لتوفير ظروف نجاح مبادرة الرئيس عباس للوفاق الوطني!!



قوبلت مبادرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) بدعوته الى استئناف الحوار الوطني، بهدف اعادة اللحمة الى وحدة الصف الوطني الفلسطيني ووفاق وطني فلسطيني، قوبلت هذه الدعوة بالترحاب من كل فلسطيني حريص على مصلحة ومصير شعبه ومن جميع انصار الحقوق الوطنية الفلسطينية العرب والاجانب، ومن حركة حماس والتي من الاهمية بمكان تأكيد ترحيبها بالمبادرة اضافة الى مختلف فصائل المقاومة الفلسطينية والقوى السياسية والجماهيرية الفلسطينية متعددة المشارب وهويات الانتماء المختلفة. فبرأينا ان مبادرة الرئيس عباس للوفاق الوطني الفلسطيني جاءت في وقتها الزمني الصحيح، خاصة على ضوء  فشل جميع الخيارات الاخرى التي استثنت او ابعدت او تجاهلت او تآمرت على وحدة الصف الوطنية الكفاحية الفلسطينية وراهنت على تأجيج الفتن والصراعات والخلافات بين الفصائل الوطنية كوسيلة لاغتصاب ودفن الحقوق الوطنية الشرعية، دفن الحق الفلسطيني بالحرية والاستقلال الوطني في اطار دولة سيادية في حدود الرابع من حزيران السبعة والستين وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين حسب قرارات الشرعية الدولية وخاصة قرار الامم المتحدة رقم 194. فدعوة ابو مازن خلال الاسبوع الماضي للحوار الوطني وبلهجة مجندة بعيدة عن شحنها بشروط تعجيزية او بوصمات تجريحية وتخوينية ضد أي طرف او فصيل فلسطيني، فهذه الدعوة وطابعها المميز لم يأتيا صدفة او من فراغ، بل جاءا على خلفية مصيرية اصبح ما هو مطروح على اجندتها الوقوف امام اختيار احد خيارين، اما التسليم بضياع الحق الوطني في ظل مواصلة محور الشر الاسرائيلي – الامريكي لعملية افتراس الحقوق الوطنية وفي وقت ينشغل فيه الفلسطينيون، العديد من الفصائل الفلسطينية وخاصة فتح وحماس والجهاد الاسلامي، عن مواجهة مؤامرة التصفية للقضية الفلسطينية بممارسة عملية انتحار ذاتي من خلال مواصلة الشرذمة وتأجيج الصراعات الفلسطينية – الفلسطينية، واما رص اوسع وحدة صف كفاحية فلسطينية عن طريق حوار جدي لبلورة  موقف فلسطيني موحد يتمسك برنامجه بثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف، بحقه في الحرية والدولة والقدس والعودة، وبالحكمة السياسية المؤهلة لتجنيد اوسع القوى العالمية الرسمية والشعبية الى جانب الحقوق الوطنية الفلسطينية الشرعية والعادلة. وبرأينا ان مبادرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس جاءت على خلفية الحقائق التالية:
• اولا: فشل مفاوضات ومحادثات الحل النهائي في التقدم أي خطوة في أي قضية من القضايا الجوهرية لثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية، فمنذ مؤتمر انابوليس الذي عقد تحت راية وبمبادرة الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش في تشرين الثاني الفين وسبعة، والذي اطلق "مبادرة" الحل النهائي حسب رؤية بوش باقامة دولة للفلسطينيين بجانب اسرائيل حتى نهاية العام الفين وثمانية، منذ عقد هذا المؤتمر وحتى يومنا هذا يجري بشكل منهجي تجسيد رؤية بوش ولكن "بالمشقلب" فمحور الشر الاسرائيلي – الامريكي يسابق الزمن في ممارساته لتعزيز قواعد "دولة المستوطنين" في المناطق المحتلة كخطوة باتجاه ضمها نهائيا لاسرائيل، فما يجري على ارض الواقع المأساوي هو تصعيد النشاط الاستيطاني لاكمال مخطط تهويد القدس الشرقية وضواحيها ومواصلة بناء جدار العزل العنصري والطرق الالتفافية بهدف رسم حدود استعمارية سياسية يغتصب المحتل الاسرائيلي من خلالها كل القدس الشرقية والكتل الاستيطانية القائمة حولها ومنطقة غور الاردن والبحر الميت، أي اكثر من نصف مساحة الضفة الغربية، فإذا كان المحتل الاسرائيلي المدعوم امريكيا يعمل بمنطق البلطجة العدوانية العربيدة لمصادرة الحق الفلسطيني في القدس عاصمة دولته العتيدة، وينشط لفرض سياسة الامر الواقع الصهيونية لمصادرة وضم اكثر من نصف مساحة اراضي السيادة للدولة الفلسطينية العتيدة والتي اغتصبتها اسرائيل باحتلالها الاستيطاني الغاشم. واسرائيل تتنكر وترفض بشكل مطلق وقاطع حق العودة للاجئين الفلسطينيين! وبعد كل هذه الجرائم الاسرائيلية المصحوبة بجرائم الحرب والعقوبات الجماعية التي يرتكبها المحتل من حصار تجويعي لقطاع غزة ومجازر جماعية واعتقالات جماعية وهدم جماعي للبيوت وجرف للاراضي الزراعية، بعد كل ذلك عن اية قضايا جوهرية تجري المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية، أليست مفاوضات "طحن ماء" لا طائل تحتها او بعدها.
•  ثانيا: اثبتت جرائم الارهاب الاسرائيلي المنظم ضد قطاع غزة والمدعوم من ادارة بوش الامريكية فشل الضغط الاسرائيلي – الامريكي الممزوج بدماء الضحايا الفلسطينية ومجاعة وجوع الملايين في قطاع غزة وفي القطاع، فشل هذا الضغط في ابتزاز سياسي من السلطة الفلسطينية ومن الرئيس محمود عباس، ابتزاز يوافق من خلاله محمود عباس الخضوع للاملاءات الاسرائيلية – الامريكية بالتفريط ببعض ثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية الجوهرية، التفريط في مواضيع القدس والاستيطان واللاجئين او بكيان فلسطيني لا يجري تحديد حدوده السياسية النهائية.
• ثالثا: اثبتت نتائج الصراع المؤسف في لبنان، وفشل الفتن الطائفية والسياسية التي غذتها اصابع التآمر الامريكي – الاسرائيلي بتعاون وتنسيق مع بعض اطراف الصراع من خدام امريكا في لبنان ومع بعض انظمة التواطؤ العربية، اثبتت نتائج هذا الصراع وما تمخّض عن مؤتمر الوفاق الوطني اللبناني في الدوحة بطلان وعدم مصداقية مقولة السادات وقوى الردة والرجعية العربية ان 99% من اوراق حل الصراع بأيدي امريكا، فأمريكا هي المشكلة وليس دواء الحل، وبوحدة وطنية كفاحية حريصة على صيانة المصالح الوطنية يمكن كسر رأس الحية الامريكية كما انه ثبت في لبنان وفي غيرها ان الامبريالية الامريكية اذا شعرت بأي خطر يهدد مصالحها الاستراتيجية فانها تتخلى ولو مؤقتا عن دعم عملائها وخدام سياستها.
• رابعا: ان التوصل الى اتفاق الدوحة حول الوفاق الوطني اللبناني له تأثيره ومدلوله السياسي على الساحة الفلسطينية، وانه يؤكد للفلسطينيين انه يوجد خيار آخر لخيار اعتماد الوساطة الامريكية المنحازة الى جانب العدوانية الاسرائيلية والتي لا تكون نتائجها الا كارثية بالنسبة للحقوق الوطنية الفلسطينية، وان الفلسطينيين اذا وحّدوا صفوفهم حول برنامج متفق عليه يستطيعون تجنيد عمق استراتيجي وسند استراتيجي من خلال الجامعة العربية وبعض اعضاء مجلس الامن الدولي مثل الصين وروسيا وربما غيرهما. رغم تأكيدنا على هذه الامور فانه لا يخالجنا الشك بان الادارة الامريكية ستسلم بفلتان جميع الخيوط المرتبطة بالقضية الفلسطينية من يدها. فالانظمة العربية "المعتدلة" حسب التصنيف الامريكي الامبريالي لم تترجل عن بغلة السباق في خدمة المصالح الاستراتيجية الامريكية، فمن عدة منطلقات رحبت العديد من الانظمة العربية بدعوة الرئيس محمود عباس للحوار، ومن غير المستبعد ان تتركز "المنافسة" بين السعودية ومصر لاستضافة الحوار الفلسطيني – الفلسطيني وبمباركة امريكية، فالنظام السعودي يطمح لزعامة العالم العربي ويكون مخفرا استراتيجيا للمصالح الامبريالية لا يقل اهمية عن الذخر الاستراتيجي الامبريالي اسرائيل. والسعودية برساميلها النفطية الهائلة تعمل على مواجهة ومنافسة النفوذ الايراني والتحالف الايراني – السوري، ومنافسة التأثير الايراني على مختلف حركات المقاومة الاسلامية في المنطقة وخارجها، فالنظام السعودي يسعى ليكون هو العنوان للامريكان وللفرنسيين وليس النظام القطري بعلاقاته المتعددة مع امريكا واسرائيل والعرب. اما النظام المصري، فلمصر علاقة تاريخية مع قطاع غزة منذ النكبة ومع الشعب الفلسطيني بمشاركة مصر في جميع الحروب ضد العدوانية الاسرائيلية وتضامنا ووقوفا الى جانب الحقوق الوطنية الفلسطينية. ومنذ ردة السادات الخيانية انتقل النظام المصري الى خدمة الاستراتيجية الامريكية وتطبيع العلاقات متعددة الجوانب مع المعتدي الاسرائيلي غاصب حقوق الشعب العربي الفلسطيني. ولمصر حدود مشتركة مع فلسطين في قطاع غزة. وقام النظام المصري بدور مشكور في توحيد الفصائل الفلسطينية حول موضوع التهدئة مع اسرائيل، التي تماطل اسرائيل الرسمية حتى اليوم في الموافقة على مصافحة اليد الفلسطينية الممدودة للتهدئة واخماد انفاس الصراع المسلح، وخاصة رفع الحصار ووقف الجرائم التي يرتكبها المحتل في قطاع غزة وفي الضفة، فلهذه العلاقة المميزة ولكون مصر اكبر دولة عربية فمن المرجح ان تطلب بان يكون الحوار في مصر وفي مقر الجامعة العربية في القاهرة.
اننا من اعماق قلوبنا، ولمصلحة شعبنا العربي الفلسطيني العليا بالتحرر والاستقلال الوطني نتمنى لحوار الوفاق الوطني الفلسطيني المرتقب ان لا يكون كحوار الطرشان او لمجرد تسجيل موقف بروتوكولي تاريخي نتمنى النجاح التام لهذا الحوار وان يتكلل بوفاق وطني يساعد على ترسيخ الوحدة الوطنية الكفاحية لشعبنا. فنجاح الحوار في تحقيق الهدف المنشود يستدعي عدة امور اساسية لا يمكن تجاوزها واهمها:
اولا: انهاء حالة الانقسام القائم بين الضفة والقطاع، بين حماس وفتح، انهاء الحالة غير الطبيعية المتمثلة بازدواجية السلطة، واحدة في غزة واخرى في رام الله، حالة لا يستفيد منها سوى المحتل الاسرائيلي وحلفائه، فبالحوار الاخوي الجدي واستنادا الى قانون الشرعية الفلسطينية لا مفر من حل هذه القضية كقاعدة انطلاق لوحدة الشعب الفلسطيني وطنيا واقليميا.
ثانيا: ان يكون في مركز الحوار العمل لوحدة جميع الفصائل الفلسطينية بما في ذلك حماس والجهاد الاسلامي تحت سقف منظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد وشرعي للشعب العربي الفلسطيني في مختلف اماكن تواجده في الشتات القسري وفي المناطق المحتلة منذ السبعة والستين، فالشعب الفلسطيني صاحب الهوية القومية الوطنية العربية الفلسطينية لا يمكن ان يكون له سوى عنوان واحد ووحيد ولا تعددية في هذا المجال.
ثالثا: ان يتمحور حوار الوفاق الوطني حول صياغة برنامج سياسي، استراتيجية موقف وتكتيك انطلاقة للعمل، برنامج موحد لكفاح الشعب الفلسطيني من اجل انجاز حقه الوطني الشرعي الذي يضمن ثوابته الوطنية الاساسية بالدولة والقدس والعودة. الانطلاق في الحوار انه اصبح في ذمة التاريخ، فشل ولم ينجح، لا البرنامج الصهيوني التوسعي الذي يدعو الى "ارض اسرائيل الكبرى" ولا برنامج التطهير العرقي للعرب اهل الوطن تحت ستار "دولة اليهود" او يهودية الدولة الذي يستهدف السيطرة الكولونيالية على جميع اراضي فلسطين التاريخية وتنظيفها من اهلها الاصليين العرب. كما فشل برنامج فلسطين الكبرى بتحرير فلسطين من البحر الى النهر وكل برنامج يحاول طبع فلسطين المستقبل بميسم الختم الطائفي مثل "الاسلام هو الحل"، فالحوارالمرتقب يستهدف التوصل الى وفاق وطني ينطلق الى العالم والشعب الفلسطيني اولا بلغة واحدة لا بلغتين، ببرنامج سياسي واحد لا ببرنامجين. فالاتفاق على استراتيجية الموقف الذي يحدد حدود وطابع الثوابت الوطنية، خاصة التي اقرت في المجلس الوطني الفلسطيني في دورة الجزائر الثامنة عشرة، الاتفاق على الاستراتيجية يسهل عملية الانطلاق التكتيكي – تقسيم وظائفي للمسؤوليات في مواجهة الالتزامات الفلسطينية السابقة، الاتفاقات والتعهدات السابقة. ويمكن ويجب النجاح في ذلك من خلال مؤسسات الممثل الوحيد الشرعي م.ت.ف .
رابعا: ان يحدد حوار الوفاق الوطني الموقف من منهج ونهج المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية تحت رعاية الكاوبوي الامريكي، الموقف من مفاوضات "طحن الماء" التي وصلت الى الباب الموصود. وشعبنا الفلسطيني لا ينقصه القادة الاكفاء ولا القوى الوطنية لاتخاذ المواقف الحكيمة التي تخدم مصلحة قضيته التحررية الكبرى، تحرره من براثن الاحتلال ومآسي التشرد واللجوء، لانجاز حقه الوطني التحرري بالدولة والقدس والعودة ورفع علمه الوطني في مختلف عواصم بلدان العالم.

د. احمد سعد
الأربعاء 11/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع