مواجهة مشروع الدمج



لقد عرضت مجموعة من الكتل البرلمانية، وخصوصاً العربية منها،هذا الاسبوع، على جدول أعمال البرلمان، عدة اقتراحات لفكّ الدمج لعدد من السلطات المحلية العربية، كما قدّمت عدة مشروعات قوانين لفكّ الدمج، والتي لاقت معارضة شديدة من قبل وزير الداخلية، مئير شطريت. ومن المتوقع أن يتمّ التصويت على مشروعات القوانين لفكّ الدمج في الفترة القريبة.
من اللافت للانتباه أن مشروع الدمج قد حفّز القيادات السياسية والاجتماعية القطرية والمحلية، للمبادرة والتحرك الجماعي المبارَك، لمواجهة هذا المخطط المرفوض على صُعُدٍ وجبهاتٍ متعددةٍ، آملين أن ينجح هذا المسعى والنضال بتحقيق النتائج المرجوة
إنّ فكرة "دمج" أو "توحيد" سلطات محلية ليست بالفكرة الجديدة. فقد طُرحت مراراً في العقد الأخير، ولكن تسارع تناولها ومناقشتها منذ عام 2003، عندما تضمنت الخطة الحكومية الاقتصادية مشروعاً كاملاً دمج عشرات السلطات المحلية، مما أثار، في حينها، معارضة فعّالة وحادة، تراجعت الحكومة على أثرها من تنفيذ جزء من المشروع، ولكنها أبقت ودمجت بعض السلطات المحلية. ومن بين السلطات المحلية العربية التي دمجت (الشاغور، الكرمل، باقة جت). وفي شهر أيلول 2006 أقرّت الحكومة خطة محتلنة لدمج سلطات محلية أخرى، إلا أنّ الخطة أرجئت حالياً بقرار من وزير الداخلية.
وفي الوقت الذي نؤكد فيه نقدنا الشديد واستياءنا، من أداء عدد من رؤساء السلطات المحلية العربية ومحاربتنا لظواهر الفساد المالي والإداري، الفوضى والتسيّب والتي ينبغي معالجتها بشكل جذري، مهني وشامل، فإننا نبدي معارضتنا لمحاولات السلطة تدمير وتحطيم الحكم المحلّي العربي سواء كان ذلك بواسطة حل مجالس محلية منتخبة وتعيين مجالس محلية مكانها، أو عن طريق دمجها.
إن معارضتنا هذه، تستند في الأساس على حقّنا كمجتمع بأن نمارس خيارنا الديمقراطي بالمشاركة والتأثير، ونرفض كل محاولة لفرض واقع يتنافى وإرادتنا الجماعية. فالحكومات الإسرائيلية لا تصغي لآراء المجتمع العربي، لا تتشاور معه وتتجاهله، وبما أنّ المشروع يمسّ بالحقوق الأساسية فهو يُعتبر فاقدٌ للشرعية.
على صعيد آخر، فإنّ مراجعة وتقييما لتجارب البلدات العربية التي دُمِجت، تفضي إلى فشل وإخفاق تلك التجربة، وعدم قدرتها على تجاوز الأزمات والصعوبات التي وضعت بها. بالعكس تماماً، الأزمات ازدادت حدة وعمقاً، وحالياً تواجه تلك السلطات حالة من الفوضى، وعدم الاستقرار، ولا يتلقّى المواطنون الخدمات الأساسية التي يستحقونها، ولذلك إن كان هذا النموذج من الدمج قد فشل، فلماذا تصرّ الحكومة على تكرير وإعادة خلق هذا الفشل في أماكن أخرى. وفي هذا السياق، يحسن بنا أن نشير إلى مقولة ألبرت اينشتاين: "الجنون هو أن نكرّر نفس العمل عدة مرات ونتوقع نتائج مختلفة". ومما يؤكد موققنا هو المعطيات التي نشرت في إطار تقرير لبنك إسرائيل، نشر قبل عدة أشهر، أشار، وبعد فحص ميزانيات السلطات المدموجة بأن الدمج لم يأتِ بالجودة المتوقعة، وبأن وضع السلطات المدموجة أصبح أسوأ مما كان عليه.
ليس هنالك من شك في أن السلطات المحلية العربية تعاني، منذ سنوات طويلة، من أزمة حقيقية، بنيوية ومستمرة، نتيجة لتمييز صارخ ومنهجيّ، وقلة الميزانيات، وعدم توزيع الموارد بشكل متساوٍ، فهذا الوضع يمنع توفّر البنى التحتية، ويؤدي إلى عدم تلقّي الموظفين لرواتبهم، لتفشّي ظواهر العنف، الفقر والبطالة، التفكّك الاجتماعي والتوتر النفسي. ويَجعل وجود مناطق صناعية شبه معدوم، فهي لا تحلّ مشاكل البطالة وفرص العمل من جهة، ولا تزيد دخل السلطات المحلية من ضريبة الأرنونا من جهة أخرى.
وبناءً على ما سبق، فإذا كانت النية الحقيقية للحكومة تحسين أداء السلطات المحلية، كما تدّعي، وتوفير إدارة مالية جيدة، وتقليل عدد الموظفين وتشجيع العمل، فهنالك طرق أخرى يمكن اتّخاذها وليس القضاء على الحكم المحلي. وإننا إذ نشكّك في تلك النيّة، نعتقد بأن الحكومة تريد أن تتنصّل من مسؤوليتها، والتوفير على نفسها، ولا تضع مصلحة المواطنين العرب نصب أعينها، والدليل على ذلك هو عدم شمل كل الأراضي في إطار السلطة المدموجة وذلك لاستمرار عملية السيطرة، التحكّم، القمع والتضييق.
على مدار السنوات حافظت كل واحدة من البلدات العربية على خصوصيتها الثقافية وتشكّلها الاجتماعي، ولذلك فإنّ دمج السلطات المحلية في إطار سلطة واحدة يمسّ بالنسيج الاجتماعي ويخلق توترات وحلة ارتباك لا حاجة لها. ليس من السهل أن يكسر الأفراد مجموعات التضامن والانتماء واستبدالها بأخرى. كما أنّ هذا المشروع يساهم في تهميش مجموعات سكانية مختلفة.
وعليه، وبموازاة المعارضة والتحدي لهذا المشروع، يجب تطوير إمكانيات التعاون والتنسيق بين السلطات المحلية العربية المجاورة في كل واحدة من المناطق لخلق تواصل جغرافي واجتماعي، ويجب تطوير المواصلات العامة بين البلدات، إقامة مستشفيات، مراكز جامعية وأكاديمية، مراكز ثقافية، مناطق صناعية مشتركة، مكتبات، مراكز تجارية، وتحدّي حالة الفصل والعزلة القائمة حالياً، كما أنه يجب خلق وتطوير قيادة على مستوى المنطقة تضع خطة عمل لعام 2020 لكل البلدات مجتمعة كما يترتب على الحكومة أن تشجع هذا التعاون وتقدم محفزات وميزانيات من أجل إنجاحه.
وفي الختام، من أجل النجاح في تفكيك وإفشال مخطط الدمج يجب العمل في اتجاهات مختلفة منها: إرسال رسائل للحكومة، لوزير الداخلية والموظفين الكبار تعرب وتعبر عن رفض المشروع والاحتجاج عليه. الإعلان عن حملة إعلامية على المستوى المحلي والقطري تشمل وسائل الإعلام العبرية والعربية، كما أنه يجب إقامة لوبي في البرلمان يطرح ويمنع تنفيذ هذا المخطط. يجب التعاون مع الجمعيات ولجنة رؤساء السلطات المحلية العربية ولجنة المتابعة لتوعية الجمهور وتجنيده ودفعه للعمل وعدم اللامبالاة والانعتاق من حالة الاغتراب، والمرافعة مقابل الحكومة للضغط والتأثير عليها، كما يمكن الاتصال مع البلدات التي نجحت في مقاومة ومعارضة مشروع الدمج والاستفادة من تجربتها، وإجراء لقاءات مع البلدات التي لم تنجح في ذلك لإظهار مدى الأزمة والمشاكل التي تعانيها، وتوظيف ذلك من أجل تقوية النضال ضد الدمج.
من الأهمية بمكان العمل في المستوى القانوني والقضائي والتوجه للمحاكم إذا لزم الأمر. وأهمّ وسيلة لمواجهة هذا المخطّط هو العمل الشعبي والجماهيري، حيث يتطلب الأمر تجنيد وتحشيد المجتمع ودفعه للتظاهر والمشاركة بأيام دراسية ونشاطات. كما يجب إصدار نشرة خاصة تشمل معلومات تشرح أسباب المخطط وتداعياته وتأثيراته، توزّع على كل بيت.

(عبلين)

 

الصورة(من الارشيف): المهرجان الشعبي في مجد الكروم ضد الدمج

علي أحمد حيدر
الأحد 22/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع