سياسة المتعبين



ايها الأصدقاء، بإمكان المتعبين ان يرتاحوا، والأفضل لهم ان يفعلوا ذلك بأسرع وقت، لكن الأمم الحية العظيمة لا تتعب.

 

"تعالوا الي أيها المتعبون وانا اريحكم" (السيد المسيح)
حقا ما يحتاجه المتعبون ليس العمل السياسي بل الاستقالة منه، لا يحتاجون الى مؤتمرات بل حدائق، وبدلا من التنظير واختراع الأفكار ليتهم يلجئون للصمت والتأمل.
حين يشعرون بالتعب، يتسرب الى وعيهم ان الأمة متعبة تماما مثلهم، وانها ملت الصراع والكفاح، وما اصبح يعنيها هو فقط ان تجد لها مكانا تنسحب فيه من الميدان بأسهل الطرق وأقصرها.
خطر ذلك ببالي وانا اتابع الشاعر العبقري تميم البرغوثي الشاب على شاشة الجزيرة يعيد اكتشاف البعد العربي للمسألة الفلسطينية، يتكلم عن الألم وليس عن الحزن الكئيب، الم لا يبدد التفاؤل والايمان بالأمة، يرى بحق اننا اليوم أفضل وأقوى مما كنا عليه، وان اسرائيل لم تعد تنتصر منذ 1967، يضيء بشعره فضاء المقاومة أينما وجدت في بلاد العرب، ويرفعها من مرتبة الفعل لمرتبة الفكرة والمثال.
أحسست ان شمعة تميم البرغوثي تبدد بلحظة أمواجا من اليأس والتيئيس المظلم في قلوب الشباب، هل لي أن أذكر ببعض العناوين التي هبطت على سمائنا خصوصا بعد احتلال بغداد عام 2003.
"افلاس العروبة، امة الهزائم، القومجيون الذين تسببوا بالهزيمة، خطيئة الوحدة وعقلانية الانفصال، الأفكار الخشبية، الايديولوجيون، المقاومة الارهابية،أهمية الحملة الأمريكية من أجل الديمقراطية، كفى فكرا تعبويا، الفكر الانتحاري الفلسطيني مقابل فكر الحياة، دعم العملية الديمقراطية في العراق الخ."
كان يكفي ان تتصفح بعض المواقع الالكترونية لترى سيلا من المقالات والكتاب الذين نبتوا كالفطر يتنافسون في التبرؤ من الانتماء العربي وذم امتهم بأطول ما تصل اليه اقلامهم وخيالاتهم، وفي كتابة المعلقات في مدح المخلصين الديمقراطيين القادمين على ظهور الدبابات. والتبشير بالليبرالية ليس كحاجة سياسية محددة ولكن كديانة جديدة تلغي ما قبلها.
ذكرني تميم البرغوثي (والضد بالضد يذكر) بمقالة قرأتها يحاول صاحبها القول بأننا جميعا متعبون، كفانا مقاومة وممانعة، مسقطا مشاعره الخاصة على الشعب، هكذا بدون عملية سبر للرأي او احصاءات، معتمدا على تماهي الشعب مع احساسه هو وليس تماهيه مع احساس الشعب.
حسنا ايها الأصدقاء، بإمكان المتعبين ان يرتاحوا، والأفضل لهم ان يفعلوا ذلك بأسرع وقت، لكن الأمم الحية العظيمة لا تتعب، والجيل الجديد قادم يحمل عزيمة أشد، ورؤيا أكثر وضوحا، وانتماء أعمق، وشوقا للكفاح، وسيكنس ثقافة الهزيمة الى مكانها الذي تستحق، الم تستمعوا لتميم البرغوثي؟

معقل زهور عدي
الأربعاء 11/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع