ما زال الشرق الأوسط يَرزح تحت «الحرب»!



وَلّدت هذه الفترة من الإنهيار السريع والدراماتيكي في القوة الإقتصادية الأمريكية حول العالم، والتي ترافقت مع غضب شديد منصبٍ نحو السياسات الامريكية المتبَعة في العالم أجمع، انحدارا حادا طال النفوذ الديبلوماسي والسياسي الأمريكي. وكنتيجةٍ لذلك، أصبح خيار القوة العسكرية لتوكيد النفوذ العالمي الأمريكي، بالنسبة لهؤلاء الملتزمين الحفاظ على موقع واشنطن كقوة عظمى، أكثر ترجيحا وليس أقل. فالدفع باتجاه نهاية حقيقية لاحتلال الولايات المتحدة للعراق بات أكثر صعوبة من أي وقتٍ مضى، كما أن الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل أقوى مما كان في السابق، إضافةً إلى أن خطر شن هجمةٍ أمريكية عسكرية على إيران يبقى قائما بمستوى أعلى من ذي قبل. 
وعلى الرغم من حضورها العسكري الضخم والخوف المتواصل من الإحتلال والحرب في العراق وبسبب كل هذا في الوقت نفسه، ليس هناك من شك بأن واشنطن خسرت نفوذا بارزا في الشرق الأوسط. فجهود الولايات المتحدة للسيطرة على حكومات وموارد وشعوب المنطقة والتحكم يها تصل إلى حائطٍ مسدود. كما أن الحكومات والحركات التي تدعمها عبر الشرق الأوسط ترفض طلب إدارة بوش بعزل ومعاقبة وتهديد حكوماتٍ وحركاتٍ أخرى تعدّها واشنطن شريرة – أي تلك المرتبطة بإيران. وعوضا عن ذلك، تلجأ الحكومات، المدعومة من الولايات المتحدة، بحد ذاتها إلى إطلاق مفاوضاتٍ جديدة ثنائية وثلاثية ومتعددة الأطراف مع "الأشرار" بما يخرج عن سيطرة الولايات المتحدة، وبما يتناقض مع رغباتها غالبا.
وتدلي إدارة بوش بإدعاءاتٍ متفائلة تفيد بأن العالم العربي موحدٌ خلف حملتها ضد إيران. إذ تباهى أحد مصادر البيت الأبيض لتسويق الأفكار " بالإتفاق المتنامي بين القادة الإقليميين على أن إيران تتحدى السلام والأمن". ولكن في الواقع، إن الشرق الأوسط غير متوحدٍ في موقفه خلف مواقف البيت الأبيض، كما أن الولايات المتحدة تخسر. فحلفاؤها يرفضون أن يحذوا حذو سلوك واشنطن الخطير "بقطع المفاوضات مع من يُعتبر من الأشرار."
فمن بغداد إلى بيروت، ومن رام الله إلى أنقرة، ومن القاهرة إلى تل أبيب، تُجري الحكومات المدعومة أمريكيا محادثاتٍ، وحتى توَقع اتفاقاتٍ مع هؤلاء الذين تحب واشنطن أن تكرههم – أي المتحالفين مع إيران. كما وتصدّ الحكومة العراقية المدعومة أمريكيا حملة إدارة بوش الصليبية ضد إيران. أضف إلى ذلك، رحّب مجلس التعاون الخليجيي – الإتحاد الذي تقوده السعودية والذي يضم الدول العربية النفطية الموالية للولايات المتحدة – بإيران كمشاركٍ مجاور وكشريكٍ تجاري محتمل في الإجتماع السنوي الشهر الماضي. هذا وترتبط السلطة الفلسطينية الموالية للولايات المتحدة في رام الله بمحادثات ائتلاف مع حماس تجري في غرفٍ مغلقة، إلى جانب المفاوضات الجارية بين إسرائيل وحماس أيضا لوقف إطلاق النار، وتدير العمليتين حكومة مصر المدعومة أمريكيا. إلى ذلك، وقعت الحكومة المدعومة أمريكيا في بيروت للتو إتفاقا رسميا مع المعارضة النيابية المنتخبة والتي يقودها حزب الله، ما أعطى هذا الحزب قوة بارزة جديدة وسمح بانتخاب رئيس جديد غير معروف بتأييده لوجهات النظر الأمريكية. كما لم تنجح خطبة بوش الشهيرة "المحادثات تساوي التهدئة" التي ألقاها في الكنيست الإسرائيلي في إقناع تل أبيب بعدم إجراء محادثات مع سوريا، إذ أعلنت تركيا استضافتها للمفاوضات السورية-الإسرائيلية. وقد وصف مسؤولٌ في إدارة بوش، لم يُذكَر اسمه، محادثات السلام الجديدة على أنها "صفعةٌ على الوجه".   
وتبقى تبعات كل هذه التطورات غير مؤكدة. فقد يفشل بعض هذه المبادرات في حين يخلق البعض الآخر منها ( وخاصةً الصيغة الحالية لتقاربٍ إسرائيلي-سوري) مخاطر جدية حتى ولو حقق نجاحا. ولكنّ الجلي هو أن هذا الموسم لم يكن موفقا لهواة الحرب في إدارة بوش. وربما كردٍ على الرفض المتزايد لشعوب الشرق الأوسط لاستراتيجية "عزل إيران" الأمريكية، يتراجع بعض المسؤولين الأساسيين في إدارة بوش، في الوقت الحاضر، عن بعض مواقفهم السابقة. وحتى عندما تتكلم هيلاري كلنتون عن "محو" إيران ( التي تشمل افتراضيا 70 مليون نسمة)، يدّعي الجنرال المفضل لدى بوش دايفيد بتريوس الآن أنه يرتأي الديبلوماسية في التعامل مع إيران كخيارٍ أول، على الأٌقل في الوقت الراهن.  
إذا، علينا إدراك كيفية الإستفادة من الخطاب المتغير، وفهم المخاطر التي هي في طور النشوء، وتحويل عمل الحركات المناهضة للحرب إلى استراتيجية مهمتها تحويل الرأي العام الرافض للحرب إلى سياسة حقيقية مناهضة لهكذا حروب.

 

تخفيف اللهجة المعادية لإيران في الوقت الحاضر

تحولت اللهجة المعادية لإيران بسرعة من "إيران تصنّع قنبلة نووية" إلى " إيران تقتل القوات الأمريكية في العراق عبر تسليح الميليشيات"، وذلك إلى حد كبير بسبب أن نشرة كانون الأول الماضي للتقييم الإستخباراتي الوطني أوردت أن إيران لا تمتلك سلاحا نوويا ولا برنامجا لتصنيع أسلحةٍ نووية وحتى أنها غير مهتمة بتصنيع أسلحة مماثلة. وادّعى البنتاغون منذ أسابيع أنه كان على وشك أن يعرض علنا مخابىء أسلحة زُعِم أنها ضُبِطت في كربلاء وصودرت من قوات مقتدى الصدر في البصرة أوائل هذه السنة. وكانت هذه الأسلحة، حسبما قُدِّر، مصنعةً في إيران، وبالتالي "إثباتا" على الدعم الإيراني للميليشيات العراقية – غير أن الجهد الضخم الذي بذلته الولايات المتحدة في الترويج لذلك إنهار عندما قال المفتشون الأمريكيون بأن أيا من الأسلحة أو الذخيرة لا تعود إلى إيران في الواقع. ووصف غاريث بورتر هذا الأمر، على أنه كان جهدا هدف إلى "تفكيك مقاومة الكونغرس والرأي العام لفكرة أنه يجب مهاجمة القواعد الإيرانية التي تدعم هذا التدخل" غير أن ذلك الجهد قد فشل. وألغي موجز صحافة بغداد. وفي نفس الوقت تقريبا، أرسل رئيس الوزراء العراقي المدعوم أمريكيا نوري المالكي وفده الخاص إلى إيران لمناقشة " الدليل" التي زُوِدت به الحكومة العراقية من قبل الولايات المتحدة حول "تدخل" إيران في العراق. ثم عاد الوفد إلى بغداد، بهدوء، وأعلنت الحكومة العراقية أنها تنشىء تحقيقها الخاص. فصرّح مسؤول أمريكي لصحيفة لوس أنجلس تايمز، مبديا غضبه من رفض حكومة المالكي الإنضمام إلى الحملة الصليبية ضد إيران، قائلا،" لقد طُعنّا في الظهر بهذا السلوك."  
واليوم، دعت شخصيتان "واقعيتان" ونافذتان – زبيغنيو برزيزينسكي والجنرال ويليام أودوم – تكتبان في واشنطن بوست إلى وضع حدٍ لسياسة بوش الحالية "الجزرة والعصا" التي، كما يقولون، "قد تنجح مع الحمير ولكن ليس مع البلدان الخطيرة." فالولايات المتحدة قد تبلي حسنا، على حد قولهم، " إذا ما تخلى البيت الأبيض عن تهديداته بشن أعمالٍ عسكريةٍ وعن دعواته لتغيير الأنظمة."  
ولكن تغيير اللهجة في الخطابات واكتساب معارضة شعبية واسعة لاستراتيجية الحرب اللامتناهية التي ينتهجها بوش في الشرق الأوسط، لا يعني حتى الآن إنتهاء الخطر.
فكما رأينا مع حرب العراق، لا تغير التحولات الضخمة في الرأي العام السياسة المتبعة بشكل حتمي، إذ أن 70% من المعارضة الشعبية الأمريكية للحرب لم تحدِث تحولا في السياسة باتجاه إنهاء الحرب والإحتلال بشكل فعلي.  

 

*الخطاب والكونغرس- فيما خص العراق*

عكس التصويت السلبي لمجلس النواب الأمريكي على فاتورة الحرب الإضافية، محبطا طلب بوش بصرف 168 مليار دولار لتمويل حربي العراق وأفغانستان لأكثر من سنةٍ أخرى، بوضوح نجاح الحركة المناهضة للحرب ( المترافقة مع أثر الإصابات الأمريكية العسكرية المستمرة والفشل الأمريكي المتواصل) في إحداث نقلةٍ في الخطاب الشعبي للحرب. فبعيدا عن المواقع الحزبية، من المستحيل أن يخاطر 149 ديمقراطي بالتصويت ضد تمويل الحرب إذا لم يكونوا يعوّلون على معارضة الرأي العام للحرب وتأييده للكونغرس في رفضه لتمويلها. فقد خلقنا واقعا جديدا – بحيث أصبح الثمن السياسي لدعم الحرب أعلى بكثير من معارضتها. والآن حتى الأغلبية الديمقراطية لا تنوي دفع ذلك الثمن الباهظ.  
ومهما كانت نوايا الجمهوريين المروّجين للحرب أو نوايا قيادة الديمقراطيين الإنتهازية، عكس التصويت وطوّر في الوقت عينه الشرعية السياسية لموقعٍ يناهض الحرب بشكل واضح، حتى وإن انقلب القرار لاحقا. وبالنسبة للحركة المناهضة للحرب، كان ذلك فوزا عظيما، محققا – ولو بشكل مؤقت – أقله جزءا من الهدف المُستوحى من شعار لجنة خدمات الأصدقاء الأمريكيين "لا لقتيلٍ واحدٍ إضافي أو لدولارٍ واحدٍ إضافي." 
المحادثات الإسرائيلية لعزل إيران؟ ولكن الإحتلال لا زال قائما
شكلت المفاوضات الإسرائيلية-السورية الجديدة والمحادثات غير الرسمية مع حماس تحديا مباشرا لخطاب بوش أمام الكنيست قبل أقل من أسبوعين من الآن والذي ساوى فيه "المفاوضات مع الإرهابيين والراديكاليين" مع تهدئة هتلر التي سادت في فترة الحرب العالمية الثانية. وكما وصفت صحيفة نيويورك تايمز الأمر، باتت إسرائيل "النموذج الأحدث للدولة التي ترى بأن التعامل مع الخصوم أفضل من تجاهلهم."
وبالتأكيد، فإن إجراء المحادثات أفضل من عدمه. غير أن تلك المحادثات ليست جدية برمتها، ويجب أن تؤخذ الدوافع بعين الإعتبار كذلك. فرئيس الوزراء أولمرت يخضع للتحقيق بتهمة الإرتشاء، وربما يدان قريبا. وهو قد تعهد بالتخلي عن موقعه إذا ما ثبتت عليه التهمة، ولكنه في هذه الأثناء يفتتح ويعلن "مبادرات ديبلوماسية" جديدة بسرعةٍ مثيرة للغضب، أقله حسب الظاهر، للضغط على المدّعين بعدم المجازفة بمصالح إسرائيل الوطنية المزعومة عن طريق إجباره على أن يستقيل.

 

*إسرائيل- سوريا*

لقد جرى توضيح الشروط الضرورية لإنهاء الصراع الإسرائيلي-السوري لعدة مرات: على إسرائيل أن تعيد كل أراضي مرتفعات الجولان المحتلة إلى سوريا، في مقابل معاهدة سلام كاملة بين البلدين.
بيد أنه لا يوجد مؤشر يدل على أن إسرائيل مستعدة للتخلي عن إصرارها القديم على الإحتفاظ بسيطرتها الكاملة على بحر غاليلي، مانعةً سوريا بشكل دائم من الحصول على ما يجب أن يكون حصتها المنصِفة من احتياطات المياه الإستراتيجية. فلطالما كان الإستيلاء على الموارد المائية والحفاظ على التحكم بها في منطقةٍِ تتسم بدرجة كبيرة من الجفاف، هدفا رئيسيا لاحتلالات إسرائيل، بما فيها مرتفعات الجولان. ( وفي جنوب لبنان، كانت رغبة إسرائيل في الحصول على مياه نهر الليطاني الدافع وراء الإحتلال التي تجاوزت مدته العشرين سنة، كما جرى بناء الجدار العنصري الذي يتعرّج عبر الضفة الغربية عبر ضم معظم موارد المياه الجوفية الفلسطينية إلى الجانب الإسرائيلي). 
ومن دون شك، يتطلع أولمرت إلى تحقيق أهدافٍ إستراتيجية تتعلق سوريا، أبعد من المخاوف التي تنتابه حول مستقبله السياسي الخاص. فإسرائيل تحاول سحب سوريا بعيدا عن إيران، حليفتها الإستراتيجية، بهدف عزل طهران بشكل أكبر. إذ تسعى إسرائيل إلى الدفع باتجاه إحداث تحوّل واسع في دور سوريا الإقليمي، أي على الأغلب الطلب إلى سوريا التخلي عن دعمها الثابت لحماس وحزب الله كجزء من ثمن اتفاق السلام مع إسرائيل. ويعارض البيت الأبيض المحادثات الإسرائيلية مع سوريا بشكل عام، غير أن بعض من في الإدارة يتشارك مع هدف إبعاد سوريا عن إيران – ومن بين هؤلاء شخصيات من طرفي خط الصدع الأيديولوجي في الإدارة الأمريكية. وقد يفضل بعض الواقعيين من الذين لا يحبذون توسيع الحروب الكارثية الحالية في الشرق الأوسط لتشمل إيران تقاربا إسرائيليا-سوريا كوسيلة لتخفيف التوتر، في حين قد يرى بعض مروجي الحرب المتهورين، الذين ما زالوا يبدون حماسةً لشن هجمات عسكرية ضد إيران، هكذا تدبير على أنه تمهيد للطريق أمام حرب متألقة جديدة. فربما على سوريا أن تحسم أمرها لجهة أن إبرام اتفاقية جزئية مع إسرائيل، إضافةً إلى حصولها على  فرصةٍ لإزالتها من لائحة الإرهاب الأمريكية، يضاهي التخلي عن حليفتها الأبرز. إن احتمال تحقق هذا وارد، ولكنه تحدٍ خطير يقف في وجه قيادة دمشق الضعيفة.
وأكثر من ذلك، فعلى الرغم من ظهورها بمظهر المستقلة، من المستبعد أن تلتزم تركيا التي هي عضوٌ في الناتو وتطمح لأن تكون عضوا في الإتحاد الأوروبي، في ديبلوماسة جدية كتحدٍ مباشرٍ لإملاءات بوش. كما وتستمر الأصوات النافذة في البيت الأبيض بالإعتراض. إذ يقود المستشار الأعلى لشؤون الشرق الأوسط لبوش، إليوت أبرامز ( الشخص نفسه الذي أدين بالكذب على الكونغرس خلال فضيحة إيران/كونترا في الثمانينات) المعارضة في البيت الأبيض بالإدعاء بأن محادثات إسرائيل من شأنها أن "تكافىء" سوريا. إذا، يبدو من المستبعد أن تحقق تلك المحادثات خرقا إسرائيليا-سوريا جديا في المدى القريب.

 

*إسرائيل- فلسطين*

تشكل المحادثات الجارية برعايةٍ مصرية بين إسرائيل وحماس رغم المعارضة الأمريكية، حاجةً ملحّة. فإنهاء حصار إسرائيل الإجرامي لغزة، الذي أفضى إلى هذه الأزمة الإنسانية الحادّة التي تطال 1.7 مليون فلسطيني، هو أمرٌ مصيري لإنقاذ أرواح الفلسطينيين، كما لإيجاد أملٍ بإعادة بناء مجتمع غزة المهشّم. وقد تسهم هكذا خطوة مترافقةً مع وقف إطلاق نار مشترك في غزة ومنها، في تخفيفٍ دراماتيكي للعنف في هذه المنطقة. غير أنه إلى حد الآن لا يوجد هناك من داعٍ قوي للتفاؤل. إذ أن مواصلة بوش لسياسة مقاطعة وعزل حماس، تعني أن أي دعم للمحادثات مع حماس، سواء أكان أوروبيا أو غير ذلك، سيكون محدودا للغاية. ولن يكون هناك ضغط حكومي دولي حقيقي كبير على أولمرت ليفاوض جديا لوضع إطلاق النار حيز التنفيذ ولرفع الحصار، ناهيك عن إنهاء فعلي للإحتلال الإسرائيلي والسياسات العنصرية، ومن غير ذلك الضغط، لا يمتلك أولمرت حافزا قويا لتغيير سياسات حكومتة. ولهذا، تبقى الحملة الدولية للمقاطعة وسلب الحقوق وفرض العقوبات حاسمة للغاية كوسيلة بديلة للضغط.    
كما وتتواصل مرحلة أخرى من المحادثات – هذه المرة بدعم أمريكي – بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ظاهريا حول أهداف "الدولتان" طويلة الأمد. غير أن هذه المحادثات تراوح مكانها إلى حد بعيد، مع إضعاف كلٍّ من أولمرت وعباس سياسيا، ومع تقويض إسرائيل لأي محادثات جدية عبر الإستمرار في دعم إسرائيل في إضافتها لمجموعات ضخمة من الأراضي وفي إنكارها لحق العودة. وبينما تتواصل هذه المحادثات، تتدهور الأوضاع المعيشية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة. إذ وصف مدير الأنروا في غزة الأزمة الإنسانية فيها على أنها "صاعقةٌ ومشينة" – مشيرا إلى أن الوكالة تواجه نقصا في التمويل يصل إلى 117 مليون دولار.    

 

إتفاق لبنان ينهي القتال ولكن ...

توصلت حكومة لبنان المدعومة أمريكيا أخيرا مع المعارضة التي يقودها حزب الله إلى توقيع إتفاق ينهي 18 شهرا من الأزمة السياسية. وحقق الإتفاق نصرا بارزا لحزب الله – بإعطائه حق الفيتو على قرارات الحكومة، والسماح لجناحه المسلح بالإحتفاظ بسلاحه. وهذا يعني بأن الجهد الأمريكي الرامي إلى الحفاظ على السيطرة الأمريكية على لبنان من خلال عزل حزب الله ونزع سلاحه وبالتالي إزالته من موقعه كقوة سياسية، قد أخفق في تحقيق أهدافه. ولكن هذا يشير أيضا إلى بقاء النظام السياسي الطائفي في لبنان، الذي فُرض في ظل الحكم الفرنسي الإستعماري، ساري المفعول. وهو نظام يرتكز على إبقاء السكان منفصلين بفعل الطائفة والمذهب، ما يجعل الوحدة الوطنية أمرا مستحيلا، وبالتالي التوترات والإضطرابات المستقبلية أمرا حتميا- على الأرجح حتى انتخابات الصيف المقبل. وفي غضون ذلك، يبقى حزب الله أكثر نفوذا من أي وقتٍ مضى – وهو سيناريو يعج بدوره بتناقضاته الخاصة. 

 

*العراق- على الأرض*

لقد خمد القتال في مدينة الصدر بين ميليشيا جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر والجيش العراقي المدعوم من الإحتلال الأمريكي، على الأقل بشكل مؤقت. فمن المرجح أن يكون الهدوء النسبي هذا قصير العمر، إذ أن أيا من القوات العسكرية لم تنهزم عسكريا كما تبقى قضايا الإحتلال والتفاوت في القوى عالقةً من دون حل. فقد أوقف مقاتلوا المهدي القتال ببساطة عند نقطة معينة، ولا زال أمر بقائهم في المدينة أو إعادة تجمعهم في أمكنة أخرى غير مؤكدا. وأصبحت مدينة الصدر الآن، كما بقية بغداد بمعظمها، تتسم بجدرانٍ إسمنتية عالية مبنية حديثا من قبل قوات الجيشين الأمريكي والعراقي، تقسّم المدينة إلى مساحات ضيقة. ويصف أحد مراسلي الراديو الوطني العام بغداد اليوم، على أنها قد تكون أكثر مدن العالم احتواءً للتواجد العسكري، بحيث لا يستطيع المرء التحرك أكثر من 100 ياردا قبل أن يواجة نقطة تفتيش عسكرية. ففي العراق، هكذا هو شكل الديمقراطية.  
فيليس بينيس هي زميلة في معهد الدراسات السياسية ومعهد وراء الحدود القومية في أمستردام. تتضمن كتبها الأخيرة المقال الصادر مؤخرا؛ إيران تحت المجهر: كيف السبيل لمنع وقوع حرب واشنطن القادمة؟

فيليس بينيس
السبت 14/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع