسجال.. استغرق ساعة وبعض ساعة.. وكان ممتعًا ومثيرًا وأثيرًا!
وقف المسؤول المحترم.. وأثنى على الكلمة القيّمة.. وشكر المحاضر الذي بذل الجهود الطيبة في الإعداد لهذه المحاضرة.. وتشجم مشاقّ السفر حاملا رسالة مقدسة.. خدمة لأبناء شعبه في هذه المؤسسة!
ولدى عودتنا.. أنا وصديقي.. توقّفنا عند محطة وقود.. فلملمت ما في ثنايا جيوبي من نقود.. "وعطستها".. وفاء بما التزمت به من عهود..
ثم عرّجنا على أحد المطاعم.. فتناولنا وجبة خفيفة.. تلبية لاستغاثات المعدة النظيفة.. و"زقزقات" عصافيرها التي راحت تتلوّى.. نظرًا لابتعاد عهدها بآخر وجبة "شرّفتها" هذا الصباح!
ولما انتهينا من القيام بالواجب تجاه نداءات الاستغاثة.. قمنا وقفلنا عائدين.. إلى قواعدنا سالمين "غانمين"!

**

قال الراوي:
فأعجبتنا "غانمين"!
وكمن لدغتهم أفعى.. نهض أبو الهيثم وأبو حسام وأبو خالد.. وهبّوا يسألون بصوت واحد:
- "غانمين"؟!
- !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
- هل نفهم منك أن المركز قام بواجبه بتغطية تكاليف السفر؟
- !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
- وهل كانت هنالك مكافأة على الجهود التي بذلتها في الإعداد لهذه المحاضرة؟
- !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
- لقد أعطيت أحلى سنوات العمر للحياة الجامعية.. وحبستَ نفسك أيامًا وليالي في المكتبة.. وقرأت العديد العديد من الكتب والمجلات والمقالات والدراسات.. وسهرت الليالي تحضيرًا للامتحانات.. وكتابة العديد من الوظائف والدراسات والأطروحات.. طلبًا للمعرفة.. وطموحًا للأفضل.. وذهبت إلى "هناك".. "لتبيع" هذه المعرفة.. فهل..؟!
- !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
- ألم يكن من باب أوْلى.. من "جهد البلا".. أن تقرأ كتابًا ممتعًا طال الشوق إليه.. وطال انتظاره.. ونفد اصطباره؟
ألم يكن من باب أوْلى أن تخرج إلى نزهة في أحضان الطبيعة؟.. أن تسترخي على شاطئ البحر.. وتداعب النسمات الناعمة.. وتغازل أشعة الشمس الدافئة؟
ألم يكن من باب أوْلى.. أن تقوم بواجبك تجاه نفسك.. وتريح جسدًا وفكرًا وأعصابًا أرهقتها الهموم اليومية.. وإيقاع الحياة العصرية.. وهي بأمس الحاجة إلى الراحة النفسية والجسدية!؟
وماذا يفيدك لو ربحت العالم كله.. وخسرت نفسك.. يا محترم!؟
-  !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
- وهل.. وهل.. وهل..؟!

**


وحافته الصفنة.. وآثر الصمت!
فقد أبت عليه كرامته وكبرياؤه.. أن ينبس ببنت شفة!

**


الخوروس الأول:
عظّم الله أجركم!
عظّم الله أجركم!
الخوروس الثاني:
طوبى للفقراء والمساكين!
وطوبى للباكين اليوم.. لأنهم سيُعَزّون.. وسيضحكون غدًا أو بعد غد.. أو بعد بعد غد!
آمين يا رب العالمين!
**

(الاسم الحقيقي محفوظ لدى هيئة التحرير)

همسة صفدي
السبت 24/5/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع