حكايات من بلدي الطيبة في خمسينيات القرن الماضي



لقد طالعت كتاب"يوميات برهوم البلشفي" الذي قدمه لي هدية د. خالد تركي نجل ابراهيم تركي.. وقد اعادتني هذه المذكرات او اليوميات الى السنين التي عشناها من الخمسينيات في حياة  حزبنا الشيوعي الاسرائيلي اليهودي العربي. وقد تعرفت على فرع الحزب الشيوعي في الطيبة لاول مرة في اوائل الخمسينيات من خلال اشتراكي في اجتماع حي في منزل محمود الفحل عضو الحزب الشيوعي بدعوة من احد اعضاء الحزب صالح القفيني، وبعدها قررت الانضمام الى فرع الشبيبة الشيوعية في الطيبة وعندما تقدمت في العمل الحزبي حصلت على الموافقة لقيادة خلية حزبية كان سكرتيرها آنذاك طيّب الذكر احمد حسن حبيب.
لقد تقدمت في عملي وبتنظيم اعداد من الشباب للانضمام الى صفوف الشبيبة الشيوعية والحزب الشيوعي في الطيبة، واذكر انني اقنعت شخصين وهما عبد الفتاح عمر ياسين واحمد يوسف شيخ يوسف للانضمام الى صفوف الشبيبة. وفي تلك الايام كانت ظروف العمل صعبة بسبب الحصول على تصاريح الحكم العسكري في منطقة المثلث للذهاب الى العمل في تل ابيب وضواحيها فقرر الحزب ارسالي مع الرفيقين الجديدين المذكورين الى مدينة حيفا والطلب من قيادة الفرع الحزبي في المدينة بالتفتيش لنا عن اماكن عمل.
ولم يتوفق رفيقاي في الحصول على عمل بينما نجحت في ذلك، حيث عملت في سوق الخضار لمدة شهرين في منطقة وادي النسناس وكنت انام في مكان العمل. واخيرًا طلبت من سكرتير خلية الشبيبة ابراهيم تركي بالانضمام اليها لأني ارسلت من قبل الحزب الشيوعي في الطيبة الى فرع الحزب في حيفا للاستفادة من نضالات الحزب في هذه المدينة.
وقد تعرفت على الشاعر عصام العباسي وقال لي انه جاء من طول كرم حيث عاش فيها سنوات عديدة والآن فهو مسرور لهذا اللقاء لكوني من سكان الطيبة القريبة من مدينة طول كرم واريد ان اتقدم لك بقصائد شعرية اسبوعية لتقرأها وتفهمها لتلقيها في الندوات عن ظهر قلب وقد قمت بالواجب. واذكر انه كانت رفيقة يهودية حيفاوية قد طَلب منها ما طُلب مني.. واذكر انني توجهت الى الرفيقة علي عاشور مدير مطعم قوت الكادحين فقبل مني هذا العمل واعطاني امكانية النوم في غرفة اعضاء العمال من عاملي المطعم والذين لا اتذكر اسماءهم ومنهم من جاء من الناصرة للعمل في قوت الكادحين اياه.
واذكر ان الرفيق ابراهيم تركي الذي تعرفت عليه في ذلك الوقت قد طلب مني الانضمام الى فريق كرة القدم التابع للشبيبة الشيوعية آنذاك وطلب مني مدير المطعم علي عاشور التعاون مع الرفيق داوود تركي لتوزيع ما تحتاجه جمعية قوت الكادحين لتزويدها بهذه المطالب، وكنا نستخدم عربة متواضعة نقودها بأيدينا ونوقفها باقدامنا لتوزيع مطالبهم واذكر انه مرة كنت واقفا في مطعم قوت الكادحين واذا بعنصرين الشرطة دخلا الى المطعم ولانني لم احمل تصريح خروج من الطيبة بل جئت مهربا الى حيفا كما ذكرت دخلت غرفة الحمام ورآني احد عمال المطعم فدق على الباب وطلب مني ان اخرج من الحمام وكان يناديني باسم محمود وليس محمد ولما خرجت كان الرفاق واولهم عباس زين الدين قد طوقوا الشرطيين. ولكن الشرطيين طلبا مني هويتي ولما رأيا الهوية اعادها لي وقالا لي نحن نفتش عن جنود الخدمة في الجيش الاسرائيلي وليس على احد آخر وهكذا انصرفا وفتح الرفاق عملية تطويق الشرطيين اللذين انصرفا خارجين من المطعم وانا تنفست الصعداء.
بعد ذلك توجه اهلي الى سكرتير الحزب الرفيق عبد الحميد ابو عيطة طيب الذكر وطلبوا منه الاتصال بالحزب في حيفا من اجل عودتي اليهم بعد ان مضى على وجودي في حيفا عدة اشهر(خمسة اشهر) لم يروني خلالها فما كان من سكرتير الفرع ابو عصام الا ان تجاوب مع مطلب امي وابي وكان ذلك في سنة الـ 54 ثم ما لبث والداي ان توفيا فيما بعد .
وعندما عدت الى بلدي الطيبة طلبت من فرع الحزب تنظيم جمعية لقوت الكادحين على غرار جمعية حيفا وقد نجحنا في اقامتها وعندما عدت الى الطيبة وفي طريقي وقبل أن أضع قدمي على أرض البلد وعلى الشارع العام كان ركاب سيارة حرس حدود دروز ويهود قد اطلقوا رصاصة تجاهي فوقفت وطلب مني العودة اليهم حيث كنت قد وصلت الى دار بلعوم القريبة من بداية الشارع الذي يبدأ بالدخول الى ارض الطيبة غير المعبدة وآنذاك ولما رجعت الى سيارة الشرطة سألني احد الجنود من اين انا قادم قلت لهم انا قادم من قلنسوة فقال لي الضابط المسؤول ولكنك تحمل مجموعة من الكتب الشيوعية والفلسفية انت قادم من بلد النار الحمراء قل الحقيقة وعليك الأمان وطلب من الجنود زملائه عدم مسي بشيء هذا الشاب ويعني انا فقلت له انا اكبر الاخوة في دارنا وابي وامي عجوزان وانا خرجت للعمل من اجل اعاشة عائلتنا، فاجابني ولماذا لم تطلب تصريحا من الحاكم العسكري، فقلت له لقد طلبت ذلك ولكن الحاكم العسكري رفض طلبي لان اسمي مقيد في سجل القائمة السوداء عندما وصلت قادما من حيفا الى"بيت ليد" فقد كان سيرًا على الاقدام، ولاني اردت الابتعاد عن الباصات وحركة السير حتى لا تعتقلني الشرطة واكملت السير على الاقدام حتى وصلت بيتي ولما رأى المسؤول عن هذه الفرقة صدق كلامي اطلق سراحي وحياني وعرفته انه جندي من اخوتنا بني معروف
ومنذ ذلك الوقت ومن ايام النفي الاولى والثانية أكن المحبة والاخلاص للقوى التقدمية في ابناء بني معروف الاشاوس. لقد لعبت الشبيبة الشيوعية في الطيبة دورا هاما في حياة الحزب الذي لا يمكن ان يتطور بدون رفاق الشبيبة الشيوعية الحارس الامين في نضالات الحزب.
في الايام الاولى للحكم العسكري عاشت قرانا بدون كهرباء فكنا ننظم مسيرات جماهيرية في شوارع الطيبة يقوم بها افراد الشبيبة الشيوعية بقيادة سكرتارية الشبيبة في كثير من الليالي حيث، كانت تبدأ المسيرة من نادي الحزب وتجول الحارة الشرقية والشمالية وتلف شوارع منطقة عبد القادر جنوب وسط الطيبة وتنتهي الى مقهى ابو العيهة القريب من موقف سيارات مدينة كفار سابا ونلقي كلمة نهائية في هذه المسيرة دون ان نطالب بتصريح من الحكم العسكري. كانت شروط العضوية في الشبيبة الشيوعية حينذاك هي اولا دفع اشتراك العضوية سلفا وحفظ الاناشيد عن ظهر قلب وعندما كنا ندخل قاعة نادي الشبيبة الشيوعية الذي كان يتنقل من حارة الى حارة ونقوم بدفع مصاريف النادي اعضاء الشبيبة قبل اعضاء الحزب وكنا نبدأ الندوة مثلا او اجتماع الخلية الشيوعية بالاناشيد الثورية وهذا الامر كان يشد حماس الشباب الذي من  كانوا يأتون ويقفون على باب النادي والبعض ندعوه الى الدخول وهكذا تطورت صفوف الشبيبة الشيوعية في الطيبة. ومن الجدير بالذكر ان الشبيبة الشيوعية اليهودية العربية كانت تقوم بلقاءات عديدة فيما بينهما يزورون الطيبة ونحن نزورهم في تل ابيب ومنطقة السهل القريبة من قري الطيبة آنذاك ومنطقة السهل تضم مدينة بيتح تكفا وضواحها . كما ان الحكم العسكري كان يفرض على العديد من قيادة الشبيبة والحزب الاقامات الجبرية في منازلهم لفترات طويلة ومرة قررت قيادة الشبيبة الشيوعية لتنظيم احتفال بمناسبة ثورة اكتوبر ولاننا لم نطلب تصريحا لهذا الاحتفال فقد هاجمتنا مجموعة من رجال الحكم العسكري الذين يرتدون الحطة والعقل للتضليل وقام افراد هذه الشرطة بدورهم في تفريق المسيرة الكبرة وتم اعتقال عدد من قيادة المسيرة، وهم ياسر جبالي ومحمد عواد غنيمة وكاتب هذه السطور ورفيق آخر كان باسم يوسف سبيلي. ونقلوا الى مركز بوليس بيتح تكفا كما اذكر.
وليعذرني رفيقي لانني نسيت اسمه ولا ارد اهانته بهذا اللقب. لعدة اسابيع لان رفاقنا في قيادة الحزب تدخلوا وخصوصا من اعضاء القيادة امثال فيلنر وتوفيق طوبي وغيرهم مما اضطر الشرطة الى اطلاق سراحهم.
ولكن الاقامات الجبرية لعدد من قيادة الحزب والشبيبة استمرت آنذاك حتى الثمانينيات. وكذلك تصاريح الذهاب الى العمل في تل ابيب وضواحيها أيضا.
تجارة التصاريح واذكر ان الحزب قد قدم لي على يد زاهي كركبي موافقة على قيامي العمل بالعمل كصحفي معتمد في منطقة المثلث وهذا الامر دفع مسؤولي الحكم العسكري في الطيبة لدعوتي الى مركز شرطة الطيبة ليحققوا في اسباب الخبر الذي كتبته وارسلته الى جريدة الاتحاد والذي عنونته بتجارة التصاريح وأخذ يسألني عن اسماء قريبة للشرطة انهم يتاجرون بالتصاريح فرفضت الاجابة على هذه الاسئلة وقلت له انك بنفسك تعرف من هم هؤلاء التجار. وحاول ان يتودد الي من اجل الاقلاع عن هذا النشاط السياسي فرفضت هذه المحاولة الباخسة وقلت له سأستمر في النشاط السياسي كصحفي في منطقة المثلث وضواحيها وسأستمر في نقل جريدة الاتحاد الى القرى المجاورة وتوزيعها اسبوعيا حيث كانت جريدة الاتحاد الاسبوعية مثل، للطيرة وقلنسوة والقرى البيضاء الاخرى المجاورة مثل بير السكة ويما وباقي القرى المجاورة حتى نجحنا باقامة فروع للاصدقاء اولا وخصوصا في فرع جت وابثان وغيرها حتى تحولت الى فروع شبيبة وحزب في منطقة زيمر هذه الايام ولا ننسى فرع باقة الغربية الذي كان يقوده طيب الذكر ابراهيم بيادسي وغيره من الاخوة والرفاق.
واذكر ان رجال الحكم العسكري واعداء جماهيرنا العربية عندما جرت حرب الـ 67 ونجحت حكومة اسرائيل في ضم مناطق عديدة من الضفة الغربية وغزة ومناطق من لبنان والجولان السوري ومناطق عديدة في مدينة القدس والعبث في مقدسات الاقصى التي لا تزال تقمع تحت حكم قادة اسرائيل واللذين يستمرون في تهويد هذه المناطق واقامة الاسوار التي تحرم اصحاب الاراضي المحتلة من الوصول الى اراضيهم وزيتونهم ويتآمرون اليوم ويتحدثون عن اعمال الترانسفير على منطقة المثلث وخصوصا مدينتي الطيبة وام الفحم ويتنكرون ولا يعترفون بقيام الدولة الفلسطينية ويتآمرون على السكان وخصوصا في غزة. يريد ان اعود الى اعمال العدوان الذي قام به شرطة الطيبة والتي اعتقلت العديد من الشباب في المدينة في الايام الاولى من احتلالهم للمناطق المحتلة ومنهم عبد العزيز ابو اصبع، لطفي غنيمة ومحمد الطيبي وآخرون من رفاق واصدقاء لا اذكر اسماءهم، وجميع هؤلاء تعرضوا للضرب المبرح حتى ادموهم، وقد قمت بجولة على منازلهم وكتبت خبرا عن احوال هؤلاء الذين تعرضوا للضرب.
اذكر انه عقد في احدى الدول الاشتراكية مهرجان للشبيبة الشيوعية اليهودية – العربية وسافر عدد من الشباب اليهود والعرب، وبعد انتهاء مراسيم الاحتفال في منطقة تل ابيب على نهر اليركون قمنا ثلاثة رفاق للذهاب الى منطقة قريبة من مدينة الخليل وكان المسؤول على هذه المنطقة اسماعيل العزي كما اذكر وكانوا يزرعون هذه الاراضي التي هجرها سكانها منذ الايام الاولى من ايام النكبة، واذكر اننا عملنا في اراضيهم الزراعية عدة اسابيع. ولكن في اليوم الاخير تآمروا علينا وحضرت الشرطة التي طوقت المنطقة والقت القبض على جميع العمال وكان عددهم 29 عاملا وكنت مع الرفيقين عبد الفتاح ابو سارة وعبدالله حزبون جمعونا في ساعات الـ 12 ليلا وقاموا بالتحقيق معنا وتوزيعنا على العديد من اماكن الشرطة وفي صبيحة اليوم الثاني نقلنا الى مركز بوليس الطيبة وهناك نقلنا في اليوم الثاني الى دائرة الحاكم العسكري في الطيبية الذي بدوره حبّانا إما السجن او دفع الغرامات ففضلنا السجن وكان اصغر من معنا سليم وهدان عازم ويوسف طيبي. واثناء وجودنا في السيارة الكبيرة كنت انشد لهم وهم يرددون ورائي الاناشيد الثورية والحماسية.

(الطيبة)

محمد ابو اصبع *
الأربعاء 18/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع