من جرائم المحتل الامريكي في العراق:
البُعد الكارثي "للاتفاقية الامنية – السياسية طويلة الامد"



عاد العراق المحتل ليشغل مكانة هامة في اطار جدول الاهتمامات الدولية والمنطقية، واولها وقبل كل شيء على ساحة التطور والصراع الذي لم يخفت لهيبه في العراق المحتل. والعامل الاساسي، الدافع الاساسي، لعودة تركيز الاهتمام متعدد الجوانب المتعلق بالعراق وبما يجري في العراق المحتل يعود بالاساس الى محاولة المحتل الامريكي وبالتنسيق مع خدامه وعملائه المركزيين في العراق ومع بعض الانظمة العربية في منطقة الخليج وخارجها التي تدور في فلك خدمة الاستراتيجية الامريكية العدوانية في المنطقة وتتواطأ معها، الى محاولة تثبيت قواعد الاحتلال الامريكي "المقنع" حفاظا على المصالح الامريكية التي توختها وخططت لها ادارة بوش والمحافظين الجدد من وراء احتلال العراق في العام الفين وثلاثة. محاولة ثعلبية تسعى ادارة بوش لتجسيد مدلولاتها السياسية والاقتصادية قبل انتهاء مدة حكم بوش، فاستراتيجية "الاحتلال المقنع" مدلولها الاساسي ربط العراق باتفاقية امنية – سياسية طويلة الأمد، تضمن المصالح الاستراتيجية والاقتصادية والعسكرية – السياسية للامبريالية الامريكية ووفق ترتيبات امنية – سياسية جديدة حتى لو "سحبت" الولايات المتحدة قواتها الغازية المحتلة من العراق. فمنذ عدة اشهر تدور مفاوضات مع المحتل الامريكي وممثلين من الدمى العراقية في حكومة نور المالكي العميلة للامريكان، وتتعثر هذه المحادثات والمفاوضات بهدف التوصل الى اتفاقية امنية – سياسية امريكية – عراقية طويلة الأمد. ويعود السبب في لجوء المحتل الامريكي الى ممارسة الضغوط الشرسة المتعددة لتوقيع الاتفاقية المذكورة الى عاملين اساسيين مترابطين عضويا، الاول، ان مجلس الامن الدولي وبضغط من الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها قد شرعن عمليا احتلال العراق وشرعن مشاركة قوات التحالف من بلدان متعددة مدجنة انظمتها امريكيا للمشاركة الى جانب قوات الغزو والاحتلال الانجلو – امريكي في القضاء على المقاومة العراقية تحت ستار التضليل "مواجهة الارهاب لضمان الامن والاستقرار في العراق!!" وقد قرر مجلس الامن في نص القرار المذكور تحديد مهلة زمنية بانتهاء مهمة وانسحاب قوات التحالف من العراق حتى نهاية العام الفين وثمانية الجاري. وتحاول الادارة الامريكية وبالتنسيق مع عملائها في حكومة الدمى العراقية اختزال قرار مجلس الامن الدولي بتشويه حقيقة مدلوله والادعاء ان هذا القرار ينحصر في انهاء مهمة وانسحاب قوات التحالف ولا يشمل ابدا انسحاب القوات الامريكية، بمعنى ان القرار من حيث مدلوله السياسي لا يعني جلاء جميع قوات الغزو الاحتلالية من العراق وانهاء الاحتلال الوحشي للعراق!!
اما العامل الثاني فيعود الى فشل المحتل الامريكي، رغم جرائم الحرب الهمجية التي ارتكبها ويرتكبها ضد شعب العراق في القضاء على المقاومة العراقية، ورغم تأجيجه للصراعات والفتن الدموية الطائفية والاثنية فالمقاومة العراقية لوجوده، المسلحة والسلمية، تصعد من مقاومتها لكنس المحتلين. ولهذا فان المحتل الامريكي يحاول من خلال الاتفاقية المذكورة كسر ظهر المقاومة العراقية واضعافها بمختلف الوسائل – سنأتي عليها فيما بعد – لحماية مصالحه الاستراتيجية والاقتصادية - النفطية.
ان تمرير اتفاقية "الاحتلال المقنع" تحت اسم "العلاقات الامنية – السياسية العراقية الامريكية طويلة الامد" يواجه المقاومة والعديد من العثرات و"الرفض الخجول" من بعض الارانب العراقية المدجنة في الحظيرة الامريكية. فمن اهم دلائل الرفض لهذه الاتفاقية ومعارضتها تجدر الاشارة لتأكيد ما يلي:
* اولا: ان الاتفاقية المذكورة لا تتحدث عن مجرد جدول زمني لانسحاب تدريجي لقوات الاحتلال الامريكية من العراق، بل تتحدث عن مرافقة هذه الخطوة والخطوات التدريجية بزرع الاراضي العراقية بقواعد عسكرية امريكية وبربط العراق باتفاقية تحالف استراتيجي عسكري يتيح لقوات الابريالية الامريكية التدخل في الشأن العراقي الداخلي "لحماية الامن العراقي". اضف الى ذلك، ووفقا لما يتسرب ويرشح لوسائل الاعلام من نصوص الاتفاقية الاستعمارية ان المحتل الامريكي يضغط باتجاه اقرار قانون النفط وتقوية الفدرالية وذلك بهدف ان تكون العصمة في المجال النفطي بأيدي الاحتكارات النفطية الامريكية والبريطانية عابرة القارات ومتعددة الجنسيات، وبهدف اضعاف الحكم  المركزي في اطار موحد وطنيا واقليميا، ابقاء الحكم في العراق والوضع في العراق عرضة للانقسام على اساس قومي وطائفي الى دويلات هشة. ولهذا، فانه اضافة الى قوى المقاومة، اتحاد قوى المقاومة والمجلس الاسلامي الاعلى وبعض اوساط في تجمع "قائمة التوافق العراقية"، وفي التيار الصدري تعارض هذه الاتفاقية والبعض يتحفظ على هذا البند لأنهم يرون في ذلك مسّا بالسيادة العراقية على ارضها وأمنها ونفطها وثرواتها الطبيعية.
* ثانيا: ان العديد من القوى العالمية والعربية وفي الداخل العراقي ترى وبحق ان توقيع هذه الاتفاقية اذا ما تم فانه لا يتم بين طرفين متساويين، بل بين محتل وبين عميله في ظل اغتصاب حرية واستقلال العراق من قبل هذا المحتل الامريكي. واضافة الى ذلك ان حكومة نور المالكي العميلة للامريكان لا تمثل حتى غالبية القوى السياسية المتواطئة مع المحتل الامريكي ولا غالبية الشعب العراقي، فهي حكومة ضعيفة خرجت بعض القوى من حكومة المالكي مثل كتلة التوافق العراقية والتيار الصدري وغيرهما، وحتى داخل كتلة المالكي "الوحدة العراقية" حدث انقسام بخروج رئيس الحكومة السابقة، الدمية الامريكية الجعفري من الحزب وفتح "دكانة" سياسية له. "فقوة" حكومة المالكي بضعفها، فهي على استعداد لبيع مصالح شعب العراق بهامبورغر امريكي، بفجلة حسب تعبيرنا الفلسطيني، فهي مسنودة من المحتل ومعزولة من الشعب العراقي. ويضغط المحتل الامريكي لرفع اسهم حكومة المالكي في الحلبة العربية والدولية واظهارها وكأنها حكومة "دولة مستقلة" تكتسب المصداقية الشرعية في توقيع الاتفاقية الامنية السياسية مع الامبريالية الامريكية، ويمارس الضغط في اتجاهين اساسيين، الاول، الادعاء ان من دمر العراق يريد اعادة اعماره، فالاحتلال الامريكي يجند دولا مانحة من دول الخليج وعالميا، من خلال مؤتمرات لدعم حكومة المالكي ماديا وشطب ديون العراق من ايام نظام صدام حسين، كما حدث في مؤتمر شرم الشيخ السنة الماضية ومؤتمر ستوكهولم لهذه السنة. ولكن لا تهرول انظمة الدول المانحة بغالبيتها للاستثمار في عراق تحكمه زمرة من الدمى المهزوزة وتشتعل اراضيه بالمقاومة ضد المحتلين وعملائهم. اما الاتجاه الثاني فهو الضغط الامريكي على البلدان العربية والخليجية، خاصة دول الجوار لارسال سفرائها الى العراق، أي اعادة العلاقات الدبلوماسية في ظل الاعتراف الرسمي بشرعنة الوضع القائم في العراق في ظل الاحتلال الامريكي، أي شرعنة الاحتلال.
* ثالثا: محاولة الادارة الامريكية احتواء المعارضة الايرانية والسورية للوجود الامريكي الاحتلالي في العراق وللاتفاقية الامنية – السياسية التي يسعى المحتل الامريكي ابرامها مع النظام الهلامي العميل له في بغداد. فالمحتل الامريكي يدرك جيدا مدى قوة وتأثير النفوذ الايراني في الداخل العراقي. كما ان المحتل الامريكي يتهم النظام الايراني بانه وراء دعم عدد من الميليشيات الشيعية المسلحة بالعتاد والدعم المادي لمواجهة قوات الاحتلال الانجلو امريكي وخدامهم من العراقيين امثال ميليشيا التيار الصدري وغيره. كما تدرك الادارة الامريكية ان عملاءها وخدامها الاساسيين في حكومة الدمى القائمة وفي كثير من الحوزات الشيعية العراقية، من نور المالكي الى جماعة عبد العزيز الحكيم الى الصدر الى الجعفري الى السيستاني وغيرهم يكنون الولاء ايضا لايران وليس للامريكان فقط، وبعضهم عاش وتربّى دينيا وسياسيا عشرات السنين في الحضن الايراني ايام نظام صدام حسين. ولهذا فان ادارة بوش تسعى الى عقد صفقة مع النظام الايراني يكون مدلولها ان تساهم ايران وتساعد المحتل الامريكي في مواجهة المقاومة العراقية واخماد انفاس المليشيات الشيعية المسلحة المدعومة ايرانيا حسب الادعاء الامريكي مقابل الاتفاق على تقاسم وظائفي امريكي – ايراني يحفظ مصالح الطرفين في العراق وان تغض واشنطن الطرف وتخفف من لهجتها ومن نشاطها ضد البرنامج النووي الايراني. وقد عقدت جلسات تفاوض امريكية – ايرانية في بغداد بهذا الخصوص، ولم يتوصل الطرفان الى أي اتفاق. وكان الهدف المركزي من زيارة رئيس حكومة الدمى العراقية نور المالكي الى طهران في مطلع هذا الاسبوع ومحادثاته مع الرئيس محمود احمدي نجاد وغيره من المسؤولين العراقيين هو نقل رسالة امريكية بخصوص وفاق امريكي – ايراني واقناع قادة النظام الايراني بان الاتفاقية الامنية – السياسية الامريكية – العراقية ليست موجهة ابدا ضد ايران، وان عراق المالكي لن يسمح ابدا بان يكون العراق محطة لانطلاق وعبور عدوان ضد ايران. ولم يقبل القادة الايرانيون المضمون الامريكي للرسالة التي نقلها، واكدوا له اهمية جلاء القوات الامريكية عن العراق المحتل، وان وجودهم يؤلف خطرا يهدد امن واستقرار المنطقة، ويهدد الامن الايراني.
وبرأينا ان النشاط الامريكي المكثف المشحون بالتهديدات العسكرية المبطنة ضد ايران بسبب برنامجها النووي يستهدف في نهاية المطاف التأثير سياسيا على الموقف الايراني في العراق وفي منطقة الشرق الاوسط. فجولة الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش "المفاجئة" الى اوروبا وخطابه امام الاتحاد الاوروبي الذي ركز على مخاطر البرنامج النووي الايراني والعمل لمنع ايران من تطوير برنامجها عسكريا. هذه الجولة وهذه الخطابات تستهدف الضغط السياسي وتجنيد الضغط السياسي الاوروبي ضد ايران ومشروعها، ولا نستبعد من رئيس ادارة عولمة ارهاب نظام الدولة الامريكية جورج دبليو بوش الضليع في ارتكاب الجرائم ضد الانسانية في العراق المحتل وافغانستان المحتل ودعم الجرائم للمحتل الاسرائيلي في فلسطين المحتلة ان يكون هدفه من الجولة الاوروبية وغيرها تهيئة الرأي العام لمغامرة حربية خاطفة ضد ايران. فزيارة وزير الحرب الاسرائيلي ايهود براك الى واشنطن عشية سفر بوش الى الجولة الاوروبية ولقائه بقادة البنتاغون المغامرين لم تكن هذه الزيارة نزهة "شمّة هواء"، بل تنسيق موقف بلطجي عدواني عربيد مع الامريكان اما ضد ايران او ضد قطاع غزة. وقبله في الثامن من هذا الشهر صرح نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي ووزير المواصلات شاؤول موفاز، الذي كان وزيرا "للامن" في حكومة شارون الكارثية "ان على اسرائيل مهاجمة ايران عسكريا للقضاء على منشآتها النووية"!! ألا توجد خلفية امريكية وراء هذا التصريح الغبي والبلطجي العدواني، ام انه جاء لخدمة موفاز في بورصة المنافسة مع قادة اليمين المتطرف والفاشية العنصرية!
اما بالنسبة لسوريا التي تتهمها ادارة بوش انها تفتح حدودها مع العراق لتشجيع دخول المقاومين الى ارض معركة الصراع ضد المحتلين الامريكيين في العراق. وتحاول الادارة الامريكية عن طريق الضغوط الدبلوماسية – السياسية والاقتصادية كسر الموقف السوري المناهض للاحتلال في العراق وفلسطين وللتدخل الامبريالي في الشأن اللبناني. ولا نستبعد ان تكون مبادرة الوساطة التركية باستئناف التفاوض السوري – الاسرائيلي على اساس مبدأ الارض مقابل السلام والتلويح باعادة هضبة الجولان المحتلة السورية الى سوريا، ان تكون بالتنسيق مع ادارة بوش وحكومة اولمرت براك وتستهدف دفع سوريا الى الوقوع في فخ التدجين الامريكي المنصوب دون التزام اسرائيل بتنفيذ التعهد الذي اطلقه اولمرت بارجاع كل الجولان المحتل الى سوريا.
ما نود ان نؤكده في نهاية المطاف ان ما يحاول المحتل الامريكي املاءه على العراق هو ترسيخ اقدام "احتلال مقنع" امريكي يمس السيادة الوطنية العراقية ويواصل نهب الثروة الوطنية العراقية ويهدد الامن والاستقرار في منطقة الخليج والشرق الاوسط. ولهذا فان افشال الاتفاقية الامنية – السياسية طويلة الامد ودفنها عميقا في التراب يخدم عمليا المصلحة الحقيقية العليا للشعب العراقي بالتحرر والاستقلال ويخدم مصالح جميع شعوب وبلدان جوار العراق والشرق الاوسط في التخلص من مخاطر شراسة ذئب العدوان الامريكي.

د. احمد سعد
السبت 14/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع