كعبلها



لماذا لم يشهق محمود عباس لأولمرت، كما علّم سعيد صالح والدته ان تفعل في "العيال كبرت"، حين يعود زوجها الى البيت: "انت جيت (شهقة) يا رمضان؟" وذلك إغراء وإبعادا له عن عشيقته. أم ان المشهد لم يعد يثير في أبي مازن، لا شهقة ولا زفيرا؟ ثم لماذا جاء اولمرت الى المقاطعة اساسا قبل توجهه الى واشنطن ببضع ساعات؟
هو تمالك اعصابه كما يليق بالسياسيين، لكن لماذا لم يتمالك اولمرت اعصابه امام جثمان السياسي، الوزير، الصحافي، تومي لبيد؟ وهل ذرف الدمع مدرارا، حزنا فعلا على هذا اليميني. تومي لبيد كان يفرض في حياته احترام الناس له سواء وافقوه الرأي ام خالفوه. وقد احترمته كثيرا حين قرأت انه اوصى بدفنه بدون طقوس دينية، كم كان هذا الرجل صادقا مع نفسه. كان مشهد اولمرت باكيا، يقطّع القلب، ولا ادري ما اذا كانت هي الصدفة ام ان يديعوت احرونوت (3/6/08)، تعمدت نشر الصورتين متقابلتين، بحيث يظن ذوو الجنود الخمسة الذين ارسلهم اولمرت الى حتفهم في الجهنم اللبناني، فأعادهم حزب الله اشلاء مقطعة في صندوق خشبي، انه يبكي عليهم. الحقيقة ان اولمرت لم يكن يبكي لا على هذا ولا على اولئك.
وقد اصاب الكاتب والصحافي ومقدم البرنامج التلفزيوني، يئير لبيد، ابن المرحوم تومي، ما اصاب عائلة فقدت عزيزها. ففوجئ افرادها باحدى صبايا الحارة تبكي بحرقة، وتمعط شعرها وتشق فستانها حتى الذيل. "ألهذه الدرجة تحبّنا هذه الجارة وتشعر بألمنا؟ لكن صغير العائلة أقسم اغلظ الايمان، مراهنا على "قطع ذراعه" اذا لم تكن هذه المرأة تبكي زوجها الذي رحل عنها في عز شبابه تاركها لها اللوعة والحرمان.
اذن كان أولمرت في اغلب الظن يبكي حظه العاثر وسيرته المتعثرة.
اولا: لا إطلاق القسامات، على ضحالة ريّها، يتوقف، ولا السلام مع ذلك الأسد يتحقق. لقد تمسك هذا العلوي الخبيث بسياسة الصبر على العضّ، وعلى مقاطعة الاوروبي له، وعلى "برم" الوجه العربي، الى ان تمكن حلفاؤه في لبنان من فرض مطالبهم، واذا بساركوزي الفرنسي وميركل الالمانية وغيرهما، يغازلون هذا العنيد، الذي لا يريد التنازل عن الجولان، بأنعم الكلام، طالبين مساعدته في المحافظة على استقرار الوضع في بلاد الارز، شاكرين له دوره في تحقيق اتفاق الدوحة.
ثانيا: حزب الله لا يختفي، بل يزداد قوة، ويفرض على الحكومة الاسرائيلية شبه الفارطة، اطلاق سراح الملطخة يداه بالدم (سمير القنطار)، كما يحلو للاسرائيليين وصف كل مقاوم.
ثالثا: حتى قطاع غزة، تلك القطعة من الارض التي لا يستطيع احد ان يعدّ المرات التي قامت فيها البلدوزرات بتجريف تربتها وقلبها بطنا لظهر وظهرا لبطن، والتي سدوا على اهلها كل المنافذ، حتى تلك الموصلة الى الله، لا يستسلم بالرغم من ان تقتيل الغزيين اليومي صار مشهدا عاديا، فهذا اقترب من الجدار، وذاك كان يهم بإعداد عبوة ناسفة، وذلك كان ينوي طعن احد ابناء الشعب المختار. في الحقيقة أنا لا ادرك حتى الآن سبب اختيار الخالق عز وجل لهذا الشعب. بل شككت في ذلك كثيرا بعد ان قرأت التوراة حرفا حرفا، ثم لماذا يتحيز سبحانه وتعالى لشعب دون آخر؟!!
العالم يرى ويسمع ويبتلع الضفادع. مصر وحدها هي التي تحركت. ويقول البعض ان تدخلها لا يعدو كونه اسقاطا للواجب، ودفعا لما قد تُتهم به من جبن وتقاعس او.. تواطؤ!
فاوضت اسرائيل وفاوضت حماس، ونجح رئيس جهاز المخابرات المصرية عمر سليمان، في وضع خطة تهدئة، قبلت بها حماس. فماذا كان الرد الاسرائيلي؟ نفس الرد على مبادرة القمة العربية قبل سنوات، "لا قلم زاد ولا قلم نقص"!
يقال ان اولمرت "كعبل" وثيقة التهدئة وأشبعها كمشا وكرمشة ودعكا وعكا، ثم قذف بها في وجه مصر (او وجهيها القبلي والبحري!!). أما فعلوا ذلك بكل قرارات الشرعية الدولية وخارطة الطريق وسائر خرائط الوساطات العربية والاقليمية والعالمية؟!! هؤلاء قوم لا يتخلون عن غنيمة، الا اذا تأكدوا من ان صاحبها لن يتركها لهم لقمة سائغة، بل سيجعلهم يدفعون لقاء التمسك بها ثمنا ليس بوسعهم تحمله، دما وجراحا ويتما وثكلا، فهل ترك "البطل" ايهود براك جنوب لبنان إكراما لصلعة جعجع او تشعّث "شليش" الوليد، او تأتأة سعد، الصادرة عن نوم عميق!؟ ليتكم سمعتموه ابان اشتداد الازمة اللبنانية يهتف بصوته الناعس: "نريد رئيسا للبنان، نريد رئيسا للبنان"! أنا سمعته، فتذكرت ابن جيراننا الذي ضل طريقه ذات يوم، وراح يردد على مسمع المارة: "بدي أمي، بدي امي"!
وإذن دموع اولمرت لم تكن رقة قلب ولا دفقة حزن مباغت، على تومي لبيد، بل أسى وحسرة على ما وصل اليه. والغريب كيف غافل المحققين فاذا به امام ابي مازن، لعله يسجل نقطة تجعله يقول "انتصرت"، فيرجئ بذلك مفارقة الكرسي. ألم يقولوا انتصرنا وهم عائدون من اول هزيمة عرفها الجيش الاسرائيلي في حربه ضد "المخربين" من حزب الله!!
كان الاستقبال مشوبا ببعض البرودة:
- خيرًا يا أبا المر؟ أراك تهتم بزيارتي قبل تغريبك، فهل "لك عين" تأتي الي؟
- جئت "أرد عليك خبرا لا اكثر ولا اقل!
- بخصوص؟
- بخصوص اصرارنا على مواصلة بناء المستوطنات في يهودا والسامرة. فهذا هو المجال الوحيد الباقي امامي والذي استطيع بواسطته تدعيم اساسات بيتي المنهار. وسأنقل موافقتك المباركة الى صديقنا المشترك بوش. انها مصلحتنا المشتركة يا ابا العبس!
يقال ان عباس، وقد تخيل مصير وثيقة التهدئة المصرية، أخرج من جيبه وثيقة ما، يقال انها استقالة، كعبلها كعبلها كعبلها، ثم قذف بها في وجه ضيفه الثقيل: مستوطنات يا ابو المغلفات هاه!؟ سلم على صديقنا المشترك وقل له ان يوصي خلفَه بان يبحث له عن سعد حداد او انطوان لحد فلسطيني!
ويقال ايضا ان اولمرت تلقف الورقة المكعبلة وراح يبحث في احشائها، عله يعثر على مغلف محشو بالاوراق الخضراء.
***

* ومضة

هل كان على حزب الله ان يموت بسلاح وليد وسعد وسمير، كي لا يقال انه ينكث عهده بعدم استخدام سلاحه في الداخل!!

يوسف فرح
الجمعة 6/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع