لبنان: أجواء وفاقية تمهّد لحكومة الوحدة الوطنية



* «حزب الله» و«أمل» يهربان من «الطاقة» إلى «الاتصالات» ... وجنبلاط «يتنازل» عن مقعد درزي * عون يطلب المستحيل من أجل الكثير ... وجعجع يريد وزيرين ... والسنيورة يتمسّك بقباني! *


السفير - سيطرت الأجواء الوفاقية على مناخ الاستشارات النيابية التي أجراها رئيس الحكومة المكلف فؤاد السنيورة مع الكتل النيابية الموالية والمعارضة، وخرج الجميع من ساحة النجمة بانطباع مفاده أن حكومة الوحدة الوطنية ستبصر النور خلال أيام قليلة، على أن تنال ثقة المجلس النيابي في موعد أقصاه العاشر من حزيران المقبل.
وفيما كانت عملية التأليف تمر بممر شكلي إجباري هو مطالب وشروط الكتل والنواب المستقلين، كانت العمليات الحسابية جارية في «المطابخ المركزية»، خاصة بعد أن أخذ رئيس الحكومة المكلف بمطالب الكتل «القومية» و«الرقمية» و«الطائفية» و«الخدماتية» و«السيادية» و«العائلية»، وبقي عليه أن يقول للجميع إن ما كتب في الدوحة قد كتب والوزارة لن تكون إلا ثلاثينية وبالتالي ما رفع من مطالب وما وضع من شروط، هو مجرد سقوف سياسية قبل الأخذ والرد الحقيقيين، خارج غرفة الاستشارات التي انتهت، أمس، فعلياً، على أن تبدأ المقايضات بين المعارضة والموالاة في الساعات المقبلة، في ظل توقعات بأن تبصر الحكومة النور قريباً.
واللافت للانتباه، أن البيان الوزاري، صار شبه منجز قبل عملية التأليف، وفي ذلك اختصار للمسافة الفاصلة بين إنجاز التأليف ونيل الثقة سريعاً، قبل أن تتجه أنظار الجميع الى الانتخابات النيابية المقبلة وإلى قانونها العتيد بوصفه البند الأخير في اتفاق الدوحة.
ولأن الانتخابات على الأبواب، فإن المطالب أخذت في الاعتبار، حساسية هذه الحقيبة أو تلك، وهذا الاسم أو ذاك، ربطاً بالمعركة الانتخابية المقبلة، فإذا بـ«حزب الله» و«أمل» يكفران بوزارة الطاقة ويطلبان حذفها من سجلهما، ويطالبان بوزارة الاتصالات بديلاً، مع إعلان تمسكهم بوزارة الخارجية (حقيبة سيادية) وبما كان مثبتاً لهم في الوزارة الحالية (العمل والزراعة والصحة). أما الأسماء التي نشرتها «السفير»، أمس، فلم ينل منها أي تعديل باستثناء حسم مقعدين شيعيين لمصلحة «حزب الله» بعد أن
أعطى النائب وليد جنبلاط إشارات شبه حاسمة حول عدم ممانعته بتوزير النائب السابق طلال ارسلان، مقابل حصول الموالاة على أحد المقاعد الشيعية لمصلحة النائب باسم السبع، عضو كتلتي «المستقبل» و«اللقاء الديموقراطي» في آن معاً...
أما العماد ميشال عون، فقد رفع سقف التفاوض على جاري عادته، فنادى بوزارة المالية السيادية، وهو المدرك أنه عند الأكثرية بمثابة «قدس الأقداس»، وكأنه بذلك يريد أن يحصد ما يمكن حصده من مغانم، وخاصة في الحقائب الخدماتية، حيث بدت عينه «مضروبة» على وزارتي الأشغال والتربية، ولو أنه كاد يطالب بكل الوزارات بما فيها وزارة الصحة المصنفة في خانة حليفه الافتراضي الرئيس نبيه بري، دون إغفال حقه الطبيعي بوزارة سيادية، يفترض أن ترسي على وزارة الدفاع إلا إذا برزت حساسيات من داخل المؤسسة العسكرية في اتجاه معاكس، لتصبح الوزارة الوحيدة المتاحة أمامه، هي وزارة العدل التي يبدو أنه لا يريدها ولو قدمت اليه على طبق من ذهب!
ولم تتعدل أسماء مرشحي «تكتل التغيير والاصلاح»، سوى إلحاح بعض أوساط «التيار» على رمي أسماء متعددة للمرشح الماروني الثاني (غير جبران باسيل المحسوم)، وذلك عبر الحديث عن مفاجأة غير متوقعة (اسم كسرواني من خارج «التيار») أو أحد الأسماء «التاريخية» في «التيار» وليس في «التكتل»... وفي المحصلة ظلّ اسما جبران باسيل وعصام أبو جمرة ثابتين ونهائيين...
أما باقي حلفاء عون والمعارضة، فإن مطالبهم بدت متواضعة، حيث نادت كتلة الطاشناق الأرمنية بحقيبة ومقعد، لكن الحقيقة هي أن المقعد سيكون من نصيب هوفيك مختاريان ولكن بصفته وزيراً سياسياً ومن دون أية حقيبة على الأرجح. ونالت «الكتلة الشعبية» في زحلة المقعد الكاثوليكي «المطوب» لها، لمصلحة رئيسها الياس سكاف مع أرجحية الحصول على حقيبة مثل الصناعة على سبيل المثال لا الحصر!

 

ماذا عن المقلب الموالي؟

في المقلب الموالي، يواجه النائب سعد الحريري تواضعا كبيراً من حليفه النائب وليد جنبلاط، الذي دخل على الرئيس المكلف قائلاً له ان أحداً من أعضاء كتلتي لا يريد وزارة! واذا كان هذا الكلام المفاجئ لم يحظ برضى نواب «اللقاء الديموقراطي»، فإن جنبلاط كان مدركاً أن المكان الطبيعي لـ«البازار» هو خارج مجلس النواب.
فقد باع جنبلاط بيعة «معلم» لمصلحة «خصمه» الدرزي طلال ارسلان، وهو على الأرجح «سيهديه» المقعد النيابي في عاليه، في الانتخابات المقبلة، وبالتالي، عينه على حقيبة خدماتية أساسية تكون من حصة أحد الوزيرين الدرزيين وائل أبو فاعور وأكرم شهيب، مع محاولة للفوز بمقعد مسيحي وتحديداً كاثوليكي، غير ان حسابات الحقل لا تطابق حساب البيدر الموالي، ذلك أن المفاضلة بين ميشال فرعون ونعمة طعمة توزيراً، أفضت لمصلحة الأول وليس الثاني، ربطاً بالدائرة الأولى الانتخابية في بيروت وحاجة الحريري لترميم وضع حلفائه المسيحيين فيها بمن في ذلك «القوات اللبنانية».
وكيفما دارت الدائرة، فإن سعد الحريري سيكون مضطراً لأن «يزعل» بعض حلفائه المسيحيين، وبينهم نايلة معوض، التي توشك على توديع الوزارة والنيابة في آن معاً، فيما الشيخ بطرس حرب يستعد لمنازلة كبرى في البترون وبالتالي يردد من حوله على مسمع الحريري كلاماً واضحاً بأن لا تغلطوا الغلطة التي ارتكبتموها في العام ألفين وخمسة عندما أقصيتم «فخامة النائب» عن الوزارة!
وإذا حسم أحد المقاعد المارونية لحرب، فإن الثاني سيكون من نصيب الرئيس أمين الجميل بدلاً من المقعد الكاثوليكي لمصلحة صهره ميشال مكتف وفق آخر بورصة للأسماء، أما الأسم الثالث والأخير للموالاة، فسيكون من نصيب سمير جعجع الذي طالب بمقعد وزير دولة، ما أدى الى قطع الطريق على جهاد أزعور وشارل رزق، علما أن «القوات» طالبت بمقعد ثان وسيصار الى تلبية طلبها ولكن من ضمن الحصة الأرثوذكسية، حيث سيكون هناك مقعد متواضع (السياحة) لمصلحة عماد واكيم، ولو أن «القوات» تنادي بحقيبة خدماتية!
وعلى صعيد باقي الأسماء المسيحية، فإن الموالاة سترشح وزيراً أرثوذكسياً من «المستقبل» (عاطف مجدلاني على الأرجح ربطاً بالمعركة الانتخابية المقبلة في بيروت) بالإضافة الى وزير أرمني، وهو المقعد شبه المحسوم لجان أوغاسبيان.
ويبقى الإحراج الكبير في كيفية توزيع النائب الحريري للمقاعد السنية الأربعة (غير السنيورة ومحمد الصفدي)، وخاصة أن رئيس الحكومة المكلف يصر على توزير خالد قباني في العدلية، بينما يريد الحريري إبداله بأحد نواب العاصمة.
أما بورصة اسماء باقي مرشحي المستقبل من السنة، فإنها مرجحة لمصلحة أحد نائبي البقاع الغربي (جمال الجراح وأحمد فتوح) ولمصلحة نائبين آخرين، أولهما من الشمال (الأرجحية لسمير الجسر)، وثانيهما من بيروت!
الجدير ذكره، أنه في الحصة المسيحية بات محسوماً ان رئيس الجمهورية سيتمثل بثلاثة مسيحيين، ماروني (لم يحسم) وأرثوذكسي (الياس المر) وكاثوليكي (شبه محسوم). وأكدت مصادر مقربّة من القصر الجمهوري ان الرئيس ميشال سليمان «لن يستعين بأي عسكري متقاعد لأي منصب سياسي». اما عن الاسماء المتداولة فتؤكد المصادر انها «ستشكل صدمة ايجابية لدى الرأي العام».
يذكر أن الرئيس بري اختلى أمس، وعلى هامش الاستشارات، بالنائب الحريري وعكس الجانبان أجواء ايجابية خاصة لجهة الاتفاق على التواصل شبه اليومي المباشر أو غير المباشر، فضلا عن اتفاق الجانبين على لعب الرئيس بري دور الجسر في الاتصالات القائمة بين الحريري وقيادة «حزب الله» وصولا الى السعي لترتيب لقاء بين الجانبين في الوقت المناسب.

السبت 31/5/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع