حزبنا الشيوعي يُحيي 90 عامًا من النضال:
ذكريات خِتيار لم تمُتْ أجياله (21)



*بالاضافة الى المعركة الجماهيرية التي خاضتها قرى البطوف ايضا، خاض الأهالي المعركة القضائية حيث اوكلوا المحاميان حنا نقارة ومحمد نمر الهواري* صحيفة "الاتحاد" قد اجرت لقاء مع المحامي حنا نقارة حول أنباء معركة اهالي البطوف القضائية لصيانة ارضهم* وفي هذا الشهر وبالرغم من ان المحكمة العليا لم تبت بالقضية، احضرت الآلات ومعها خمسمائة شرطي وشرطية وبوشر الحفر في اراضي سخنين*

 

وفي تلك المرحلة ايضا بدأ فرع الشبيبة الشيوعية في سخنين يتطور بقيادة الرفاق فيصل ابو يونس وحنيف زبيدات وكذلك فرع الحزب الشيوعي قد بدأ في التطور والنمو من جديد وبدأ هو ايضا يأخذ دوره الطبيعي في المعارك الجماهيرية وخاصة في قضية الارض حيث ان اهالي سخنين وعرابة لم يتوقفوا في معركتهم ضد قانون تركيز الاراضي وقانون المصادرة لقسم من اراضي البطوف، فبالاضافة الى المعركة الجماهيرية التي خاضتها قرى البطوف ايضا، خاض الأهالي المعركة القضائية حيث أوكلوا المحاميين حنا نقارة ومحمد نمر الهواري ضد عملية المصادرة لحوالي الف وخمسمائة دونم من اراضي البطوف الخصبة من أجل تمرير قناة المشروع القطري للمياه في داخل سهل البطوف. وكانت صحيفة "الاتحاد" قد اجرت لقاء مع المحامي حنا نقارة حول أنباء معركة اهالي البطوف القضائية لصيانة ارضهم. حيث كان قد عقدت جلسة خاصة لمحكمة العدل العليا للنظر في دعوى اهالي البطوف ضد الدولة ومن أجل ان تكون القناة مطمورة تحت الارض. وكان المحاميان حنا نقارة ومحمد نمر الهواري قد ناقشا خلال جلسة المحكمة مهندس المشروع القطري واحرجاه بأسئلتهم له خاصة عندما قال لهما انه ايضا عند اليهود صودرت اراضٍ اكثر، عندها رد عليه المحامي حنا نقارة باستهزاء "عن أية اراضٍ تتحدث، ان هذه الاراضي جميعها اراضٍ عربية لاصحاب القرى المهجرة " عندها تراجع المهندس عن اقواله هذه وتم تأجيل المحكمة من اجل إحضار خبير مياه عالمي يقدّم رأيه المهني والقانوني في هذا الموضوع.
وفي تاريخ 22.6.1962 نشر في صحيفة "الاتحاد" خبر تحت عنوان "فلاحو سخنين وعرابة يقفون امام الجرافات" وكان قد أرسل هذا الخبر سكرتير فرع الحزب الشيوعي في عرابة الرفيق ابراهيم شكري. ونتيجة لهذا الموقف من الاهالي اضطرت شركة "تاهل" التي تنفذ المشروع الى ايقاف عمليات الحفر غير القانونية في سهل البطوف. وفي الوقت نفسه قام الرفيق توفيق طوبي بتقديم طلب باسم الكتلة الشيوعية في الكنيست بوضع قضية الحفريات في سهل البطوف على جدول اعمال الكنيست. وفي هذا الخبر ذكر كيف ان اهالي سخنين وعرابة نزلوا يومي الاحد والاثنين بتاريخ 17 و18.6.1962 الى اراضيهم موحدين الصف رجالا ونساءً ودفعوا بانفسهم امام الجرافات التي تحفر الارض وتخرب المزروعات. ولم تفلح الشرطة والشاباك ومدير شركة "تاهل" في اقناع الفلاحين بالتراجع وعندها اضطروا الى ايقاف العمل وسحب الجرافات. وفي تلك الفترة ايضا كتب الرفيق اميل حبيبي مقالا في "الاتحاد" تحت عنوان "نعم .. كنت في سخنين" قال فيه ما معناه أنّه لا شك ان المؤامرة كبيرة ولذلك كانت السلطة تخترع الخلافات العائلية من اجل الهاء الاهالي ببعضهم البعض، وقد كتب هذا لأنّ السلطة اتهمته بانه المحرض للفلاحين من اجل وقوفهم امام الجرافات، خاصة وانه في تلك الفترة كان في زيارة لقرى البطوف وخلال عبوره من سخنين كان هناك "طوشة" بين عائلتين من سخنين في الوقت الذين هم أمَسّ الحاجة للوحدة من اجل مجابهة غول المصادرة بوحدة كفاحية.
ونشر خبر آخر في "الاتحاد" في تاريخ 14.8.1962 تحت عنوان "اهالي عرابة وسخنين يواصلون المعركة لصيانة اراضيهم" وكانت السلطات في ذلك الوقت قد بلغت الفلاحين بقرارها نزع الملكية ونزع اليد عن الارض واعلن البوليس بلغة التهديد بأنّه سوف ينفذ هذا القرار ولو بالقوة. وكان مدير البوليس في عكا قد استدعى المخاتير وبعض الملاكين "وافهمهم" بأنّ الشرطة لن تتوانى عن تنفيذ قرارالمحكمة. وقد رد هؤلاء بانهم يسلكون طريق الاجراءات التي يمكنهم منها القانون. وكانوا قد قدموا الاستئنافات الى المحكمة وهم يطالبون بانتظار نتيجة هذه الاستئنافات. وكذلك في تلك الفترة جرى اعتقال الرفيق سليم القاسم الذي كان مسؤولا من قبل الحزب في منطقة الناصرة عن العلاقات مع فروع الحزب في قطاع البطوف وقد جرى اعتقاله اداريا لمدة عشرة ايام بتهمة تحريضه اهالي عرابة وسخنين من اجل التصدي للجرافات التي تعمل في الحفر في سهل البطوف. وخلال المحكمة قال لهم ان اهالي البطوف ليسوا بحاجة لمن يحرضهم بل انه من الطبيعي ان يهبوا للدفاع عن اراضيهم التي تريد السلطة سلبها منهم.
في تلك الفترة ايضا كنا قد قصدنا سهل البطوف في شهر آب من العام 1962 الرفيق سالم جبران وانا لزيارة المختار احمد توفيق ياسين الذي نصب خيمة هناك في ارضه التي ستمر منها القناة. وكان الهدف من الزيارة اجراء لقاء معه ليحدثنا عن قضية المشروع القطري وعندما وصلنا اليه وعرف هدفنا وهو اجراء مقابلة معه ليحدثنا عن هذه المؤامرة على سهل البطوف من اجل نشرها في مجلة "الغد" مجلة الشباب التابعة للشبيبة الشيوعية، قبل إجراء هذا اللقاء برحابة صدر وبدأ حديثه من البداية حيث قال انه في احد الايام من سنة 1955 حضر الى القرية الحاكم العسكري ووكيل شركة مكوروت من اجل اخبار الفلاحين بان القناة ستمر من اراضيهم. وفي تلك الفترة رفض الفلاحون هذا الطلب ولكن وبعد جدال طويل وافق الفلاحون بأن تمر القناة في ارض "الغرق" أي الارض التي تكون مغمورة بالمياه في فصل الشتاء او ان تكون القناة مطمورة تحت الارض. وعندها رجع الحاكم ومرافقه زعلانين من عرابة. وأضاف المختار في حديثه: "نامت الحكاية وجاءت سنة 1961 وحضر الحاكم مرة أخرى ومعه نفس المرافق واخبروا وجهاء القرية ان عرض القناة سيكون 220 مترا. ومرة اخرى استنكر أهالي القرية هذا التوجه، وغاب سعادتهما مدة اخرى.. ثم رجعا وقال عندها مندوب الشركة.. انه بعد المشاورات مع المهندسين تقرر ان يكون عرض القناة 93 مترا، وحالا توجه الفلاحون الى محكمة العدل العليا، وعقدت اول جلسة.. وعينت الجلسة الثانية لتاريخ 13.9.1962 وخلال هذا الوقت حاولت الشركة ان تشتري الارض من الفلاحين فرفضوا. وفي هذا الشهر وبالرغم من ان المحكمة العليا لم تبت بالقضية، احضرت الآلات ومعها خمسمائة شرطي وشرطية وبوشر الحفر في اراضي سخنين. هذا بعض ما ذكره لنا في ذلك الوقت المرحوم احمد توفيق ياسين. وكنا قد التقينا ايضا هناك في سهل البطوف بالمرحوم الشيخ الجليل مصطفى الياسين، الذي حدثنا أيضًا بغضب عن عملية سلب أراضي البطوف.
ان المؤامرات على الاراضي العربية لم تتوقف في يوم من الايام منذ قيام الدولة حتى ايامنا هذه. وفي تلك الفترة وفي عز التآمر على سهل البطوف كان ايضا قد بدأ التآمرعلى اراضي الشاغور من اجل مصادرتها واقامة مدينة كرميئيل. وفي تلك الفترة رأت الجبهة الشعبية ان غول المصادرة يفتح فمه في كل مكان توجد بقية من الاراضي للجماهير العربية. وفي تاريخ 15.9.1962 عقد هذا المؤتمر وكالعادة وبالرغم من كل اساليب الارهاب والضغط التي استخدمتها السلطة ورغم الاقامات الجبرية لكن المؤتمر عقد وكان ناجحا جدا حيث شارك فيه ممثلون عن أكثر من اربعين مدينة وقرية عربية وشاركت فيه ايضا قوى دمقراطية يهودية. وكان المؤتمر قد عقد في حيفا في قاعة مؤتمر العمال العرب وافتتحه بعاصفة من التصفيق مختار  قرية نحف في ذلك الوقت عبد الغني السعيد وقال في بداية كلمته: "لقد جئنا لنعلنها صريحة واضحة اننا في وطننا باقون وانا عن تربة الآباء والاجداد مدافعون غير مبالين بالوعد والوعيد وسد سبل العيش واننا متأكدون من ان اليهود الاشراف قد استيقظوا ليقاوموا الظلم ويقفوا الى جانبنا، في وجه الاضطهاد والسلطات لمنع سلب الاراضي ولالغاء الحكم العسكري ولوقف كل الاجراءات التعسفية". وكان طاهر الفاهوم الذي فرضت عليه الاقامة الجبرية من اجل منعه من حضور المؤتمر، أرسل رسالة إلى المؤتمرين، القاها باسمه عصام العباسي. وجاء في كلمة الفاهوم: "ما ضاع حق خلفه مطالب وباسم هذا الحق نفتتح المؤتمر. اننا نسجي الى كل مخلص شريف مهما كانت مبادئه وندعو المنحرفين إلى العدول عن انحرافهم" وعمليا هذا الحديث الاخير كان موجها الى بعض الاعضاء من الجبهة الشعبية الذين تخلوا عن الجبهة والعضوية فيها تحت حجج واهية ومختلفة متخلين بذلك عن وحدة الصف الكفاحية التي كنا وما زلنا بأمسّ الحاجة اليها في تلك المرحلة وفي كل مرحلة من مراحل كفاح جماهيرنا العريبة في هذه البلاد.
ومن وفد عرابة في هذا المؤتمر تكلم احمد صالح جربوني حيث قال في كلمته: "كنت امس في البطوف ورأيت الجرافات تجرف الارض وهي ارضنا وتتلف الزرع الذي تعهده الفلاحون بسواعدهم وبعرقهم لأنه امل صغارهم".
وكان عدد من الشخصيات اليهودية من مختلف الاتجاهات أرسلوا رسائل يعلنون فيها عن تأييدهم لكفاح الفلاحين العرب ومؤتمرهم الشعبي. وكذلك اتخذت في هذا المؤتمر ايضا عدة قرارات من اجل مواصلة معركة النضال ضد سياسة سلب الاراضي وضد الحكم العسكري ومن اجل وحدة الصف الكفاحية لجماهيرنا العريبة من اجل مواجهة كل التحديات والمؤامرات التي تحاك ضدهم دون تمييز بين من يعتبروه ايجابيا اوسلبيا بالنسبة لهم لان هدف السلطة هو كل جماهيرنا العربية التي بقيت على تراب هذا الوطن متشبثة بالوطن والارض. 

توفيق كناعنة
الجمعة 30/5/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع