اسرار النوارس الهائمة



كان الوقت عصرا والزمن ربيعيا والتاريخ على حد ملهاة مأساة .. ضياع واحتراق ورماد و موت وخلق وبعث وتحليق جديد لطير العنقاء دونته قبلاتك وتجلياتك حضورك وغيابك طيلة تلك العقود المجنونة في ذاكرتي تلك التي لم تولد بعد وذهبت طي النسيان وتلك التي ولدت والتي لاتعرف الهجر والفراق ولو للحظة واحدة.
نعم يا رفيقة الروح ...قبلاتك حفرت على جدار القلب بلوعتها وشوقها وبنت هناك عشا ابديا لحبنا الطفل الغرير الذي اراه يكبر ويكبر طيلة عقود الغياب الجهنمية تلك ويملا الافق والرحاب والسهود والهضاب ويدخل كل بيت في وطننا المشرع للحب وللبعث الجديد الملان بالطاقة المتجددة كاشعة شمسنا الارجوانية السمراء التي اراها كل يوم تفترش المدى الازق عند الغروب
وتتوه في سرمدية الزمن .. نعم تلك الشمس ذاتها التي اخبرتك عن حالها فيما مضى من احاديث الهوى .
لا بد انك الآن هناك خلف تلك الغيوم الربيعية الآتية من عمق البحر.  اراك واقفة ساهمة مرتدية فستانك الاحمر المرقع بزهرات اللوتس الزرقاء وشعرك المجنون يسبح مع النسمات التي تهب على قلبي هاربا من ذاك الدبوس الذهبي الصغير الذي حاول كبح جماحه.
اتذكرين .. حضنتك الى صدري وازلت الدبوس واخفيته قريبا من قلبي وحررت الشعر الاسود المجنون وشممته واطلقته للريح وللشمس ليرقص رقصاته الغجرية على وقع خفقان قلبين رقصا حتى الخدر .
عندما اخط كلماتي هذه لك اشعر بتفاهة الامور العادية من حولنا والتي تشغل حياة الناس هنا وهناك وفي السند والهند.  اجد نفسي لحظتها في عالم سجي هادئ عميق اثير مفعم بالحب لك ولكل البشر ولتلك الغيوم المتلبدة لساعتها ولصوت الريح التي بدأت تصفر على حافة شرفتي وللشجر الذي لا ادري وانا اراه راقصا هل يرقص رقصة الموت ام رقصة البعث والخلق الجديد؟.
بحثت عنك هنا وهناك في كل مكان حتى وجدت نفسي وحيدا على صخور الشاطئ الذي اهوى اتلذذ برذاذ الامواج الهائجة اخط اسمك على زبد الموج مرة تلو الاخرى وكل مرة بحروف اكبر حتى ملأت الحروف الرغوية الزائلة رمل الشاطئ وذهبت جفاء مرة تلو الاخرى.عاودت الكرة وعاودت ولم افلح وهانا اخط اسمك بأحرف حريرية على شغاف القلب.

 

ادور وابحث عنك بين تلك الموجات المتتابعة الراقصة على نغم العاصفة الربيعية واصوات النوارس الهائمة وهي تقترب من رمال الشاطئ وتعاود فتطير تشاركني اللعبة والمصير. كانت يا رفيقة روحي ومنتهى اسراري نوارس مختلفة الاحجام والاعمار في عيونها حزن عمره ستة عقود.  ما زال خفقان اجنحتها يندب حظها العاثر في الدنيا ويلعن التيه الابدي فوق الرمال الموعودة .
قطر خفقان اجنحتها المتواصل حزنا اسود ودمعا ثاكلا فوق الاعشاش المهجورة بين قضبان القصب ذاك الذي ملا مصب الوادي الذي انتهى في البحر آتيا من قلب الوطن. تهت مع النوارس التي علت وهبطت فوق الامواج العاتية التي ضربت صخر الشاطئ وصخر القلب ونثرت الزبد الى مسافات بعيدة.  شاهدت المد والجزر والقوة واللهفة وذاك الشبق الابدي بين الامواج المتلاحقة وصخور الشاطئ .. انها والله كقصة حبنا.  حبي لك كما البحر للشاطئ تكمن فيه العواطف العلوية الهادية في ملكوت سماوية وردية حالمة. فيه شبق الموج وعزم ا لرؤوس الصخرية ا لحادة وقوة صراع الاضداد الابدي الذي اشاهد فصوله العنيفة في لحظاتي هذه .
قبل عمر مضى شهد هذا الشاطئ المأساة الكبرى.  تابع الزوارق القديمة تبتعد في اللجج مترنحة وهي تحمل اهل الدار والمفتاح وقصفة حبق من باحة الدار قسرا الى غربة اسود من الليل استحالت مع الايام وقست مع قسوة الزمن والسنين.  شاهدت هذه الصخور التي ارتمي في احضانها في هذه اللحظات مراكب العهر والحقد الآتية من الغرب وهي تغتصب مياه الوطن وتقذف الى رمالها البيضاء العذراء القدم الهمجية التي حملت معها كل حقد العالم وزرعته في رحم هذا المنحى الاخضر من وطن كبير بين كروم العنب والزيتون وبيارات البرتقال الحزين وفيروز الشاطئ.
 علك الآن يا قرة عيني ونبضة قلبي ترين مدى الشوق اليك وتلك الرغبة الدائمة الى حضنك والنوم على صدرك الى الابد. ها انا كل مرة من جديد اعبق منك عطرك وامتص رحيق شفاهك وبخور العالم كله الجاثم بين الصدر والورك ما بين السرة وأعلى البطن ما بين الشفة والنهد.  اراك في سري تضرجين بحمرة الخجل ضاغطة بأسنانك على سبابتك اليمنى تنظرين الي بطرف العين.  الوصل بات قريبا وأكاد ارى تلك النوارس الحائرة تهجع الى ر مل الشاطئ لتعود على بدء من جديد لتبني اعشاشها في بطاح هذا القلب الاخضر الجميل مع خيوط شمس قادمة باتت تتربص الصبح الآتي من خلف الهضاب الشرقية.  انا وانت وذاك الصبح وتلك النوارس على موعد جميل آت ولا محالة.

(شفاعمرو)

د. فؤاد خطيب *
الثلاثاء 3/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع