لا يمكن الحديث عن فيلم «تشي» لستيفن سودربرغ الذي قدّمت عروضه الرسمية أمس في «كان» من دون أن إجراء مقارنةً فورا بينه وبين Apocalypse now لفرنسيس فورد كوبولا. إذ يُروى هنا في كواليس المهرجان، أنّ سودربرغ كان مترددا في تقديم شريطه في «كان»، لأنّ المونتاج لم يكتمل بعد تماما، ما يفسر الطول المفرط للنسخة الأولية للفيلم التي عُرضت هنا (4 ساعات و28 دقيقة). وقبل القدوم إلى الكروازيت، طلب سودربرغ النصح من كوبولا الذي كان عرف تجربة مماثلة عام 1979، حيث لم تكن رائعته Apocalypse now قد اكتملت تماما. ويومها اضطر كوبولا لدخول المسابقة الرسمية بنسخة أولية مطوّلة جدا قاربت هي الأخرى الأربع ساعات. رغم ذلك، نجح في انتزاع «السعفة الذهبية».
لا شك في أنّ سودربرغ الذي انتزع «السعفة الذهبية» هنا سنة 1989، قد تنفّس الصعداء بعد الحفاوة النقدية التي قوبل بها «تشي» أمس. فخلال أقل من 24 ساعة، بيعت حقوق توزيعه في العالم أجمع... باستثناء الولايات المتحدة! وهنا يكمن وجه المقارنة الآخر بين هذا الفيلم وبين Apocalypse now. فمثلما واجهت كوبولا مشكلات عطّلت طويلا تمويل فيلمه هذا وتصويره، بسبب خطابه الصادم، آنذاك، بخصوص حرب فيتنام، واجه «تشي» سودربرغ العقبات ذاتها. إذ لم يجد أي منتج هوليوودي يغامر بتمويله. وما إن انتهى سودربرغ من كتابة السيناريو، حتى انهالت عليه هجمة عنيفة من الصحف الأميركية المتخصصة، حيث كتبت مجلة سينمائية أميركية بارزة: «لتكوين فكرة عن الصورة التي يقدمها هذا السيناريو عن شخصية غيفارا وحياته، تصوّروا لو أن فيلما عن حياة هتلر يتجاهل تماما الهولوكوست ويركّز فقط على النهضة الاقتصادية التي شهدتها ألمانيا في عهده»!
حيال تلك الهجمة المكارثية غير المعلنة، التفت سودربرغ إلى منتجين أوروبيين. واستطاع بعد جهد أن يجمع ميزانية بلغت 70 مليون دولار (إنتاج مشترك فرنسي ـــ إسباني)، وشرع قبل 3 سنوات في تصوير فيلمه. لكن العقبات لم تتوقف عند ذلك الحد، فقد تدخل الرئيس جورج بوش شخصيّا لمنع تصوير مشاهد الجزء الأول من الفيلم في كوبا، بحجة الحظر الاقتصادي المفروض على بلد فيدل كاسترو. هكذا، فضّل سودربرغ الانحناء للعاصفة، وصوّر تلك المشاهد بين بورتوريكو والمكسيك.
لكن ذلك لم يكن كافيا لإبعاد سهام «المكارثية الجديدة» عن الفيلم الذي ما زال بلا موزّع أميركي. والأرجح أنه لن يجد طريقه إلى صالات العرض الأميركية سوى في حالة واحدة: أن ينال السعفة الذهبية!