الكاتب حسن البطل عن "سفر على سفر"
عملها ابن الدالية؛ كوميديا نكبوية!



هزهزتنا أمهاتنا على صغر لننام؛ واخونا الشقي سلمان ناطور، ابن دالية الكرمل، يهزهزنا في ثلاثيته.. لئلا ننام على ضيم النكبة. عظيم؟ أنا (ابن النكبة) كما سطرت عنوان عمود في ستينية النكبة؛ وهو ابن نكبة، كما أهدانا في ستينيتها كتابه الثاني من ثلاثة، المعنون (سفر على سفر).
هل الثلاثية السلمانية تشكل ما يشبه كوميديا نكبوية؟ عنونها مؤلفها بعنوان كبير جامع. (ستون عاماً؛ رحلة الصحراء) وخصّ كل كتاب منها بعنوان: (ذاكرة) صدر خريف 2006، و(سفر على سفر) صيف 2008، وسيصدر الثالث (انتظار) خريف 2008.
فاتني اول الثلاثية. سأصطاده، ولن يفوتني آخرها.. وآمل ان لا يفوّت الثلاثية اثنان: أمجد ناصر وعبد الفتاح القلقيلي. لماذا؟ لان في ما رفعته الى كوميديا نكبوية جواب سؤال طرحه أمجد حول ما دعاه فقر (السرديات) في الرواية الفلسطينية النكبوية - الملحمية؛ ولأن عبد الفتاح لقنني درساً في عمودي على اسلوبي، حول الفارق بين التهكم وبين السخرية. انزلني وقلمي الى عتبة التهكم.
هزهزتني رحلة ابن الدالية (في ما تيسر من رحلة الداخل ورحلة الخارج)، لأن اسلوبه، يجمع التهكم والسخرية والصيحة باسلوب طلي وساخن، كأنه قطرات من الشمع الذائب. يعذبون السجين بقطرات من الماء كأنها مطارق اليقظة على خدر النعاس.. فما بالك بقطرات الشمع الذائب على ذاكرة النكبة؟
سلمان، حتى في كتابه الأثير لديّ (.. وما نسينا) وكتابه اللاذع (خمارة البلد) أحكم عمله متسلحاً بعين ثاقبة تختص بها الأقلية (هو فلسطيني درزي)، وبعقل نيّر تختص به الفئة المثقفة، وأخيراً بميزة خاصة به، باعتباره خريجاً من خريجي حزب يساري ماركسي هو (راكاح).. وصحافي.. وكاتب وأديب.. وباحث!
هل خرج سلمان ناطور من معطف اسلوب إميل حبيبي، كما خرج هذا، مثلا، من معطف غوغول الروسي؟ سنتحقق عندما نرى (سفر على سفر) تنقل الكوميديا النكبوية من الكتاب والذاكرة الى خشبة المسرح والذاكرة، كما فعلوا مع رائعة حبيبي (المتشائل) مثلاً.
تعرفون كيف تشرّب إميل حبيبي رائعة غسان كنفاني (عائد الى حيفا) ولماذا أوصى بنقش قبره (باقٍ في حيفا)؟ وكيف تشرب سلمان ناطور رائعة معين بسيسو الشعرية الأخيرة (سفر.. سفر).. ولماذا عنون كتابه الثاني من ثلاثيته (سفر على سفر)؟
.. ولماذا ضجت الكنيست من قصيدة درويش (عابرون في كلام عابر)، ولماذا يفسر ابن الدالية هوس الاسرائيلي في تغيير اسم المكان الفلسطيني؟ يقول (لأنهم ذاهبون والمكان باقٍ باسمهم الى ان تزول رائحتهم الكريهة).. هذه فورة غضب مباشرة - ناشزة في سردية الكتاب الساخرة - المتهكمة. لا ينسى سلمان انه فلسطيني. جوة .. برة.. وعبر الخط الاخضر!
ميزة الكتاب، الذي وقعه مؤلفه على شرف مشاركة (دار الشروق - رام الله) وباصدار مؤسسة تامر، في ستينية النكبة. انه مشبوه في مطار اللد في طريقه الى: روما، باريس، ولندن.. ومشبوه في المطارات الاوروبية لانه يحمل (دقة زعتر) مثلاً (هذه هي لعنة الزعتر.. قلت للضباط - يكتبها بالانكليزية - هذا هو الزعتر. هل تعرف ما هو الزعتر).. في مقطع آخر (يا مستر! انتم استعمرتمونا بجهلنا، واذا بقيتم على جهلكم فسنستعمركم).
ننعطف مع البركة - اللعنة الزعترية الى حوارية جدّ طريفة بلغة عبرية معربة- عربية معبرنة بين أم صلاح وبعلها واسرائيلي يحمي الطبيعة ويغرمهم الفي شيكل.. وبعد سنة يفتح الاسرائيلي دكانة لبيع الزعتر والميرامية والزوفا والعلت..
في كل عاصمة يلتقي بفلسطيني منكوب يحن الى بيسان، صفد.. والخيرية (مطار بن غوريون). أسماء المنكوبين معروفة ومعرّفة، ويُدهشه الفنان سمير سلامة الصفدي - الفرنسي بطبخة عكوب في باريس. تعذبه بنت بيسان فدوى حبيب في نقاش (أي خوف مشروع اكثر؟ خوف الضحية أم خوف القاتل). في لندن يلتقي فلسطينياً يريد شراء لندن وتأجير بيوتها للطلبة الأجانب.. انتقاماً من شرور الانتداب!
يذهب، مندوباً عن المنفيين، الى مدنهم. في طريقه الى بيسان يقل بسيارته عجوزاً يهودياً، يعتبر شهامة سلمان آخر اليهود الطيبين. بعد نزوله يصعقه سلمان بالقول: سلام على الشعب الفلسطيني أيضاً، رداً على قول اليهودي: سلام على شعب اسرائيل.
عشرة آلاف سنة من الغزاة. تركوا أسماءهم وذابوا. كل ما يبقيه الغزاة يصبح لنا. هل يمكن تقاسم السيادة على التاريخ؟ أريحا تقف على احدى وعشرين طبقة.
(سفر على سفر) قرص C.D صلب جداً، سائل جداً. ساخن جداً. لاذع جداً. خذه رفيق سفر على سفر.

صحيفة "الأيام" رام الله 3 حزيران 2008

h_albatal@yahoo.com

حسن البطل
السبت 14/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع