يلعن هيك وهيك للزعماء العرب، ولكن أين الشعوب؟!



* هناك ملايين الاميين في عالمنا العربي.. لكن هناك ملايين تكتب وتقرأ، لكنها لا تقرأ عن قصد وسبق اصرار!! *

بعد ان شتمنا الزعامات العربية بما يليق ولا يليق، وبعد ان افرغنا صدورنا من غلها على واقعنا المثير لسخرية ما عدانا من اهل الارض، بعد هذا يحق للعقل ان يسألنا عما اذا كنا نرغب في اعطائه الإذن لابداء رأيه.
والحقيقة ان العقل خطير علينا، لانه يكشف عوراتنا، يفضحنا، يعلقنا على اعواد المشانق فردا فردا، لكن لنخاطر ونسأله عن حالنا، عن حاضرنا وغدنا، العقل يصرخ فينا، لماذا تلومون الرؤساء والملوك؟
لماذا تحمّلونهم كل خطاياكم وفقركم وجهلكم؟ كيف تقبلون ان يقودكم ملك واحد، او رئيس واحد الى الهاوية ولا تعترضون؟ قطيع الماعز سيثور على راعيه او يفر منه لو قاده الى الهاوية، او ساقه الى ارض قفر وجوع وعطش!! وكذلك ستفعل الاغنام والابقار وكل الانعام!! فاتركوا هذه الذريعة وابحثوا عن الجهل في انفسكم، في كسلكم وتناسلكم، في عدائكم للحياة الدنيا واعتبارها نعيم الكافر.
ما علاقة الملك، الرئيس، الامير بثقافتكم؟ هذا ما يقوله لنا العقل، حسنا! هناك ملايين الاميين في عالمنا العربي.. لكن هناك ملايين تكتب وتقرأ، لكنها لا تقرأ عن قصد وسبق اصرار، انتم امة ترفض ان تستوعب الافكار الا ما ورثت، او ما فهمتها على السليقة لا اكثر، ويضرب العقل على الطاولة صارخا فينا، كيف حدثت الثورة الفرنسية قبل اكثر من مئتي عام؟ هل حدثت صدفة؟ ام سبقها كتّاب ومفكرون نشروا مفاهيم وقيم الحرية والاخاء والمساواة؟! حتى ذوّتها الشعب وقبلها ثم انتفض على واقعه التعيس وابدع اعظم ثورات العصر الحديث، ويتابع العقل صارخا ايها العرب! قوموا من نومكم فقد طال سباتكم! سمعنا عن مخلوقات تنام شهرا او نصف سنة على الاكثر، ولم نسمع عن مخلوقات تغفو قرونا، هل تعرفون لماذا دخلت الولايات المتحدة الامريكية حربا اهلية طحنت الملايين؟ ولماذا خاض الشمال الامريكي حربا ضد الجنوب لتحرير العبيد؟ نعم، هناك من يذهب الى ان الشمال الصناعي اراد تحرير العبيد من الجنوب الزراعي حتى يحصل على الايدي العاملة التي توافرت في الجنوب، نعم، هذا الجانب اقتصادي روّج له اصحاب رؤوس الاموال، لكن من الذي هيأ الاجواء حتى تحارب قوى الشمال وترسل ابناءها للموت؟ من شحن العواطف الانسانية في القوى التي خرجت لتحرير العبيد.. لقد كانت رواية واحدة كافية لاحداث اثر بالغ في نفوس الامريكيين.. رواية "كوخ العم توم". هذه الرواية التي نشرت سنة1851 كشفت وفضحت جريمة الرجل الابيض وقسوة العبودية ضد الانسانية.. ولا يمكن لكاتب وصف اثر هذه الرواية في النفس الانسانية، لانها من الصنف الذي يجب ان يتذوّقه الانسان حتى يدرك طعمه.. والعقل يقول لنا، اقرأوا هذه الرواية عندها ستكتشفون لماذا نشبت الحرب الاهلية بعد اثني عشر عامًا؟
وتخيلوا بعدها كم تملك الفكرة والكلمة من قوة. وستعلمون عندها بان الشعب الذي يقرأ، يتعلم ويستوعب الفكر الانساني هو الذي يملك نفسه وهو الذي لا خوف عليه مهما ضربت به النوائب.
وما زال العقل يؤنبنا ويسخر من حجتنا بان الزعيم يمسك عنا العلم والتقدم.. وانه سبب نكباتنا الصغرى والكبرى!! هل يمنع الزعيم العامل من اداء عمله واتقانه؟ هل يمنع الموظف من القيام بواجبه امام من يخدمهم؟ اهو الذي يفرض على الزوجين انجاب ما لا يستطيعان توفير الخبز لهم؟ اهو الذي يمنع الاغنياء من دعم الفقراء والمؤسسات؟ اهو الذي يأمر القراء بالا يفتحوا كتابا؟ نعم، هو الذي يسهر مع جيشه ومخابراته حتى لا يثوروا لكن متى كانت الثورة على الزعيم تحدث بأمر من الزعيم؟
وفي لحظة مفاجئة يثور العقل، يخرج عن طوره، وينسى العقل عقله فيشد الشعر الذي يغطي الجلدة التي تغطي العظام حوله وينتفض صارخا، ألستم على سنة نبيكم؟ الا يقول لكم الرسول "كيفما تكونوا يولّ عليكم"؟! الا يفضحكم هذا الحديث ويصفكم بكل العورات والسيئات التي في زعمائكم؟ ويتابع سيادة العقل رضي الله عنه انتم يا جماهير السعودية!! كم يحاول ملككم تحرير النساء وترفضون؟ كم يحاول ادخال علوم الدنيا لكنه يخشى من علوم الآخرة؟
وانتم في مصر هل يجرؤ رئيسكم على الامر بتحديد النسل كما فعل زعماء الصين؟ وهو يدرك بان امرا كهذا سيجعلكم تثورون عليه، لان منتهى ثقافتكم بان الله مسؤول عن اطعام كل مولود، ومع ان الواقع يثبت بكل الادلة المطلوبة ان الاطفال يموتون في كل بلاد الغفقر وفي طليعتها بلاد المسلمين لان اطعام الطفل مسؤولية من انجبه اولا.. وكل اعتماد على طرف آخر هو جريمة يرتكبها من انجب الطفل.
ويتابع العقل صارخا، ثقافتكم استثنائية، وغَيرتكم استثنائية ومتعلقة بثقافتكم لهذا فان ثوراتكم شاذة. انتم لا تثورون ضد فقر وظلم، انتم تثورون فقط ارضاء لله.. ها انتم في فلسطين!! انتفضتم لان شارون دخل الاقصى ولم تنتفضوا على عشرات الافعال الشارونية وغيرها،  بالضبط  كما فعل المعتصم الذي تقاعس عن مجابهة الروم حتى سمع امرأة تستغيث "واإسلاماه"!! وكما فعل صلاح الدين الذي عقد اتفاقيات صلح مع الصليبيين حتى اسروا شقيقته فبدأ حربه ضدهم..
اعرف ان بعض التافهين من اعداء العقل والذين يقتاتون على التحريض والدجل، قد يصطادون جملة مبتورة من مقالتي لمواصلة بناء الجدار الواقي من أي فكر ينفع هذه الامة.. قد يخرج علينا سفيه بالقول انني قلت امرا معيبا ضد صلاح الدين الايوبي مع انني اعتبره اعظم قائد اسلامي في التاريخ، لا، بل أؤكد بان الغرب لم يحترم قائدا معاديا له كما احترم صلاح الدين الايوبي.
لماذا نذهب بعيدا في الجغرافيا والتاريخ؟ لننظر الى انفسنا نحن العرب الفلسطينيين في اسرائيل، كم نشغّل العقل؟ في التعامل مع قضايانا، فالحاسوب اليوم يسجل كل ديون المواطن ولا يغفل شاقلا واحدا من ثمن مياه او ضرائب، نشتم الحكومة التي لا تساعدنا، نشتم ادارة السلطة المحلية التي لا تقدم لنا الخدمة المسؤولة عنها، ولا نحاسب انفسنا عن تقصيرنا في اداء واجبنا؟! لا تحسبوا ان القضية لا علاقة لها بالثقافة، بل هي قلب الثقافة، كيف يجرؤ مخلوق على الجهر امام الناس بأن رجال الجباية اقتحموا بيته وطالبوه بان يدفع ما عليه من مستحقات ويدفع اجرهم؟ ومن ثم يلقى الدعم من الذين تذمر امامهم؟! اين يمكن ان يحدث هذا، هل يخطر على بال احد منكم ان يجرؤ رجل في السويد او فرنسا او هولندا على شتم السلطة المحلية امام الناس لانها حجزت على ممتلكاته او ارسلت له شركة جباية؟! العقل يطالبكم بان تردوا!! أي مجتمع هذا الذي يتعاطف مع عصاة دفع اثمان المياه! أي شعب هذا المتضامن مع سارقي مياه الشرب؟ أي مجتمع هذا الذي يملك الفرد فيه بيتا فسيحا ويجند الناس حوله لمساعدته في رفض دفع الضرائب على بيته؟!
بدأت بعالمنا العربي وانتهيت بالوحدة السكنية لكل فرد منا، وهي باعتقادي حلقات متواصلة لا يمكن فصل الواحدة عن الأخرى الا بانفراطها فهل الفرد المصري الذي يتزوج وينجب عشرة افراد غير مسؤول لا يتحمل مسؤولية من انجبهم؟ وهل المواطن في أي بلدة عربية في اسرائيل، ويرفض دفع الضرائب لسلطة بلدته غير مسؤول عن تخلف بلدته.. وستقولون جميعا، نعم، هو مسؤول لكن السؤال الاكبر ليس في ادراكنا لتقصير المواطن امام بلده وشعبه وامته، انما السؤال كيف يجرؤ المقصّرون عن الجهر بتقصيرهم؟ ولماذا يلقى المقصرون الدعم ممن يستمعون اليهم؟ وكيف؟ نعم، كيف؟ وهنا يصرخ العقل انا مع الملك، انا مع الرئيس، انا مع الامير! لان الشعب يشجع نفسه على الكسل، على الغش في العمل، على التنصّل من المسؤولية، على تجاوز كل القوانين.
والسبب بسيط جدا كما يقول عقل كل فرد منا، باننا اصبحنا امة جاهلية، تخلّينا عن ثقافتنا، ووضعنا اصابعنا في آذاننا حتى لا نسمع ثقافات اخرى، واسمحوا لي بان اعلن بكل دراية ومسؤولية بان قضية العرب والمسلمين من اصغر قرية حتى اكبر دولة لا تكمن في القيادات فقط، بل نحن الناس، نحن المشكلة، كل انسان مشكلة، كل جماعة مشكلة، كل دولة مشكلة، وكل رئيس،ملك، امير يواجه كل هذه المشاكل، ولا حل الا بأن نبدأ بفهم ثقافتنا وفهم ثقافات شعوب الارض.. متى يحدث هذا وهل سيحدث؟! مصيرنا كله متعلق بهضم ثقافتنا وقراءة ثقافة الآخرين.

غازي ابو ريا
السبت 14/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع