ألعملاق الأعمى والكسيح



     قال لي كما أقول لكم الآن : صباح الخير . . .ثم أردف : قامرت كثيرا بحياتي    وخسرت كثيرا ... حتى إنني قامرت على حياتي، لكنني بقيت حيّا.. كما ترى . أنا غير نادم .. غير حاقد على احد (بما في ذلك نفسي)، تعلمت كثيرا وما زلت تلميذا في مدرسة الحياة . طوعت ذاتي لتكتفي بالقليل ... فقدت الكثير الكثير، لكنني احتفظ بالأهم.. وهو القدرة على الاختيار والقدرة على التمييز بين القشرة واللب والمزيف  والحقيقي والمهم والأهم . لا أومن بالطريق الوحيد كما سماها كاتبك الغزيرالعزيز نيسين في روايته "الطريق الوحيد". لم افتد الأمل حتى اضطر للاحتيال والكذب     والتزوير . إذا كانت كافة الطرق مغلقة في وجهي  لا أقول بقي أمامي طريق واحد . إذا سدت جميع الطرق التي توصل إلى روما احفر خندقا تحت الأرض وتحت البحر أو أطير واصل إليها . أومن أن هنالك ملايين البدائل والاحتمالات وإذا لم يكن ذلك اليوم فغدا . اكره الذين لا حيلة لهم أو من يظنون أن لا حيلة لهم . أتحدث  عن ذاتي   وكأنها الآخر ... اخرج منها  وأشلح جلدي وانظر إليها من بعيد. .. صحيح أن حياتنا تعتمد أحيانا على المصادفات، لكنني اخلق واشترك في خلق المصادفات . لا أومن بالقدرية لان ثمة ملايين الاحتمالات في الدقيقة الواحدة من حياتنا . أومن بالجهد الإنساني .. "الجهد الصادق" كما سماه غوتيه، أهم ما في الإنسان أن يكون صادقا مع نفسه، وإذا كان صادقا هكذا يكون صادقا مع الآخرين وإنني اتمم نقصي بتمام غيري كما قال الجاحظ . لا غنى عن الآخر . الآخر هو مكمل لي . المرأة لا تكون أنثى بدون الرجل .. والرجل لا يكون ذكرا بدون المرأة . ولو لم يتوحدا لما ولد الأطفال   ولما كانت الحياة البشرية . تحكي الأساطير الإغريقية ومن قبلها السومرية والبابلية والأشورية في العراق القديم- ولا تشذ عن تلك الحكاية- أساطير العهد القديم والهند    والصين وأساطير الشمال والقبائل الجرمانية وقبائل الفايكنكز ...
تحكي الأساطير- وهي خزائن تجارب الشعوب-  عن عملاق أعمى كاد يموت من الجوع، فلا احد يقدم له الطعام أو يدلّه على الطريق إليه . وللحصول على الطعام ليس هناك طريق واحد، للغريزة أشكال وألوان وبدائل لا نهاية لها .
وكان بالقرب من هذا العملاق إنسان مقعد كسيح يتضور جوعا ولا من مغيث . حمل العملاق ذلك الكسيح على اكتافه . أصبح الاثنان إنسانا كاملا . الكسيح يرى           والعملاق الأعمى يستطيع المشي .
قال : لا أريد أن أعطيك درسا في التعاون .... إنما جئتك في هذا الصباح أولا لأقول لك:  صباح الخير! و ثانيا لكي أقول  : لا إنسان فرد كامل. إنه  بحاجة إلى الآخر . صباح التفاؤل والقدرة على التمييز . فاكتب عني يا ....

وليد الفاهوم
الأثنين 2/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع