مصيرنا "شورى" يحدّده الغرباء نيابة عنا



* فضائيات العرب وصحفهم وكتابهم وباختصار كلهم يقبضون، كلهم يبثون على قدر ما قبضوا، والمقاولون الذين يشترون العرب هم اما امريكا ووكلاؤها او ايران ووكلاؤها. الزعامات تقبض، والنخب العربية تقبض، والشعب يصفّق ان طاله فتات ما او حرم منه *

في قديم الزمان، كان للعرب دولتان، دولة المناذرة ودولة الغساسنة، الاولى اداة فارسية والاخرى اداة رومية، وفي هذا الاوان، ظلت للفرس دولة يجري في فلكها بعض العرب، اما الروم الذين اندثرت دولتهم فقد خلفها في مقارعة العرب الولايات المتحدة. وهذه بدورها اصابت نصيبا وافرا من العرب تأمر فيقولون، سمعا وطاعة!
وانتقلت عدوى الحكام في الدوران في فلك ما الى الشعوب، فصارت لبنان مثلا صنفين من الناس، وذابت الطوائف والاحزاب ظاهريا.. واصبحت لبنان عربين، عرب الفرس وعرب امريكا، وسوريا كذلك ومصر والسعودية وفلسطين. فأي خلطة غريبة اكتشفها العالم واسقاها العرب؟! هل تعرفون؟ انه الدينار او الدولار او بالعربي الفصيح "فلوس".. هذا هو اسم اللعبة التي افقدت العرب شخصيتهم ومكانتهم وكرامتهم، هذا بالطبع الى جانب الفقر والجهل والامية لأنها جميعا تشكل التربة الخصبة لنمو الذمم المأجورة.
فضائيات العرب وصحفهم وكتابهم وباختصار كلهم يقبضون، كلهم يبثون على قدر ما قبضوا، والمقاولون الذين يشترون العرب هم اما امريكا ووكلاؤها او ايران ووكلاؤها. الزعامات تقبض، والنخب العربية تقبض، والشعب يصفّق ان طاله فتات ما او حرم منه.
ولو حاولنا الانتباه الى دول العام اللاعربية، لوجدنا، ويا للعجب!! كلها مستقلة، حتى الدول الصديقة لامريكا، لا تدور في فلك امريكا اذا تناقض هذا الدوران مع مصالحها، وامريكا نفسها تتعامل مع كل اصدقائها باحترام ونديّة.. ولما يصل الامر للعرب، تصبح امريكا سيدا والعرب العبد المأمور، وايران ايضا فهمت عرب هذا الزمان، وتخاطبهم بلغة السيد لعبده، او بلغة المتنبي لكافور الاخشيدي، وليس صدفة ان احمدي نجاد تحدث في مؤتمر دول الخليج العربي كضيف مؤكدا على فارسية "الخليج العربي"، وليس صدفة ان ايران صاحبة الحل والربط في قضايا خالصة العروبة. ومع كل يوم تزداد تبعية العرب الى هذا الطرف وذاك، والتبعية "فلوسية" بالأساس، وكأن بلاد العرب جماعات متسولين تسبّح بحمد الله والمحسن اليها، كل هذا يجري في عصر تراكم اموال النفط في خزائن العرب، اقصد خزائن سارقي اموال النفط من امراء وفاسدين وشركات "مص الدماء"، العربية والاجنبية. ولو وزعت هذه الاموال العربية على العرب بالتساوي لما ظل عربي واحد تحت دائرة التبعية لغريب.
لكن، يبدو ايضا، اننا نحب حكم الغريب والاجنبي، لأننا فقدنا الثقة بأنفسنا ونؤمن هكذا، بان الآخر اكثر فهما ودراية، فليس صدفة مثلا ان مصر حكمت على مدى الفي عام من قبل اشخاص غير مصريين، والعرب جميعا ظلوا على مدى خمسة قرون تحت حكم الاتراك الذين كانوا اقل من العرب عددا وعلما ومساحة اراض.. وحتى تصبح الفكرة واضحة لنا جميعا، اترك التاريخ والجغرافي والسياسة العالمية التي نتناولها اكثر من الخبز – اركّز الآن على الحالة العربية في اسرائيل، وكيف نتعامل مع كل قضية؟ فانتبهوا مثلا الى تعامل المواطن مع سلطته المحلية التي افرزتها انتخابات دمقراطية على اعلى المستويات، المواطن العربي وبشكل عام وليس تعميما يرفض دفع الضرائب للسلطة المحلية، لكن ان تم حل هذه السلطة وطرد الذين انتخبناهم.. وعين الوزير اليهودي يهوديا يسوسنا – نسارع الى دفع كل المستحقات. ونبدأ بكيل المديح لهذا اليهودي الذي لا يعرف اللف والدوران، لأنه حين يقول، ادفع، يعني ادفع، لا رحمة لديه ولا مزاح.. ونؤكد في حديثنا الواحد للآخر، بان هذا هو الصحيح، اما اذا قال الرئيس العربي الذي انتخبناه، ادفع يعني ادفع – يصبح عندها شريرا، فاقد الاحساس، ولا يتفهم اوضاع الناس، ويدير ظهره للضائقة الاقتصادية التي تحيق بالناس!! ونحن ايضا، العرب في اسرائيل نحترم كل قوانين السير والنظافة والنظام حين نتجول في البلدات اليهودية، ولما نطل على بلدتنا العربية، نفك حزام الامان، ونرمي بالنفايات التي احتفظنا بها في سياراتنا حين كنا في مناطق يهودية، وباختصار نحن حين نعود الى بلداتنا نضع القوانين في الجارور، حتى الجولة القادمة في بلدة يهودية.
لماذا التبعية لأية جهة؟ نعم، ان التبعية كارثة قومية، لكن تاريخنا مليء ايضا برفض الدوران بفلك احد. وغالبية البشر الساحقة ترفض ان تكون ألعوبة بيد احد، وهكذا يفعل حكام هذه الشعوب. كل قامات وهامات حكام بلاد هذه الارض مرفوعة لأنها تعتمد على شعوبها، وفي بلاد العرب، يبحث الحكام عن قطب قوي لحماية انفسهم وانظمتهم.. ولنأخذ سوريا مثلا، هذه الدولة كانت حتى سنوات قليلة خلت دولة يحسب لها الف حساب رغم ان اسرائيل تحتل جولانها.. لكن، ايران كانت تدور في فلك سوريا، واليوم اصبحت سوريا تدور في فلك ايران.. ومصر مبارك اصبحت اقل وزنا من الهواء، ورئيسها الخرف اقل وزنا من رئيس جمهورية جزر القمر..
والسعودية، رغم دورانها الدائم في فلك امريكا، لكنها في حرب 1973 قطعت النفط عن الغرب، والعراق الذي كان شامخا عربيا تلتقطه انياب امريكية وايرانية وكل طرف يحكم غرز الانياب اكثر ويقطعه حتى يجف نزيفه.
ليست اوراق الحل امريكية كما ذهب انور السادات اليه وادخل هذه القناعة في العقلية العربية، وليست اوراق الحل ايرانية كما تحاول جهات عربية الترويج له.. لأن اوراق الحل يجب ان تكون عربية كلها، فالعرب يملكون اكبر مساحة لمجموعة قومية على الارض ويملكون ثروة نفطية تدر عليهم اموالا لا يستوعبها حتى الاثرياء.. وهم ايضا حلقة الوصل بين الشرق والغرب، وهم ايضا يفتخرون بنفس التاريخ والشعراء والعلماء، وتوحدهم حفلات الغناء واللغة الفصحى وحلم الوحدة.
وليست اوراق الحل بيد ايران، لأن الامة الفارسية العظيمة، ليست صديقة للعرب، ولن تكون كذلك، لأن الفرس رغم تقبلهم لدين العرب، هم في نفس الوقت يحقدون على العرب لأنهم هدموا مجدهم، وليس عبثا ان كل الحركات التي اطاحت بحكم العرب وخلافة العرب كانت فارسية، وليس صدفة ان الشعب الفارسي تحزّب للحسين بن علي، فالحسين تزوج من امرأة هي من سلالة الاسرة المالكة الفارسية، هذه الامة الفارسية، تستحق كل الاحترام لما تحققه من انجازات علمية، واتساع نفوذها لتصبح دولة عظمى. وتصبح شمسا تدور في فلكها دول فقدت شخصيتها وهويتها ومصالحها.. بالضبط كما تدور دول في فلك امريكا، مع فارق وحيد ان العرب الذين يدورون في فلك ايران يقاومون مشروعا امريكيا معاديا بالتمام والكمال لأي انتهاك لحقوق العرب اما العصابة التي تدور في الفلك الامريكي، فهي تتآمر على نفسها وعلى مصالح شعوبها.. وفي المعادلة المنطقية حول التفضيل حول أي الفلكين ادور.. فلا شك بان الفلك الايراني هو الخيار الافضل، لكن هويتي واعتزاز بأمتي وطاقات وثروات العرب تصرخ في وجهي، الى متى تظل شورى امركم عند غيركم؟ كيف يشطر هذه الامة العربية رجلان مشكوك في صحتهما العقلية، مجنون في البيت الابيض ومهدي في طهران؟ كيف اصبح العرب من قيادات وشعوب اتباعا على غير هدى خلف شعارات كاذبة يطلقها طرفان يكيدان كيدا لكل ما هو عربي؟!!
لست عبدا ايها العربي لامريكي او فارسي!! لست نكرة ايها العربي حتى تستجدي طرفا لحمايتك، لسنا افضل شعب في الدنيا، ولسنا احطّ شعب، فنحن امة عظيمة في تاريخها – رغم النقاط السوداء – ونحن امة يجب ان نكون الشمس التي تدور الشعوب في فلكها.. واقول لكل فرد عربي، ارفع رأسك يا اخي!! ولو رفعنا الرأس جميعا، فان كل دولة ستحسب الف حساب حين تتعامل معنا.

غازي ابو ريا
السبت 21/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع