السياسة الامريكية في الشرق الاوسط – سياسة هات وخذ



المراقب للسياسة الامريكية في الشرق الاوسط، لن يصعب عليه ملاحظة السياسة التي تنتهجها الادارات الامريكية المتعاقبة على البيت الابيض بشكليها الدمقراطي والجمهوري، هذه السياسة تعتمد اسلوب "هات وخذ "، فهي تقول للعرب هات، وتقول لاسرائيل خذ، تأخذ من العرب كل شيء لتعطي اسرائيل دعما و مساندة بلا حدود، ماليا ،عسكريا ودبلوماسيا. 
لقد تربعت الولايات المتحدة على عرش المعسكر الغربي خلفا لبريطانيا وفرنسا اللتين تزعمتا ذلك المعسكر لاكثر من مئتي عام الى ان انهار عرشهما وتهاوى بصمود وتضحيات الشعوب، هذا الانهيار جاء وبرز جليا بعيد العدوان الثلاثي من قبل زعيمتا ذاك المعسكر وصنيعته اسرائيل، على مصر الناصرية سنة 1956 فيما سمي بحرب السويس، تلك الحرب التي اندلعت بعد الخطوة الجريئة التي قام بها النظام الوطني في مصر بتأميم قناة السويس كرد فعل على انسحاب الدول الغربية والبنك الدولي من اقراض مصر الاموال اللازمة لبناء السد العالي .ولقد امتاز هذا المعسكر بتزعمه منطق الاستعمار البغيض، كما امتاز ايضا باستعماره لمعظم دول آسيا وافريقيا، ومن بينها الدول العربية ونهب خيراتها. 
منذ تزعم الولايات المتحدة لذاك المعسكر، تسلمت ايضا المسؤولية الكاملة عن الصنيعة اسرائيل وتعهدت في كل مناسبة وغير مناسبة بحماية امن وسلامة اسرائيل، هذا التعهد لم يختلف اطلاقا مع تغير من في البيت الابيض ،لا فرق بين جمهوري او دمقراطي، وكل رئيس يأتي يكون دعمه لاسرائيل اكثر والتزامه اكبر وصوته في الدعم اعلى واوضح.  هذه الادارات تتعهد وتلتزم لاسرائيل الغلبة على الدول العربية آحادا ومجتمعة، أي الغلبة على كل دولة على حدة وعلى جميع الدول معا في حالة تحالفوا.  ومعلوم لمن لا يعلم، (ربما ان هناك من لا يعلم ولم يصل الى مسمعه) ان اسرائيل قامت بقرار المعسكر الغربي على ارض الشعب الفلسطيني، والذي شرد من شرد منه فى شتى انحاء الدنيا، وقتل من قتل من ابنائه بلا رحمة. وقد حظيت اسرائيل منذ قيامها بالدعم والمساعدة الغربية عامة والامريكية خاصة بلا حدود ايضا. 
وتصادف هذه الايام الذكرى الستون لقيام اسرائيل وفي نفس الوقت هي الذكرى الستون لاغتصاب فلسطين ولنكبة شعبه العربي.  وقد تقاطر العديد من زعماء وقادة المعسكر الغربي الى المنطقة للاحتفال مع اسرائيل في ذكرى تأسيسها وبالتأكيد ليس للوقوف ونصرة الشعب المشرد والمغتصبه حقوقه في ذكرى يوم نكبته. 
على رأس القادمين جاء، جورج دبليو بوش، رئيس الولايات المتحدة، زعيمة المعسكر الغربي وريث المستعمر القديم، الذى نهب خيرات الامم ليبني بها حضارته واقتصاده.  بوش، حل ضيفا عزيزا على اسرائيل مهنئا ،مباركا ومتعهدا لها بالدعم الكامل وواعدا بالقضاء على كل من يعاديها في فلسطين، لبنان، سوريا وايران.  وفي ذات الوقت ،لم ينبس بكلمة لصالح الشعب الفلسطيني ،مسلوب الارض والحقوق.  لقد حظي بوش بكل المحبة في اسرائيل، نتيجة دعمه ووعوده الغير مسبوقة على حد تعبير الاعلام الاسرائيلي، لقد ذكرت وسائل الاعلام السرائيلية ان بوش وعد باغداق الاموال لاسرائيل حين يقوم اولمرت، رئيس وزراء اسرائيل بزيارته القريبة الى واشنطن.  ونحن نعلم كم كان الدعم الامريكي طوال الوقت لاسرائيل، عطاء بغير حدود (من كيس غيرك يا مذري ذري). 
وبعد نهاية زيارة بوش لاسرائيل، انتقل مباشرة الى ارض الجزيرة العربية، بلد العرب والاسلام ،المملكة العربية السعودية. في السعودية تغيرت الحال وتغيرت الادوار. الرئيس بوش في السعودية جاء ليأخذ ما اعطى في اسرائيل، فالدعم والمساندة لاسرائيل تترجم الى دولارات، والسعودية والعرب لا بد ان يدفعوا الثمن. الرئيس الامريكي، ما ان وصل السعودية حتى قدم الفاتورة للملك عبد الله بن عبد العزيز، هذه الفاتورة تتمثل في زيادة انتاج السعودية لحصتها من النفط، الامر الذي برأي الادارة الامريكية يؤدي لخفض سعر برميل النفط، الامر الذي يدعم الاقتصاد الامريكي الذي يعاني ركودا و يمر بأزمة شديدة ادت فيما ادت الى انخفاض شديد في سعر صرف الدولار مقابل العملات الاخرى. ان الازمة التي يمر بها الاقتصاد الامريكي صاحب الامكانات غير الموجودة في أي مكان آخر من بلدان العالم، هي ازمة حقيقية وجدية فماذا حدث؟ كيف اصبحت اقوى قوة في التاريخ تبحث عن مساعدة لحماية اقتصادها السائر على درب الانهيار. التراجع في الاقتصاد الامريكي لم يحدث بدون اسباب حقيقية ،كفيلة بارباك أي اقتصاد في العالم.  فمنذ عشرات السنبن وبالتحديد منذ الازمة والحرب الكورية وزج الجنوب مقابل الشمال في حرب طاحنة ووقوفه في خندق الحرب على الشمال ما كلفت خزائنه اموالا طائلة، الى الحرب العدوانية غير المبررة على العراق بحجج واهية، فيما الاسباب الحقيقية تبقى غير معلنة، وهي حسب رأي الكثير من المحللين ومن بينهم كثير من الامريكيين، السيطرة على احد اكبر منابع النفط في العالم، وكذلك القضاء على احد المصادر او الجهات التي ربما يصبح بمقدورها تهديد صنيعة المعسكر الغربي، اسرائيل. 
وحسب رأي الكثير من المراقبين، ليس امام الملك السعودي من خيار سوى الموافقة على مطلب الرئيس بوش، وليس امامه من مجال سوى دفع الفاتورة البوشية ( الكرم العربي ). لقد اعلنت المملكة انها ستدرس مدى تأثير زيادة الحصة في انتاج النفط السعودي على الاقتصاد.  وفي نفس الوقت اعلن ان الولايات المتحدة ستتكفل بالحفاظ على مصادر ومنشآت النفط هناك، ما يعني ان هذه المنشآت النفطية هي اكثر ما يهم الادارات الامريكية. 
من الرياض عاصمة العربية السعودية اتجه الرئيس بوش ليقدم فاتورة اخرى في بلد 23 يوليو والذي اصبح بقدرة متآمر ومخطئ اكبر حليف للسياسة الامريكية ومن اكثر مطيعي سياساتها.  وعلى رأس هذه السياسات، سياسة " هات وخذ " والتي ظاهرها منطقي وعادل، لكن جوهرها خبيث، سياسة " هات يا عرب وخذ ايها الاسرائيلي. 
ترى هل هناك من يسمع ومن يرى ؟.

اسيد عيساوي *
الخميس 5/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع