في مفهوم الأدب الآسيوي



ما هو الأدب الآسيوي؟ من أي مناطق ينبثق هذا الأدب؟ هل ثمة وحدة تجمع الأدب في آسيا؟ أسئلة كثيرة تطرح نفسها عند التفكير بالأدب في آسيا مقارنة بالآداب في أفريقيا وأوروبا وأميركا الشمالية وأميركا اللاتينية. وعلى رغم وجود مراكز لدراسة الأدب في آسيا، أو لدراسة الأدب الآسيوي، في عدد من الجامعات الأميركية أو الآسيوية (ربما نستثني من ذلك الجامعات والمؤسسات الأكاديمية العربية)، إلا أن مفهوم الأدب الآسيوي لم يجد حتى الآن تحديدا نظريا يعرف معانيه والسياقات المعرفية التي يتحرك ضمنها، والسمات المشتركة التي تميزه عن غيره من الآداب الأخرى.
لعل الأدب الأوروبي، والأفريقي، والأميركي، أو الأميركي اللاتيني، في المقابل، قد حظي كل منها بعدد لا يحصى من الدراسات النظرية والتطبيقية التي تقرأ تاريخ تلك الآداب، والخصائص المشتركة التي تجمع بينها، وتجعل منها حقلا معرفيا قابلا للبحث والدراسة والتحقق. ربما يعود الأمر إلى كون تلك الآداب تمتلك بعضا من التاريخ المشترك ولحظات التكون الأولى ومعالم التطور الأساسية، أو على الأقل بعضا من التشابه والتوازي، بحيث أمكن جمع آداب شعوب ولغات مختلفة تحت مظلة اسم واحد. يصح الأمر على الأدب الأميركي اللاتيني، المكتوب باللغتين الإسبانية والبرتغالية، وهما لغتان تنتميان إلى العائلة اللغوية نفسها، كما أن شعوب أميركا اللاتينية تمتلك تاريخا متداخلا، وعوالم مشتركة من التجارب والصراعات ومحو الهوية والاستعمار، ما يجعل آدابها حقلا قابلا للقراءة والدرس والعثور على خيوط ناظمة تلحمها معا.
أما الأدب الأفريقي، المكتوب باللغات الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والبرتغالية، وعدد لا يحصى من اللغات المحلية، كالسواحلية والهاوسا، فإنه لا يقوم على تشابه العوالم اللغوية بل على وحدة التجربة الوجودية لشعوب القارة الأفريقية، على تاريخ العبودية الطويل المؤلم، وجرح الاستعمار، وسؤال اللون المؤرق في الآداب الأفريقية المختلفة. تلك هي الخصائص الفعلية التي توحد تلك الآداب الأفريقية، وأنا أفضل الحديث عن آداب لا أدب واحد، لأن جمع تلك التجارب الكثيرة المتنوعة المتشابكة تحت مظلة اسم واحد، يقلصها ويختزلها إلى كتلة صماء توهم بوحدتها فيما هي غنية متعددة كثيرة.
لكنّ ما يصدق على الآداب الأفريقية يصدق على الأدب الآسيوي، أو لنقل الآداب الآسيوية، لأن العالم الآسيوي واسع ممتد، فآسيا هي القارة الكبرى من حيث المساحة الجغرافية وعدد السكان (فهم يشكلون أكثر من ثلثي عدد سكان الكرة الأرضية)، كما أنها تمثل، من حيث التنوع اللغوي والتعدد الإثني، القارة الأغنى والأعرق بحضاراتها الكبرى الضاربة في التاريخ. لكن الآداب الآسيوية لم تدرس حتى الآن للبحث في تنوعها الخاص، وتجاربها اللغوية المتعددة، وصلات آدابها بعضها ببعض، والطاقات الإبداعية التي قد يكون عدد منها يمتلك خيوطا مشتركة ومساحات رمادية ينبغي التعرف الى ما تختزنه من تشابهات في العوالم والتجارب.
قد تكون حلقة البحث التي شاركت فيها الأسبوع الماضي، وقد أقامتها مجلة «آسيا»، الكورية الفصلية المتخصصة، في مدينة بوهانغ بكوريا الجنوبية، ودعمتها شركة بوسكو للحديد والصلب الكورية، التي تعد رابع شركة حديد وصلب في العالم (تصوروا أنها تعمل في بلد فقير الموارد لكن اقتصادياته مزدهرة وهائلة)، خطوة في الاتجاه الصحيح نحو قراءة الآداب الآسيوية بعيون جديدة، وعبر رؤية ترى ما هو مشترك وأساسي في تلك الآداب التي لا نعرف عنها شيئا إلا من خلال ما يرشح إلينا منقولا من الإنكليزية أو الفرنسية.
فليتعرف الآسيويون بعضهم على بعض بصورة مباشرة من دون الحاجة إلى المرور عبر المركزية الغربية.

فخري صالح
السبت 14/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع