حزبنا الشيوعي يُحيي 90 عامًا من النضال:
ذكريات خِتيار لم تمُتْ أجياله (24)



*رفضت الجماهير مثل هذا العطاء "السخي" وبقيادة الحزب الشيوعي وقفت بحزم ضد هذه المؤامرة الخطيرة على الاراضي العربية* الحكومة أعلنت عن إقامة احتفال لتدشين كرميئيل، يوم الذكرى الثامنة لمجزرة كفر قاسم البشعة* من الواضح جدا ان سياسة حكام اسرائيل كانت وما زالت تعمل بمختلف الاساليب العنصرية والوقحة من اجل تجريد الجماهير العربية مما تبقى لها من الاراضي*


 


شنت السلطات في سنة 1964 هجمة جديدة على الاراضي العربية، وفي أوائل شهر آب من العام نفسه أصدر وزير "الأمن" قرارا باخراج جميع سكان منطقة "9" من اراضيهم وبيوتهم، وبشكل خاص عرب السواعد الذين يعيشون في تلك المنطقة منذ ما قبل الانتداب البريطاني، وكانت السلطات قد قامت بهدم عدد من بيوت عرب السواعد (أنظر/ي صورة عملية الهدم البشعة إلى جانب المقال)، وكانت قد جرت محاولة من قبل وزير "الأمن" من أجل مصادرة الاراضي الخاصة التي تقع ضمن المنطقة المسماة "9" مع ضمان تعويضات كما يدعي، ولكن عن أي تعويضات يتحدثون، مثل ما بقول المثل "من الجمل أذنه" ولكن الجماهير رفضت مثل هذا العطاء "السخي" وبقيادة الحزب الشيوعي وقفت بحزم ضد هذه المؤامرة الخطيرة على الاراضي العربية، وفي تاريخ 8.8.1964 عقد اجتماعان شعبيان في كل من سخنين وعرابة البطوف ضد مصادرة الاراضي وتضامنا مع جماهير واهالي عرب السواعد وضد سياسة هدم بيوتهم بشكل خاص وضد سياسة الهدم بشكل عام، وفي ذلك الوقت اعلنت الحكومة عن نيتها في مصادرة خمسة آلاف دونم من اراضي سخنين، وفي هذين الاجتماعين تكلم عضو الكنيست الرفيق توفيق طوبي في كل من سخنين وعرابة، وجرى العمل من أجل توحيد الجهود بين جماهيرنا العربية لصد مثل هذه الهجمة الجديدة والمتجددة على الاراضي العربية.
في تاريخ 31.7.1964 نشرت صحيفة "الاتحاد" مقالا تحت عنوان "الخطر ان تصبح سخنين بلا ارض تماما" حيث شرح في هذا المقال وضع اراضي سخنين والقسائم والأحواض الكاملة التي سوف تصادرها السلطات الاسرائيلية وارى من المناسب العمل على نشر هذا المقال مرّة أخرى من أجل تذكير أهلنا في سخنين بهذا العمل الاجرامي الذي ارتكب بحقهم في تلك المرحلة الصعبة والحرجة، ولتشابه ظروف هذه المرحلة بظروف تلك المرحلة.

 


وفي ظل مثل هذا الواقع الصعب الذي عاشته جماهيرنا في ذلك الوقت، والسياسة الاجرامية التي انتهجت ضد هذه الجماهير، أعلنت الحكومة الاسرائيلية عن تدشين مدينة كرميئيل، وفي أي تاريخ؟!، في 29.10.1964، أي في يوم الذكرى الثامنة لمجزرة كفر قاسم الرهيبة. وعلى أساس هذه السياسة غير الأخلاقية وغير الإنسانية التي عملت بها السلطات دعا الحزب الشيوعي وكذلك لجنة احياء ذكرى مجزرة كفر قاسم، من خلال بيان وقعه العاملون السياسيون بين الجماهير العربية، الى:
1) دعوة اهالي كفر قاسم الى الاضراب في ذكرى نكبتهم المؤلمة الناتجة عن سياسة الاضطهاد القومي ومعاداة الشعب العربي الفلسطيني.
2) دعوة اهالي الشاغور الى الاضراب والى القيام بتظاهرة صامتة عند مدخل البعنة ودير الاسد يوم الاحتفال بتدشين كرميئيل الذي يجري في يوم ذكرى مجزرة كفر قاسم.
3) دعوة ابناء الشعب العربي في هذه البلاد، في مدنهم وقراهم الى التضامن مع ابناء كفر قاسم واهالي الشاغور، عن طريق عقد الاجتماعات الاحتجاجية ليعربوا بذلك عن تصميمهم على مقاومة سلب الاراضي وهدم البيوت.
4) دعوة العناصر التي دعيت الى الاشتراك في احتفال تدشين كرميئيل إلى مقاطعة مثل هذا الاحتفال الذي هو تحد لمشاعر الشعب العربي.
5) دعوة كافة القوى اليهودية المستقيمة الى مساندة كفاح الشعب العربي العادل من اجل المحافظة على حقوقه وكيانه في وطنه، ومن اجل اشاعة العدل والتفاهم بين الشعبين وتقريب يوم السلام القائم على احترام حقوق الشعبين في هذه البلاد.
وكان الحزب حريصا على العمل من اجل تنفيذ تطبيق النداء على أرض الواقع، وعلى هذا الاساس عقدت الاجتماعات الشعبية للتضامن مع اهالي كفر قاسم واهالي الشاغور في اكثرية المدن والقرى العربية، وفي الحقيقة كان هناك دور مميز للشبيبة الشيوعية في هذا المجال حيث قامت برفع الشعارات في مراكز المدن والقرى العربية بهذا الخصوص ونتيجة لذلك جرت عدة اعتقالات بين قيادة الشبيبة الشيوعية في الناصرة بشكل خاص، وكان من بين المعتقلين في ذلك الوقت، الرفاق جوزيف ديب وجورج غريب ومصباح زياد وغيرهم.
من الواضح جدا ان سياسة حكام اسرائيل كانت وما زالت تعمل بمختلف الاساليب العنصرية والوقحة من اجل تجريد الجماهير العربية مما تبقى لها من الاراضي، وان عملية تهويد الجليل التي ابتكروها لم تبدأ في كرميئيل ولم تنته هناك بل استمرت هذه السياسة في القوانين الجديدة التي سنتها وتسنها الحكومة الاسرائيلية من اجل هذا الهدف الذي وضعته لنفسها هي والحركة الصهيونية العالمية ولذلك ونتيجة لهذا الواقع المؤلم كتب علينا الاستمرار في التصدي والمواجهة في مقاومة هذه السياسة العنصرية التي ينتهجها حكام اسرائيل ضد جماهيرنا العربية، منذ قيام الدولة وحتى يومنا هذا.
في ايار من العام 1964 كان هناك حدث هام من غير الطبيعي ان لا نمر عليه ونذكره، ألا وهو الزيارة التاريخية التي قام بها نيكيتا خورتشوف، الزعيم السوفييتي في ذلك الوقت الى جمهورية مصر العربية من اجل تدشين المرحلة الاولى من بناء مشروع السد العالي العظيم هذا المشروع الذي طالما حلمت به الاجيال في مصر قيادة وشعبا، وخلال هذه الزيارة وخلال الاستقبال للزعيم السوفييتي كان الرئيس جمال عبد الناصر قد ألقى كلمة رحّب فيها بضيفه الكبير حيث قال في هذه الكلمة: "في هذه اللحظات التي نلتقي بها على ارض الجمهورية العربية المتحدة، يسعدني ان ارحب بكم ومعي شعب بأسره يعرف معنى الكفاح والصدق والصداقة وسيحتفظ بهذه اللحظات كأغلى لحظات العمر". في الحقيقة ان هذه الزيارة كانت من الناحية الفعلية قد عمقت روابط الصداقة والتعاون والثقة المتبادلة بين الجمهورية العربية المتحدة والاتحاد السوفييتي. وبالاضافة الى مشروع السد العالي الضخم والهام يجري بناء ثمانين مشروعا صناعيا ضخما بالمساعدة السوفييتية المادية والفنية والتي هي احدى الاسس لتطور مصر المستقبلي. وفي ذلك الوقت ايضا كان قد انهى حوالي خمسة آلاف مصري تدريبهم الفني والمهني في الاتحاد السوفييتي. وفي الحقيقة انه منذ تلك الزيارة تعمقت علاقة الصداقة والمحبة بين الاتحاد السوفييتي والجمهورية العربية المتحدة وهذا الأمر عمليا استمر طيلة حياة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وهناك من يحاولون اليوم ان يتمسحوا به ولكنهم في الحقيقة لا يمتون بصلة له ولا لمبادئه واخلاقه. ان هذا الزعيم قد ترك بصمات له في تاريخ نضال هذه المنطقة ضد الاستعمار العالمي ورفع من مكانة مصر عالميا وعربيا وان هذه البصمات لا يمكن ان تمحى لزمن طويل من ذاكرة الشعوب العربية كلها وقوى التقدم في العالم اجمع مهما حاول ايتام السادات تشويه هذه المرحلة التاريخية التي قادها هذا الزعيم الوطني الكبير والخالد.
في اوائل سنة 1965 كانت مجموعة من الشخصيات الدمقراطية اليهودية والعربية قد دعت الى عقد مؤتمر ضد سياسة سلب الاراضي العربية والتمييز العنصري ضد المواطنين العرب داخل اسرائيل. وكان قد دعي لعقد هذا المؤتمر بتاريخ 15.1.1965 في سينما "مغربي" في تل ابيب تحت شعار "تطوير بلا نهب" ومن الناحية العملية كان هذا المؤتمر الاحتجاجي على سياسة السلطة قد اتخذ شكل لجنة تحقيق شعبية استمعت الى شكاوى الجمهور ومحاميهم من ناحية والى اراء وتوجيهات السلطات الحاكمة من ناحية اخرى وكانت قد تألفت هذه اللجنة التي اقرت في هذا الاجتماع من الشخصيات الدمقراطية التالية اسماؤهم: 1. ناتان يلين مور 2. مردخاي ابي شاؤول 3. اوري افنيري 4. بيتر فراي 5. شكري الخازن 6. بوعز عيرون 7. دافيد ارنفلد 8. اليعزير ماير 9. مونيكا طبعون.
ان جميع هؤلاء هم من الشخصيات الدمقراطية المعروفة بين الجماهير اليهودية والعربية في ذلك الوقت والتي كان لها مواقف واضحة وجريئة ضد سياسة حكام اسرائيل الموجهة ضد الجماهير العربية في هذه البلاد. وكانت هذه القوى قد دعت ممثلي الحكومة من اجل الحضور واخذ دورهم في الرد على الاتهامات التي سوف توجه ضدهم في هذه المحاكمة الشعبية ضد سياستها العنصرية تجاه الجماهير العربية ولكنهم رفضوا حضور هذا الاجتماع لانهم يعرفون جيدا انهم سوف يكونوا ضعفاء في الرد في مثل هذا الوضع وهذه الحقائق التي سيواجهون بها من اللجنة، ونتيجة لهذا الواقع الذي فرضه عدم حضور ممثلي السلطة، لذلك حمل المبادرون لهذا الاجتماع مسؤولية تمثيل السلطات في مثل هذا الموقف الصعب، الى الدكتور يريدور الذي سيقوم بمهمة الدفاع عن موقف الحكومة وسياستها في هذا المجال، وكان من المعروف للجميع ان الدكتور يريدور يعارض بشدة سياسة وحجج الحكومة في قضية سلب الاراضي العربية، وفي الواقع كانت قد جرت مثل هذه المناظرة الهامة وكان كل فريق قد قدم حججه في هذه القضية الهامة، قضية سلب الاراضي العربية وسياسة السلطة ضد الجماهير. وفي نهاية هذه المحكمة الشعبية والهامة كانت اللجنة قد اتخذت عدة قرارات هامة في موضوع سياسة الحكومة وسلب الاراضي العربية. وهذا هو نص هذه القرارات التي اتخذت في ذلك الوقت الحرج.

(يتبع)

توفيق كناعنة
السبت 21/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع