حول "شغل عرب"، تلخيصًا



* شي عجيب كيف ماشي/ مخشخش من دون خشخاشة/ والفيلم مكفى وفاهمينو/ وشايفينو من دون شاشة *

لم أحظ بشرف مشاهدة "الحلقة الخاصة" من مسلسل "شغل عرب"، التي بُثت مؤخرًا على شرف ستينيّة دولة إسرائيل. ومن المنطقي الافتراض أن هذه الحلقة لم تحمل في طياتها مفاجآت جوهرية قياسًا بالحلقات الأولى.
مسلسل موجّه أصلا للجمهور اليهودي، وهو مسلسل سيء سياسيًا ومبتذل فنيًا. لأنّ الكوميديا، وبخلاف ما قد يروّجه بعض المتسلقين عليها، هي فن حقيقي وليست مجرّد تهريج. ولأنّ الكوميديا السوداء هي أكثر بكثير من مجرّد جلد الذات لتسلية الجلاد.
ورغم حداثة ومحدودية التجربة الثقافية الفلسطينية في إسرائيل، فقد احتل فيها الأدبُ الساخر والفن الساخر حيّزًا كبيرًا نسبيًا. فمعظم أدب إميل حبيبي (مع الاعتذار الضمني على هذه المفاضلة) ينضح بالسخرية اللاذعة، بما فيها السخرية الذاتيّة. أي أنّ اجترار مقولة أننا "لم نرتق بعد إلى مصاف فهم السخرية"، ينمّ عن جهل مُعيب بأبجديات ثقافة هذا الجزء من هذا الشعب. ناهيك عن أنّ سخرية حبيبي ومحمد علي طه وغيرهما لم تكن يومًا سخرية من أجل السخرية وحسب، بل أداة فنيّة، جاورت العبقريّة في بعض الأحيان، وُظـِّـفت لتحكي حكايتنا وما ابتلينا به من شرور. فشتّان ما بين سخرية حبيبي وطه الأصيلة ومسخرة الأسرلة التي رأيناها في "شغل عرب" والتي يدافع عنها البعض.
أما التذرّع والتشبّث بحقيقة وجود فئة متأسرلة في المجتمع العربي، لتبرير التشويه المقرف لهوية العربي في المسلسل، فلا يضاهيهما ركاكةً سوى التعامي عن كارثية هيمنة الثقافة الإسرائيلية، وفي مركزها اللغة العبرية، على المبدع العربي. فاللغة ليست مجرّد وسيلة. واللغة العبرية ليست مجرّد "لغة ثانية" بالنسبة لنا. فالعربي، أيُّ عربي، مغترب حسِّـيًا وعقلانيًا عن اللغة العبرية، باعتبارها واحدًا من أركان الأيديولوجية الصهيونية (بعث لغة التوراة)، فكم بالحريّ إذا كانت اللغة حرفته والكتابة صنعته؟ ولن تقوم قائمة للهوية دون اللغة. فهل سقطت اللغة العربية، بالذات مِن المتشدّقين بالهوية، سهوًا؟
ليس في مستطاع المبدع العربي الذي يفكّر بالعبرية (لأنه لا يعرف سواها) إلا أن يقدّم صورة ممسوخة عن ذاته القومية، لأنه عاجز عن رؤيتها إلا من خلال منظار الآخر العنصري والاستعلائي. ولا غرابة في أن يُربَّـت لعربيٍّ كهذا على كتفه، وأن يٌمتدح على "جرأته في نشر الغسيل الوسخ"، خاصةً حين يُنظر إلى هذا "الغسيل" من الشُرفة المقابلة.
ومن الغريب أن يؤثِر معظم المدافعين عن "شغل عرب" طرح ركيكَ مسوّغاتهم بعد انتهاء عرض المسلسل، وأن يهللوا لـ "أهمية بث حلقة كوميدية عن النكبة في يوم الاستقلال" (شو هالإنجاز العظيم؟!). بالطبع هناك أشخاص لا يتميّزون بالصدق والنزاهة ولا حتى بما يسمّى بالاستقامة الثقافية، يخشون إزعاج هذا وذاك حرصًا على فرصة عمل مؤجَّـلة. لكن هناك أيضًا من يتطوّع لهذه "المهمة القومية"!
وفي هذا "النسق"، نسق عرب "شغل عرب"، قال الشاعر، ممّـا قاله: شي عجيب كيف ماشي/ مخشخش من دون خشخاشة/ والفيلم مكفى وفاهمينو/ وشايفينو من دون شاشة.

رجا زعاترة
الخميس 29/5/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع