نحو طرح بديل وطني لمشروع الخدمة الوطنية



عقدت مجموعة من المؤسسات العربية أول أمس الأربعاء في بئر السبع مؤتمرا بعنوان "التطوع حق": مجتمع عربي متطوع، شارك فيه لفيف من الأكاديميين والسياسيين وناشطي المجتمع المدني العرب للتداول في موضوع التطوع في المجتمع العربي في البلاد. ويأتي هذا المؤتمر بعد نقاش ساخن في السنة الأخيرة مع السلطة الإسرائيلية بكل اذرعها حول رفض مشروع "الخدمة المدنية" المطروح من جانب الحكومة.
وللحقيقة فان مؤسسات عربية وعربية- يهودية كثيرة تعمل في مجال التطوع في وسطنا منذ سنوات عديدة وبنجاح دون الالتفات إلى دورها وإسهامها في بناء مجتمعنا. وكانت إحدى ثمار هذا النقاش الساخن مع السلطة الانتباه إلى هذه المؤسسات ودورها في بناء مجتمع عربي فاعل ونشيط.
لقد دأبت السلطة الإسرائيلية دائما ومن خلال نظرة فوقية وعنصرية على تعريفنا على مصلحتنا واتخاذ القرار بما يخصنا دون استشارتنا نحن المواطنون العرب في إسرائيل. فبعد مرور ستين عاما على قيام دولة إسرائيل لم تتغير السياسة الرسمية الإسرائيلية، سياسة الاضطهاد والتمييز العنصرية،  ضد الجماهير العربية ولكنها أصبحت أكثر ذكاء وحنكة. لكن معدّي هذه السياسة لم ينتبهوا إلى أن الجماهير العربية اليوم هي اكبر وأقوى وأكثر تنظيما وقادرة على ردّ الصاع صاعين وأن أيام الحكم العسكري قد ولت إلى غير رجعة.
يعرفون دائما ما هي مصلحتنا! حتى محاولة اقتراح إقامة مدينة عربية في البلاد مثلا جوبه برد وزير الداخلية عليه بان "طاقم مكتبه يعكف هذه الأيام على التحضير لذلك حيث تم إيجاد المكان المناسب للمدينة العربية في الجليل". نعم يخططون لنا ويريدون إقامة مدينة لنا دون علمنا وإشراكنا بذلك. ولكننا نعلم أن الكذب عند هؤلاء قد أصبح ثقافة. إنّ تمرير مشروع الشرطة الجماهيرية بين جماهيرنا وبنجاح (وليس الخدمة المدنية) حيث يخدم في هذه الشرطة أكثر من ستة آلاف شاب وشابة عربًا، جاء ليس للمحافظة على امن المواطن العربي بل للتآمر عليه! هل يستطيع احد إنكار الحقيقة أن العنف يستشري في بلداتنا بتواطؤ من الشرطة نفسها أيضا. كيف تفسر الشرطة هذا العنف وعشرات ملفات القتل في بلداتنا دون معرفة المجرم؟ أين دور الشرطة الجماهيرية؟ لماذا يقوم أفرادها بإشغال الحواجز الأمنية بين الضفة الغربية وإسرائيل بدل الإسهام في حفظ النظام في قرانا ومدننا. وهذا ما سيحصل أيضا مع مشروع الخدمة المدنية للمواطنين العرب في إسرائيل. هل يريدوننا أن نصدقهم؟
يخططون لنا مشروعًا شبه عسكري لكي نحقق المساواة في البلاد؟ هكذا! وكأن الخدمة العسكرية التي أرغم على أدائها أخوتنا أبناء الطائفة المعروفية أبعدت شبح المصادرة عن أراضيهم وحققت المساواة لهم مع باقي المواطنين اليهود في الدولة.
نعم رفضنا مشروع "الخدمة الوطنية" وبحقّ لأنه لا يناسبنا، ولم ينبع من صميم واقعنا وحاجياتنا ولنا نقاش مبدئي حوله. جماهيرنا لا تريد أن تخدم لكنها تريد أن تتطوع من خلال مشاريع تقرر هي أهدافها وتفعلها.
لذلك باعتقادي أن هدف مؤتمر التطوع في بئر السبع يجب أن يكون بناء مؤسسة وطنية تطوعية أو شبكة مؤسسات تطوعية بروح مفاهيمنا للتطوع. هذه المؤسسة تكون ذراعا مهنيا أخرى لمجتمعنا ولمؤسساتنا الوطنية. إن طرح بديل تطوعي عربي من شأنه إحراج السلطة ومشروع "الخدمة المدنية". مشروعنا التطوعي يجب أن ينطلق من القاعدة، من مؤسساتنا المحلية إلى السلطة المحلية ومن ثم المطالبة برصد ميزانيات حكومية لذلك تصرف من خلال السلطة المحلية. 
مشروع وطني كهذا يحتم التنسيق والعمل المشترك بين الأحزاب والحركات السياسة والسلطات المحلية ومؤسسات المجتمع المدني. من جهة أخرى ومع تشجيع المجتمع المدني للانخراط في هذا المجال يجب الانتباه إلى قيام بعض الجمعيات المشبوهة بتبني الأمر من خلال القفز فوق الأحزاب السياسية والسلطات المحلية والعمل مع السلطة مباشرة.
من الأهمية بمكان أن يخرج هذا المؤتمر بقرارات تنظيمية وحدوية وان يقرر بالبدء بحمله توعية جماهيرية لأجل التطوع في مجتمعنا وضد مشرع "الخدمة الوطنية".  وهنا يجب الانتباه إلى عدم التعرض بالتجريح لمن انضم إلى مشروع "الخدمة الوطنية" مضللا. فبالنقاش الهادئ والبنّاء نستطيع الإقناع بمشروعنا الوطني كبديل صحيح لمشروع "الخدمة المدنية" السلطوي.

د. ثابت ابو راس
السبت 21/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع