خطاب الرئيس أبو مازن والفرصة الأخيرة



إنها الفرصة الأخيرة النظام السياسي الفلسطيني القائم والمنقسم بين نهجين وإستراتيجيتين متعارضتين ومتقاتلتين، قبل ان يصبح الفصل بين غزة والضفة نهائيا وغير قابل للرجعة، فقد بات واضحا أن مشروع التسوية والمفاوضات قد وصل لطريق مسدود، ومشروع المقاومة حتى تحرير فلسطين قد وصل لطريق مسدود أيضا

خطاب الرئيس أبو مازن يوم الأربعاء الموافق 4 حزيران الذي دعا فيه للبدء بحوار وطني شامل، يحتاج لقراءة متعمقة والتفكير الجاد بكيفية الإمساك بتلابيب فرصة أمل انتظرها الجميع، صحيح ان الفكرة الرئيسة التي فُهمت من الخطاب هي الدعوة للحوار لتنفيذ المبادرة اليمنية وقد فُهم من الخطاب أيضا انه حوار دون شروط مسبقة، وهو ما دفع حركة حماس للمسارعة بالترحيب بالدعوة- ولاحقا عقب مستشار الرئيس نمر حماد و صائب عريقات بان الشروط ما زالت قائمة، ونتمنى على الرئيس تعيين ممثل شخصي لسيادته مكلف بملف الحوار والوحدة الوطنية يعمل لجانب اللجنة الموسعة للحوار ويكون هو الناطق الرسمي والوحيد بهذا الشأن و إلا فإن كثرة التفسيرات والتعقيبات من المسؤولين قد تفشل الحوار قبل ان يبدأ. إلا انه في ثنايا الخطاب يكمن إحساس رجل دولة بخطورة المرحلة في ظروف باتت تهدد تهديدا حقيقيا النظام السياسي وتضع القضية الفلسطينية على تخوم المجهول، خطاب الرئيس هو خطاب أزمة بقدر ما فيه من بعث للأمل، ولا نستبعد أن يكون توقيت الخطاب في ذكرى عدوان حزيران 1967رسالة مبطنة من الرئيس باحتمال حدوث عدوان إسرائيلي جديد سواء كعدوان 67 على عدة جبهات بحيث يشمل غزة ولبنان وسوريا وربما مواقع بإيران أو مقتصرا على قطاع غزة وبالتالي أراد الرئيس تحميل كل القوى السياسية الفلسطينية والعربية والعالم مسؤولية مواجهة ما هو آت، وقد يكون الآتي أسوء من العدوان كتسوية تفرض على الفلسطينيين فإما يقبلونها وإلا فسيتحملون فشل التسوية.
خطاب الرئيس يتضمن فرصة أخيرة، ولكنها ليست فرصة أخيرة للشعب الفلسطيني، فلا فرص أخيرة عندما يتعلق الأمر بحق الشعوب بتقرير مصيرها وبمستقبل الشعوب، وشعبنا الذي صبر ستين عاما من النكبة والنضال قادر على الصبر وخلق أساليب نضالية جديدة دون النخب السياسية القائمة ومؤسساتها المأزومة. الفرصة الأخيرة التي نقصدها هي فرصة النظام السياسي الفلسطيني القائم والمنقسم بين نهجين وإستراتيجيتين متعارضتين ومتقاتلتين، إنها فرصة أخيرة قبل ان يصبح الفصل بين غزة والضفة نهائيا وغير قابل للرجعة، فقد بات واضحا ان مشروع التسوية والمفاوضات قد وصل لطريق مسدود، ومشروع المقاومة حتى تحرير فلسطين قد وصل لطريق مسدود أيضا، وبالتالي فان خطاب الرئيس هو فرصة أخيرة لمشروعين مأزومين ونخبتين سياسيتين مأزومتين أدى خلافهم لتقسيم ما كان يُفترض ان تكون أرض دولة المشروع الوطني الفلسطيني، وبالتالي فهي دعوة للمصالحة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من النظام السياسي والمشروع الوطني.
إن التعامل العقلاني مع المشهد السياسي الفلسطيني انطلاقا من خطاب الرئيس يحتم تجاوز كثير من أوضاع وتوصيفات لأوضاع وعلاقات وشعارات كانت تتمترس حولها القوى السياسية وخصوصا حركتي حماس وفتح، وللأسف لم يعد قرار عودة الأمور لما كانت عليه قرارا فلسطينيا خالصا، ولم تعد وسائل وأساليب الوساطة والمصالحة السابقة تصلح اليوم. نقول هذا حتى لا تتكرر التجربة المريرة للقاء مكة وما انتج من حكومة محاصصة، حيث كان كل طرف يريد ان يجني أكثر قدر من مكاسب السلطة وان يسجل لنفسه نقاط نصر على خصمه، دون ان يتم التعمق بالقضايا الوطنية الاستراتيجية، أو ما نسميها بثوابتنا الوطنية التي تحكم علاقاتنا ببعضنا البعض، وتناسى المجتمعون في مكة الدور الإسرائيلي والعلاقة مع العالم الخارجي.
لا شك انه موقف وطني و شجاع ان يعلن الرئيس بدء الحوار مع انه يعرف تداعيات ذلك على علاقات السلطة بواشنطن وتل أبيب، وكان موقفا مسؤولا وحكيما الذي عبر عن إسماعيل هنية رئيس وزراء الحكومة المقالة، ولكن المواقف الوطنية والشجاعة للقادة وفي حالة كالحالة الفلسطينية الراهنة لا تكفي لوحدها لحل الإشكالات العالقة، ولذا فإن صيرورة إرادة المصالحة في خطاب الرئيس واقعا تحتاج لشجاعة وصراحة من المتحاورين للغوص في جوهر القضايا الخلافية، ونعتقد ان أهم القضايا التي يجب مناقشتها :-
1. يجب التخلي عن المكابرة وان يعترف كل طرف بأن نهجه ورهاناته وصلت لطريق مسدود، فالمفاوضات وصلت لطريق مسدود وسياسة إطلاق الصواريخ والمراهنة على شعارات المقاومة وصلت لطريق مسدود أيضا، وبالتالي فالمطلوب استراتيجية فلسطينية جديدة يتفق عليها الجميع، تجمع ما بين الحق بالمقاومة والاعتراف بالشرعية الدولية وبمبادرة السلام العربية، بما يتضمنه الاتفاق من تقديم تنازلات قد تعتبر مؤلمة للطرفين، ولكن ان نقدم هذه التنازلات المؤلمة لبعضنا البعض أفضل من تقديمها للعدو، وقد قدم الطرفان ما يكفي من تنازلات لإسرائيل، سواء على طاولة المفاوضات أو من خلال استجداء هدنة في قطاع غزة.
2. يجب ان تعترف حركة حماس بأن فوزها بالانتخابات التشريعية وإن كان يعطيها الحق بتشكيل حكومة فلا يعطيها الحق بتجاوز منظمة التحرير لأن المجلس التشريعي والحكومة والأجهزة الأمنية هي مكونات السلطة الوطنية التي أسستها منظمة التحرير في إطار عملية التسوية وما انتجت من اتفاقات.
3. الانقلاب أو الحسم العسكري الذي أقدمت عليه حركة حماس لا يؤسس شرعية ولا يدعم شرعية، وبالتالي لا يمكن أن تكون نتائجه أرضية صالحة للحوار، بغض النظر عن التبريرات التي تعطيها حماس لما أقدمت عليه.
4. وفي المقابل فإن اشتراط العودة لما قبل الانقلاب أو المطالبة بتراجع حركة حماس عن انقلابها هو شرط مبهم، إن لم يكن تعجيزيا، فالوضع السابق للانقلاب ليس مشجعا للعودة إليه، فهو الذي انتج الأزمة وكان نتيجة لأزمة أيضا.
5. الحسم العسكري الذي أقدمت عليه حركة حماس خلق وقائع على الأرض بل أقام مؤسسات حكومة وسلطة وعلاقات خارجية، وحركة حماس وحكومتها قامت بأعمال ولَدت أحقاد ورغبات بالثأر والانتقام من المتضررين من الانقلاب، ولذا فإنها لن تتراجع عما أقدمت عليه دون ضمانات بعدم حدوث حالات ثأر وتصفية حسابات.
6. ولهذا يجب ان يبدأ الحوار حول مفهوم تراجع حماس وكيفية العودة، وما هو الوضع الجديد الذي سنبدأ منه مرحلة جديدة وليس العودة إليه، الأمر الذي يتطلب وجود طرف ثالث (عربي) في البداية لضمان ما يتم الاتفاق عليه. إلا انه يجب الحذر ان يكون التوافق الداخلي نتيجة إكراه أو انعكاس لتفاهمات إقليمية، و إلا سينهار الاتفاق تحت تأثير أي تغيير بالمعادلة الإقليمية.
7. لقد بات واضحا بان إنهاء الفصل بين غزة والضفة وعودة توحيد شطري الوطن في نظام سياسي واحد وحكومة واحدة يتطلب موافقة إسرائيلية، و إلا كيف سيتم التواصل وإسرائيل تفصل بين الضفة وغزة؟وبالتالي فإن إسرائيل ستكون الشريك الثالث والخفي في حوارات المصالحة.
8. إن أرادت حركة حماس ان تكون جزءا من نظام سياسي فلسطيني واحد والقطاع، بما يتضمنه من حكومة ومؤسسات وعلاقات دولية، فعليها ان تدرك بان هذا النظام لن يستطيع العيش دون موافقة دولية وخصوصا من الدول المانحة، وهذه الدول لها شروط يجب أخذها بعين الاعتبار وعلى رأسها الاعتراف بإسرائيل وبالشرعية الدولية.
9. إن لم تشأ حركة حماس الاعتراف بإسرائيل وبخيار السلام وبالشرعية الدولية -وهذا من حقها-فعليها ان تتخلى عن السلطة وتقبل بلعب دور المعارضة البناءة في المؤسسة التشريعية، أو ان تقنع الطرف الثاني بضرورة الخروج من العملية السلمية وإنهاء وجود السلطة الفلسطينية سواء أو قطاع غزة.
10. في حالة فشل الحوار بتوحيد شطري المشروع الوطني حسب المبادرة اليمنية، سواء لأسباب فلسطينية أو لأسباب خارجية، يجب البحث عن صيغة للتعايش السلمي بين كيانيين سياسيين فلسطينيين منفصلين تربطهم مرجعية سياسية واحدة ولو بشكل رمزي، لحين توفر ظروف أفضل لتنفيذ المبادرة ولاستنهاض المشروع الوطني. وهذا يتطلب قيام الرئاسة والمنظمة وحكومة دكتور فياض بدعم الجهود لرفع الحصار عن غز، وعدم إعاقة حركة حماس لجهود التسوية التي يقوم بها الرئيس أبو مازن لتحقيق انسحاب إسرائيل من الضفة بما فيها القدس.
11. قد تشكل الانتخابات الرئاسية والتشريعية مخرجا للنظام السياسي من أزمته، ولكن تجنبا لعدم تكرار ما جرى في انتخابات كانون الثاني 2006، يجب الاتفاق بداية على الثوابت والمرجعيات، وتصبح الانتخابات هي سباق، الفائز فيه يُكلف بقيادة حكومة مهمتها العمل لتنفيذ هذه الثوابت، والخاسرون في الانتخابات يشكلون معارضة ولكن في حدود نفس الثوابت والمرجعيات.
نخلص للقول بضرورة ابتهال مبادرة الرئيس للبدء فورا بالجلوس على طاولة المفاوضات وضرورة عدم توقف الحوار او الإعلان عن فشله. هناك أمور كثيرة يمكن الاتفاق عليها للخروج من المأزق المشترك للطرفين وللمشروع الوطني، وليس بالضرورة ان يكون نجاح الحوار مرتهن بالعودة للأوضاع ما قبل الانقلاب.


(عن "الحياة الجديدة")

د. إبراهيم أبراش
الأثنين 16/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع