من تراثنا الشعبي: حرفيش ورميش



هما فتاتان حالمتان عاشقتان، اختان لأب، فرّق بينهما الزمن الغدار القهار، ترددان دائما مع اسمهان الاطرش: فرّق ما بينا ليه الزمان!
نفس الملامح تقريبا سحنة عربية قروية، ما بين سمرة البادية والقمحاوية، لا تخضعان لأي نظام حمية ابدا، اذ انهما رشيقتان ممشوقتان، نافرتان كالوعول والمها التي تتعب على الصياد، كما يقول فريد الاطرش شقيق اسمهان.
تونس الخضرا، غزلانك البيضا، تتعب على الصياد!!
قلّة وبسط، لسان حال الواحدة كالاخرى: عيّشني للبيدر وسميني حيدر، كل عيشة وإلها كريشة، اركض ركض الوحوش غير رزقك ما بتحوش.
اختان متجاورتان، الحد ع الزعرورة، سيان أكانت حمراء ام صفراء بنات العائلة الوردية، ملاكتان، المُلك لله وحده، حدودهما متشابكة طبقا لمثلنا الشعبي الاصيل: حدود حرفيش لبيادر رميش رغم تدخل العوامل السياسية الاستعمارية القهارة لتفريق الاخ عن اخيه والاخت عن اختها، ودق اسافين التفرقة!
بيادر مشتركة، فزعات ومعونات ع الحصيدة، ع ندويات القيطاني، إن كان جارك بخير انتي بألف خير، رزق العرب مشترك، رغم انف الدرك الذي وصل الى الدرك الاسفل في التعاون مع بني البشر في عهد العُهر والقهر في هذا العصر. المارس جنب المارس، رغم ان الارض جبلية، بالكاد تجد قطعة منبسطة، لا تشكّل حراث فدّان.
قبل ان تبدأ رميش بجمع محصولها، تطرح الموقف على اختها حرفيش:
- يعطيكي العافية، يسعد صباحك، مِدِغشة بكير اليوم ع الندى.
- الله يعافيكي ويسعد صباحك يا اختي، انتي دايما سبّاقة ع الغانمة!
- بيلزم مساعدة، امانة الله، انا حاضرة، "سنكة طق"، لا يعجز القوم اذا تعاونوا!
- طول عمرك بنت اصول، بتشيليها ع الطاير، ما بتتهاوني لا في الصغاير ولا في الكباير!
- يعلم الله، يا اختي، همّك همي، ما بيرتحلي بال ولا بتغمض لي عين، هملانة همّك!
- الله لا يهملك هم، اطمئني وارتاحي، مستورة والحمدلله، ايدي وإيدك متشابكين والمولى راعيها!
- عليم الله، ذكرتني بالاغنية الجميلة، رحم الله، الثنائي الاخوي الذي طبعها في ذاكرتنا!
- تعالي نغني مع وديع الصافي، طوّل الله عمرو.
ع الله تعود بهجتنا والافراح  وتُغمر دارنا البسمة والافراح
قضينا العمر وِلف طل وولف راح وضاع العمر بين الهجر والغياب
- طيّب يا اختي لاقيني ع وجه الحصيدة انتي من هون وانا من هون، ويد الله مع الجماعة، منطوّق هذا الوجه ومنقطع اوصاله، إحنا بالجد والله يعين!
- إتكلنا ع الله، بس ديري بالك إلبسي القصب في اصابعك، لأنه فيه شوك مشبرق بري، شنديب وقوصان، ما اعطتنا الدنيا مهلة تنعشّب ونقلع الغريب وقت العشابة.
- ولا يهمك، اللي بوجهو نظر ما بيتوه، شامّة ريحة حندقوق وجربيح بتشد الظهر، دخل الخالق ع هالريحة الطبيعية، اطيب من كل عطور الدنيا، منجلي يا من جلاه!!
- اسمعي زقزقة العصافير: بلابل، عنادل، تكتكة الحجل، كون وعمران، الله يبعث هداة البال، وتعود ايام زمان، ما بتروح دينة وراها مطالب!
حرفيش ورميش انهتا هذا الوجه وانتقلتا الى الوجه الآخر، جِمِل، هيك الاصول وهيك الجيرة الحسنة، والرسول الكريم اوصى بالجار، تنفستا الصعداء وجلستا تحت ظل شجرة مل معمرة لتناول ما يقيت البطن بعد هذا الجهد والعناء الباكر، دغشة!
- قالت رميش بصدق: وحياة راسك يا اختي حرفيش ما بتفتحي سفرتك اليوم، اليوم الفطور من عنا، تفضلي ع الميسور!
- أمرك يا اختي يا رميش قالت حرفيش، واضافت رزق العرب مشترك!
- رائحة الزيتون المطعّم بالفيجن، الليمون وبقية التوابل فاحت من شرشف الزوادة، ريحة بتشد الظهر، الله يديمها نعمة ع جميع خلقو، كلو من حواضر البيت: جبنة، زيتونة، مخلل، كام قُرص عجّة، طبخة "منسوفة" مقلاّلها منيح، راسين بصل كبار، زيتات كثار وليمونتين حامضات، خبز صاج بلدي عربي ع الاصول، محمّر ومقمّر، يا هيك الخبز يا بلاش، مطعم بالذرا الصفرا مع بذور حندقوق، ليعطي نكهة اصيلة عريقة تعجز عن اعطائها اضخم الافران الحديثة. دورق مي، صنع راشيا الفخار، اغصان "الجعساس" الميرمية تسد الفتحتين لتمنع دخول الحشرات وتعطي طعما للماء الزلال والرزق الحلال.
حرفيش ورميش تتجاذبان اطراف الحديث عما يدور في خلد واجواء كل منهما، فشة غل، او فشة خلق، الواحد تشكو همومها للاخرى،
- رميش! الله وكيلك يا اختي فرقونا وشتتونا فرق، طوايف، مذاهب، عشاير ماروني، كاثوليكي، سني، شيعي، درزي ارمني وشو بدي أعدلك تأعِدلك!
- حرفيش، يا اختي لا تشكيلي ولا بشكيلك، من هالأبر المشرمة عنا قفف معرّمة، هذول اللي عنا ترباية انجليز وامريكان، كلام كالعسل وفعل كالاسل، اللي عندكو ترباية فرنسا بكشّروا ع نيابون ت الناس تهابون، لكن عنا ربك الحميد، الناس واعي وحافظين درس طيب الذكر رسام الكاريكاتير ناجي العلي، ابن قرية سجرة بين الناصرة وطبريا والعفولة ولوبيا لما الخواجا بيسأل المواطن انتي شو دينك، مسيحي ارثوذكسي، كاثوليكي، لاتيني ولا مسلم سني، شيعي او درزي، بيرد عليه المواطن: انا عربي يا جحش!!
- طمأنتيني يا اختي يا حرفيش، انتوا اهل فلسطين، آل تراب ع البركة والبساطة، وكمان عنا الناس واعي واقفة بالمرصاد، والمثل بيقول: إن خلت بلت! عنا مارون، حنا، الياس، ميشيل شراكة عمر مع محمد، علي وسلمان، داقين عود في عين الحسود.
بعد ان قبلت حرفيش خاطر رميش وتناولت من سُفرتها الميسورة الدايمة. قالت لأختها رميش، وحياة مار مارون والصالحين في مارون الراس، عيثرون ويارون، التحلاي من عندي، شرط في الحقلة ولا قتال ع البيدر!
- طيب بأمرك يا حرفيش، هاتي حلينا وسلينا، الله يجبر خاطرك مثل ما جبرتي خاطري.
تفلش حرفيش شرشف سفرتها: تين رصع، يابس، شريحة بياضي، مرمل، ما بتغدري تقيمي منو كوز الا بالقدوم او البلطة، حتى السكينة ما الها فعل في هذه الشريحة، والى جانبها معقود السفرجل، مع اليانسون والسمسم، والى جانبها شرائح القرع المعقد، اصفر اصفر زي الكاربة، الله يديمها نعمة! قالت رميش: بارك الله فيكي على هيك تحلاي، أي بلا كنافة بلا فطاير ولا شطاير، من طين بلادك حط ع خدادك ما حدا بيبدل ابنو الشرعي ببندوق، يا هيك يكون المعقود يا بلاش! يسلمو ايديكي!
- يالله الحديث بيطول وبيسرقنا الوقت، اسّا بتحمى الشمس، بتصير تقلي العصفور وما منعود نقدر نكمل، يا الله ع مارسك يا حبيبتي يا رميش، من وين بدك نبدا!
- خلينا نوخذ هذا الوجه في خلة العين، قبل ما ييجو ولاد الحلال من الرجيدة، سامعة صوت رنين اجراس الجمال من بعيد، بلا ما يصبّوا جام غضبهن علينا ويقولولنا ملتهين بِطقّ الحنك وسفسطة الحكي الفاضي اللي ما بيطعمي خبز!
- لأ، لا تغلطي رجالنا ولاد حلال طول عمرهن مكاتفينا ع الخير والشر الإجر ع الإجر والركاب ع الركاب، كلمة الحق لازم نقولها!
- الله يستر ع رميش وحرفيش، طول عمري بقول يا هيك النسوان يا بلاش! قالها ابو مارون بعد ان حيا الفلاحتين الاصيلتين، عاقلا جمله الاكحل، لئلا يعيث فسادا وخرابا في الغمار.
وقاطعه ابو محمد مكمّلا: بنات الاصول ما بدهن نخوة، حمالات الهموم دايرات ع سترة بيوتهن، إصبح تيسرح، ع بين ما رمينا حمال الجمال حصدوا النسوان وجهين كبار بيعجز عنهن اربع حصادين مهّار! هذول بركتنا بيبضوا الوجه.
لا تآخذونا يا جماعة الخير قالت رميش: استعوقناكو يا بو مارون ويا بو محمد، كسرنا السفرة قبلكو، لكن خير الله كثير، السفرة معلقة ع شجرة المل، صحتين وعافية، الاكل ع قدر المحبة، إيد الزاد طايلة، ما بدكو عزيمة!
وقبل ان يجلس ابو مارون وابو محمد لكسر السفرة، والا بضجيج وجلبة تخترق عنان السماء آتية من الشمال والجنوب على حد سواء، اصوات ولادية، صبيانية، قهقهات، صيحات، ضحكات، صغار يتقمزون هنا وهناك. البراءة، طيبة القلب، السذاجة، عصافير وازاهير تطير وتطير لتحط حيث تسرح وتمرح.
قالت حرفيش: جبنا سيرة القط إجا ينط، قلنا ما طلوا الاولاد علينا، برمشة عين كانوا بينا – مجموعتان شمالية وجنوبية: جانيت، مريم، جورجيت ، مارون، نقولا والياس وبالمقابل فاطمة، خديجة، ميسون، محمد، علي وعمر، ستة مقابل ستة، ثلاثة مقابل ثلاثة، ركاب ع ركاب، ما تجاوروا غير تتشاوروا، طعمة الله، قسمة ونصيب، يخلق من الشبه اربعين.
- قال ابو مارون مازحا: كثرة الاولاد قلة للزاد!
- انتي عمّال تمزح يا بو مارون قالها ابو محمد جادا: هذول عزوتنا، املنا تاج روسنا، ابناؤنا اكبادنا يمشون على الارض!
- لكن ما بيصيروا رجال حتى يهدوا رجال!
- الله كريم، إن طلعت ذقن ابنك احلق ذقنك!
تحلّق فريق كرة القدم المعزز بلاعبي التعزيز والمدربين حول شجرة المل وارفة الظلال، بدون عزيمة، تناولوا الزوادتين، خلطوا الاوراق ببعضها، بدون بسم الله او المجد لله، ايد الزاد طويلة، اللي بيوكل ع درسو بينفع نفسو، من هون طبخة مجدرة، من هون منسوفة، جبنة وزيتونة، مع شرائح التين والمعقود، يلا، مثل طبيخ النوَر، كلو بينزل ع المعدة، مطرح ما يسري يمري، حطّ الحمام، طار الحمام، زي الجراد، ما بيعوفوا شي، الاكل بين الجماعة طيب. هناك شجرة دوم، تحت الدوم يحلو النوم، لكن من اين للصغار ان يناموا، لا حاجة لكرة قدم او كرة سلة بين الفريقين، الدربي" "حرميش"، هكذا خبط لزق! لماذا المقدمات حرفيش ورميش، فهما وحدة واحدة "حُرميش" حلوة هذه اللافتة لهذا الفريق الطلائعي الذي يخترق الحدود المصطنعة بين ارض الجدود والجود والعهود.
حتى في المنامة، النوم ما فيه عشرة، مطرح الضيق بيوسع مية صديق، اهل رميش يغنون مع وديع الصافي:
للضيف مفتوحة منازلنا وعالكون مضوية مشاعلنا
بلا حدود بلا بطيخ اصفر او بطيخ ممسمر، البلد واحدة "حرميش" النومة ع السطوح بتشفي القلب المجروح، نام بكير وقوم بكر وشوف الصحة كيف بتصير!
- خلي الاولاد يلعبوا ويتهنوا، وإحنا يا الله ع وجه الحصيدة قبل ما تظهر الدنيا قالت رميش لأختها حرفيش!
- ردت حرفيش: اجيتك بقلب اقسى من قلب المرأة!
- المثل اللي بيقول ارض حرفيش لبيادر رميش، ما عاد إلو اساس!
- والمثل اللي بيقول اتعشى بحرفيش ونام في رميش ولّى الى غير رجعة!
- خلينا مع المثل الجديد طخ اللي طالع من الفرن طازة.
- تعشى بحُرميش ونام بحرميش، واللا انا غلطان يا ابو مارون!
- الحق معك يا بو محمد، كلنا ع باب الله، ما عاد حدود!!
صاح ابو مارون بعد جرة موال هزّت الجبال:
على الله تعود بهجتنا والافراح  وتغمر دارنا البسمة والافراح
قضينا العمر ولِف طل وولف راح  وضاع العمر بين الهجر والغياب!
- الله! الله! ع هالصوت المخملي اللبناني الاصيل، قالها ابو محمد جادا واضاف من عنده جرة موال كادت تهوي لها الجبال:
لأكتب على جبين الوطن موال  تراب الوطن ما نبدلوا بأموال
لا تحسبوا بجرة قلم تتملكوا  هالأرض مش شروى ولا اقوال
ام محمد وأم مارون ما عندهما وقت للمضيعة تقولان معا: يلا لاقونا ع هذا الوجه منهون! شمالتك يا بو مارون! شمالتك يا بو محمد!
- لعيونكو! اجيناكو بقلوب اقسى من قلوب النسوان! لاقونا على هذا الوجه من هون، بلا شمالتك، بلا عبطتك!
- إحنا بالجهد والله يعين وحياة عيون الحلوين!
- إحنا بالجهد والله يعين، لاقوني ع هذا الوجه من هون!
- لعيونك! جيناك بقلب اقسى من قلب المرأة!
الصبية يتعاونون على جمع الغمار في حملي جملين متساويين، قسمة الله حق، اللي ورثو ابوك إلك ولأخوك!! عيّشني للبيدر وسميني حيدر!، إتعشى بحرفيش ونام في رميش، ما عند قريش خبر، حكي حرفيش ورميش لأيش وعليش!!
- يا عمي دق المي، هي مي!!
- إحنا حرميش، واللي زعلان يدق راسو، طول عمرنا متفقين ع الخير والشر، الارض ارض ابونا والاغراب بدهن يطردونا!
- فشروا، بيقصروا، يد الله مع الجماعة، إحنا بلد وحدة ويد وحدة، احنا حرميش!! عاشت الوحدة!! لا يعجز القوم اذا تعاونوا!! آمين!!

نمر نمر
السبت 14/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع