الــخــبـــز الــدمــــوي



تتزايد في الآونة الأخيرة، الأنباء الواردة من الدول المدعوّة بـ"النامية"، حول توتّرات وانتفاضات محلية، احتجاجًا على الارتفاع الفاحش في اسعار المواد الغذائية، الأساسية منها تحديدًا، كالخبز والأرز.

مصر تشهد أزمة خبز "دموية"

*اضطرابات عنيفة في قرية مصرية بسبب تخفيض حصة الخبز لسكان القرى من اجل زيادتها لسكان المدن*

القاهرة- وكالات- قال شهود عيان ان مئات من سكان قرية تقع شمالي القاهرة تظاهروا أمس الاثنين احتجاجا على تخفيض حصصهم من الخبز المدعم وحطموا شاحنة صغيرة تستعمل في توزيعه.
وقال شاهد عيان ان سكان قرية الجوهرية في محافظة الغربية بدلتا النيل فوجئوا بتخفيض حصة الأسرة من 20 رغيفا يوميا الى عشرة وان مئات منهم تظاهروا احتجاجا على القرار وقذفوا شاحنة لتوزيع الخبز بالطوب وحطموها.
وأضاف إنّ تعزيزات من قوات ما يسمى بـ"مكافحة الشغب" وصلت الى القرية لفض المظاهرة فيما يبدو.
ومنذ شهور تشهد مصر أزمة في إمدادات الخبز الرخيص الذي تدعمه الحكومة بمليارات الجنيهات سنويا. وتقول صحف محلية ان 30 شخصا على الاقل قتلوا في مشاجرات أو تدافع في طوابير الخبز بمحافظات مختلفة.
وقال مسؤول في مدينة طنطا عاصمة محافظة الغربية ان الحكومة تخفض حصص الخبز لسكان القرى لتزيدها في المدن باعتبار أن القرى تزرع القمح.
وأضاف أن متوسط ما يحصل عليه الفرد في أكثر من 200 قرية في المحافظة هو رغيف ونصف رغيف في اليوم.
ويعتمد أغلب الفقراء في مصر على الخبز كطعام أساسي.
وفي سياق متصل اعلن مسؤول في برنامج الامم المتحدة للتنمية أول أمس الاحد ان الامن الغذائي لا يزال مسألة "مثيرة للقلق" في مصر.
وقال مندوب البرنامج المقيم في مصر جيمس و. راولي: "لا يزال الناس في مصر يواجهون مشكلة مع الغذاء ومع كيفية تأمين ما يكفي من الطعام ومع مشاكل التغذية".
واضاف: "حتى لو انها ليست مسألة حياة او موت في مصر، لان مصر تملك، لحسن الحظ، ما يكفي من الاموال لاستيراد المواد الغذائية، الا انها مسألة مثيرة للقلق".
واوضح ان "الحكومة قلقة ونحن- المجموعة الدولية- قلقون".
لكنه قال: "اعرف ان الحكومة المصرية تعهدت بإعادة النظر في سياساتها للامن الغذائي".
وكان راولي يتحدث خلال مسيرة ضد الجوع في القاهرة نظمها برنامج الغذاء العالمي.
وشارك في هذه المسيرة حوالي 250 شخصا، وهدفت الى لفت الانتباه حول الجوع في العالم وضرورة جمع الاموال لملايين الاطفال الذين يذهبون الى المدرسة صباحا من دون ان يأكلوا شيئا.
وسيشارك الرئيس المصري حسني مبارك في قمة منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة (بام) حول الامن الغذائي التي تعقد في روما من اليوم الثلاثاء حتى بعد غد الخميس ويفترض ان يوحد خلالها قادة العالم مواقفهم من اجل ايجاد العلاجات اللازمة لارتفاع اسعار المواد الغذائية.
وشهدت الاشهر الاخيرة موجة احتجاجات في مصر على ارتفاع الاسعار.

وفي الأمس تلقت الطبقات المسحوقة في مصر ضربة أخرى، حيث قرّرت الحكومة تقليص حصة العائلة في الريف المصري من الخبز المدعّم، لرفع حصة العائلة في المدن من هذا الخبز، وقاد هذا القرار إلى احتجاجات دموية في الريف المصري.
وعلينا على ضوء هذه الأحداث المتكرّرة، والتي تزداد وتيرتها يوميًّا، أن نعود للتذكير بما يجري على صعيد الاقتصاد العالمي، وارتباط هذا الاقتصاد بهيئات وأجسام تديره، وتفرض على دول بأكملها التصرف وفق مصالح هذه الهيئات، المطابقة لمصالح رأس المال.
إنّ خضوع حكومات الدول "النامية" تخضع لهذه الهيئات، مثل البنك العالمي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، بواسطة حصولها على قروض بهدف "إنعاش" اقتصادها من هذه الهيئات، وعندما لا تعود هذه الأنظمة، الفاسدة بغالبيتها، ومثالنا هنا هو النظام المصري، قادرة على سد الديون، تضع الهيئات المذكورة شروطًا أمامها، في حال حقّقتها أعيدت جدولة ديونها، بحيث يتم تأجيل سدادها لجيل كامل، وهذه الشروط هي خصخصة القطاع العام، وتحرير التجارة، وإلغاء السوبسيديا على الخدمات الأساسية، وخصخصة قطاع الخدمات بكامله، مثل جهاز الصحة، وجهاز التعليم (ولا تنقصنا الأمثلة عن هذا الموضوع هنا في إسرائيل). وعند تحقيق هذه الشروط، تقوم المنظمات المالية الدولية بإعادة جدولة الديون، بحيث يتم تأجيل سدادها جيلا كاملا، وهكذا يتخلص النظام القائم من عبء سداد الديون، وينقذ جلده من نقمة الشعب!!
وعندما تتم خصخصة السوق المحلية، وتحويلها إلى سوق حرة، تتنافس فيها الشركات على تسويق منتجاتها، تدخل الشركات العابرة للقارات بكل قوّتها للاستثمار في هذه الأسواق، ولا تستطيع الشركات المحلية الصمود أمامها، فتنهار، او تلتحق بركب الشركات الكبرى، وهكذا تسيطر هذه الشركات على ما تبقى من اقتصاد الدول "النامية" وتسيطر على الأسعار، وهنا الطامة الكبرى، فيرتفع سعر مواد الغذاء الأساسية، مثل الخبز والأرز، وغيرها.
وتأتي سيطرة الشركات العابرة للقارات في مصلحة الطبقة السياسية المحلية المؤتمنة على الاقتصاد أيضًا (الكمبرادور)، وهي طبقة من وكلاء رأس المال الأجنبي، يستفيدون بالفائدة التي يجنيها رأس المال المذكور.
إنّ ما يجري في العالم اليوم، من ازدياد الأزمة المالية الغذائية في العالم، ناتجة عن خضوع اقتصادات الدول، "النامية" بغالبيتها، لأهواء الممسكين بدفّة الاقتصاد من رأسماليين، في العالم، وممثليهم في الهيئات المالية الدولية، وما تقوم به الطبقات المسحوقة من مقاومة لما تقوم به أنظمة هذه الدول، من تطبيق لمخططات رأس المال، حتى ولو كان بشكل غير منظم، هو أمر مبارك، ولكنه يدعو اليسار في العالم أجمع، إلى أخذ زمام المبادرة، لتحويل الاحتجاجات المحلية إلى حركة عالمية منظمة تتخندق في مواجهة رأس المال وأذرعه المختلفة.

الثلاثاء 3/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع