ألنتن والأنتن منه



كأنني فتحتُ على نفسي بابا للريح في يوم شديد البرودة. إذ ما كدت اعلن عن نيتي تقديم هدية للمرشح الدمقراطي الامريكي، براك اوباما، حتى انهالت عليّ المكالمات من كل حدب وصوب، يطلب فيها المتصلون ارسال هدايا اخرى معي لعناوين اخرى. كان أبرز هؤلاء ابن مدينة الطيبة صديق أبي سلام. "أطنب علي"، "وأمّنني امانة" ان آخذ معي هدية لتلك الممثلة الفرنسية "المحتشمة"، و"اللابسة من غير هدوم". أربكني طلب ذلك الطيباوي الذي تكتّم على هويته، كأنني سأسلمه الى المخابرات الفرنسية فور وصولي الى مطار شارل ديغول في طريقي الى واشنطن! بماذا يمكنني ان ارضي تلك الفاتنة؟
قلت في نفسي، ما دمت قد بدأت بالهدايا الحيوانية، وقدمت للمرشح الرئاسي تلك الدابة، فلماذا لا أبحث عن حيوان آخر، يصلح لتلك الممثلة الناعمة الملمس كالقشدة، رقيقة الحواس والعواطف؟! خاصة وان لهذه الممثلة موقفا انسانيا متميزا من الحيوان! فهي لم يهتز لها نهد لمشهد الغزيين وهم يسحبون ما خلّفته طائرات النجمة السداسية من انصاف اطفال وأشلاء نساء، من تحت انقاض بيوتهم. حزنتْ كثيرا وفرت الدمعة من عينيها الزرقاوين لمشهد "المتخلفين" العرب والمسلمين، وهم ينحرون الحيوانات. يا لقسوة قلوبهم!! ترى ماذا تفعل الاقوام الاخرى بالأغنام والماعز؟ يصمدونها على "مرتبة" ويشرعون بالغناء لها! يا بنت الأوادم!!
ومع ذلك فقد اوصيتُ المعّاز (مع لحمة العيد)، على فحل ابن سنته، شبعان من حليب امه، يصلح للنطاح ولمهمات اخرى قد تستجد.
هذا الاسبوع لم استغرب المفاوضات غير المباشرة التي بدأت بين سوريا وحكومة اسرائيل، الموشك عمرها على الانقصاف. ولم استغرب ذلك الحب المفاجئ الذي تبديه ادارة ساركوزي تجاه النظام السوري، الذي كان وما زال في نظر امريكا وشراشيبها من فرنسيين وانجليز، احد اقطاب محور الشر، على حد تعبير "الكاتب الاديب" جورج دبليو بوش.
ما استغربته حقا هو: كيف لم يفكر الشفاعمريون في اتباع منحى الهدايا بدل القتل!! فما اهمية مقتل اربعة منهم "دعسوا" على ذيل القانون، وكان بامكان حماة هذا القانون ان يدينوهم في ردهات العدالة الاسرائيلية، حتى وهم في العالم الآخر! أليس لهم ورثة واقرباء؟ فليتحملوا عنهم العقوبة!
كان الهدف من شن حرب تموز سنة 2006 على لبنان (ما زلت في نفس الموضوع)، هو الهدف نفسه الذي ما زال الممحونون في لبنان، و"اشباه الرجال" في النظام العربي، يصدرون على تحقيقه حتى الآن، نزع سلاح حزب الله، وقتل – اجل قتل – امينه العام. وكانت الخطط جاهزة لتحقيق ذلك. ولم يكن أسر الجنديين اللذين اُرغمت اسرائيل على مبادلتهما بالأسرى اللبنانيين احياء وجثثا، سوى القشة التي انتظرها حكام اسرائيل بفارغ الصبر. شيء واحد "بسيط" لم يحسبوا حسابه، ان يواجهوا مقاومة مصممة على الصمود. اقرأوا ما كتبه عوفر شيلح ويوآف ليمور في كتابهما "اسرى في لبنان".
كانت خطط الجوارير (الادراج)، تحمل اسماء شتى منها ما يلي:
1) "حجارة نارية، وهو تمرين عسكري لقيادة الاركان العامة، جرى في تموز سنة 2004، تم خلاله التدرب على مفهوم الحرب في لبنان".
2) "درع البلاد"، وهي خطة الجيش الاسرائيلي لحملة واسعة في جنوب لبنان، صودق عليها في تموز سنة 2004"، ثم تم تعديلها تحت اسم مشابه بعد انسحاب السوريين من لبنان، فلكل ظرف السيناريو العدواني الذي يناسبه!
يقول المؤلفان: "كانت ملفات العمل جاهزة منذ تموز سنة 2005، أي قبل الحرب بسنة كاملة". ويتابعان: "كان سلاح الجو قد اقام في جنوب البلاد، نموذجا لكي يتدرب الطيارون فيه على قصف اهداف مشابهة للاهداف التي تنتظرهم في الجنوب اللبناني"!
ولم تكن البنية التحتية اللبنانية، ولا الجسور، هي وحدها ما يجب القضاء عليه. كان ثمة جسر وحيد، هو الذي تقوم عليه كل المقاومة – كما يعتقدون – ينبغي تهديمه. فإذا امكن قتل هذا المسمى حسن نصرالله، تم للمخطط الامريكوسرائيلي كل شيء، "وارتاحت البلاد اربعين عاما"، مقولة مناحيم بيغن، ذات عدوان سابق على بلاد الأرز. كأنهم نسوا انهم خلال سعيهم لتركيع الشعوب قتلوا مئات القادة المناضلين، لكن كفاح الشعوب لم يتوقف، بل قام قادة أصلب عودا وأشد تصميما.
- "هل يمكننا ضرب (قتل – الكاتب) نصر الله؟ سألت (تسيبي ليفني)".
- "ليست لدينا معلومات استخباراتية كافية. اجاب حلوتس".
ما كان معروفا هو ان حسن نصرالله موجود داخل احياء سكنية، وهم لشدة "انسانيتهم" يخشون من ان يؤدي قصف هذه الاحياء، الى سقوط مدنيين، كما حدث، ربما، لدى اغتيال صلاح شحادة، وأدى الى مقتل عشرات الاطفال والنساء، والى اهتزاز ذيل طائرة حلوتس هزة خفيفة كلسعة نملة!
لكن خشبة الخلاص كانت جاهزة للتبرع بفطنتها القضائية، تدخلت خشبة الخلاص واسمها ما زال ميني مزوز، للتأكيد على انه "مسموح، حسب القانون قصف المنازل السكنية، وان بوسعه الدفاع عن عملية القصف قضائيا اذا ما طلب منه ذلك"!
ولقد كرر مزوز هذه "الاريحية" ثلاث مرات خلال ثلاث جلسات حكومية. فهل كان ذلك في ذهن جندي "جيش الدفاع نتان زادة، حينما استقل حافلة الباص الى شفاعمرو، بهدف قتل اكبر عدد ممكن من العرب، مطمئنا الى ان ثمة في اسرائيل "الدمقراطية" من يحمي الجريمة شريطة ان يكون الضحايا عربا!؟ سوء حظه فقط هو الذي جعله يكتفي بأربعة، قبل ان يلفظ آخر انفاسه. لقد "اخطأ" الشفاعمريون حين عمدوا الى قتله!
وماذا كان عليهم ان يفعلوا لارضاء "المزاويز" الكثر في بلادنا؟ اولا: كان عليهم ان يسقوه "طاسة الرعبة" لكي يسترد هدوءه وصفاء ذهنه.
ثانيا: ان يقدموا له الهدايا، صفط حلوى عربية، بقلاوة، كنافة، زنود الست الخ..
ثالثا: ان يقدموا له باقة ورد لمناسبة عيد ميلاده العشرين، ثم ان يدعوه الى فنجان قهوة، وبعد ذلك يرتبون قعدة ودية بين اهالي هزار ودينا تركي وميشيل بحوث ونادر حايك، لتصفية القلوب، عملا بروح مؤتمر الديانات الذي انعقد في الرياض مؤخرا. وعفا الله عما مضى، و"الاعمار بيد الله"!
لكن الشفاعمريين أبوا الا ان "يمسوا سلطة القانون"! "مجرمون"!! صحيح ان ثمة "نتنا"، لكن ثمة انتن، هم اولئك الذين يتطوعون لحماية النتناء جميعا..
***

*ومضة*

99,99% مما تنشره الصحف باعتباره شعرا، هو اقرب الى الشَّعر النابت في اجزاء الجسم المختلفة والذي يسعى الناس للتخلص منه!

يوسف فرح
السبت 21/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع