في مؤتمر حيفا حول الدولة العلمانية الديمقراطية في فلسطين:
عودة: لسنا من العبثية أن نعفي حكام إسرائيل من دفع استحقاق إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس



*  امريكا اقتنعت أنها لا تستطيع أن تعتمد على دولة في الشرق الأوسط سوى إسرائيل *

حيفا- مكتب "الاتحاد"- شارك سكرتير الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة أيمن عودة في مؤتمر حيفا حول الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين التاريخية، الذي عُقد أمس الأول الجمعة في حيفا، محييًا المؤتمر والحراك السياسي والفكري، ومعبرا عن اختلاف موقف الجبهة مع المؤتمرِيِن.

 

وقال عودة: "لسنا من العبثية كي نعفي حكام اسرائيل من دفع استحقاقات إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وبعد ستّين عاما من المعاناة التي دفع شعبنا الفلسطيني الثمن الأبهظ منها، وبعد أن نجحنا بإقناع العالم وما يقارب نصف المجتمع الإسرائيلي بضرورة إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، أن نأتي اليوم بهدية لحكام إسرائيل ونقول أننا تنازلنا عن هذا الطرح، ونريد أن نغيره الآن فالحلّ هو دولة واحدة- هكذا نعفي حكام إسرائيل من دفع استحقاقات إنهاء الاحتلال التي يجمع عليها العالم".
وأكد عودة أن الذي يمنع قيام دولة فلسطينية هو الاحتلال الإسرائيلي الذي يعزز الاستيطان خاصة في القدس الشرقية، والمطروح اليوم هو ليس إقامة دولتين مقابل إقامة دولة، فإسرائيل قائمة منذ 60 عاما وتورّمت أكثر من مرة، والمطلوب الآن هو إقامة الدولة الفلسطينية، كما أنه لا شريك إسرائيلي أو عالمي لفكرة الدولة الواحدة وسيواجه هذا المشروع معركة عالمية مباشرة وليس محلية فقط، والمعركة العالمية المباشرة هي أن ضمان أغلبية يهودية هو مصلحة أمريكية وغربية مباشرة وفي الصميم. وأدرج عودة سقوط الشاه في ايران العام 79 كمثال حيث أن امريكا اقتنعت أنها لا تستطيع أن تعتمد على دولة في الشرق الأوسط سوى إسرائيل، فإذا اعتمدت اليوم على أي ملك أو رئيس في الشرق الأوسط فقد ينتفض عليه شعبه، أما في إسرائيل، فالأغلبية اليهودية المضلّلة تكفل استمرار التعاون مع أمريكا والامبريالية لمدة أطول بكثير، ونحن غير مستعدين أن نتنازل عن انجازات السنوات السابقة والخوض في معركة طويلة الأمد وغير مضمونة النتائج في المدى المنظور مقابل التنازل اليوم عن مطلبنا بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس والتي  تحظى بإجماع العالم وقرارات الأمم المتحدة وكذلك نصف الشعب الإسرائيلي، وهذا انجاز هام كلّفنا ستين عاما من النضال ويجب عدم التنازل عنه بهذه البساطة او العبثية، خاصة ان استمرار الاحتلال يعني استمرار القتل اليومي والانتهاكات التي تكلف الشعب الفلسطيني، بالأساس، أبهظ الأثمان.
وقال: "لا نريد في إطار فكرة "الدولة الواحدة" أن نعطي للمحتل حقوقا في القدس الشرقية ونابلس وغزة وغيرها، بل نريد ان يُطرد ويكنس الاحتلال كليا، وإقامة دولة واحدة ستُبقي مفاتيح الهيمنة والاقتصاد والعسكرة والعلاقات الخارجية بأيدي حكام إسرائيل وتوجّهاتهم، ومثالا على ذلك ما كان في جنوب أفريقيا رغم عدد البيض الذي لا يتجاوز 15% بخلاف الوضع في بلادنا، ورغم العلاقات الخارجية الضعيفة لنظام الأبرتهايد، الذي وقف إلى جانب النازية في الحرب العالمية الثانية وكان على علاقة سيئة مع كل العالم، عدا أمريكا وإسرائيل، بخلاف الحركة الصهيونية وحكام إسرائيل الذين يمتلكون شبكة عالمية، هذا كله سيجعل الأمور كلها في يد حكام إسرائيل وهيمنتهم الاقتصادية والطبقية والقومية والثقافية وغيرها حتى في ظل دولة واحدة، وعلينا أن لا ننسى انه بغية التخلص من وضع الاحتلال المحرج لحكام إسرائيل كانت هناك مشاريع لتحسين وضع الاحتلال في إطار "دولة واحدة" كاقتراح تحسين ظروف المعيشة لموشي آرنس أو التقاسم الوظائفي لشمعون بيرس، والمطلوب ليس تحسين ظروف الاحتلال وإنما قلعه".

 

واشار عودة إلى موقف الحزب الشيوعي التاريخي من هذه المسألة حيث أكد أن الحزب الشيوعي الفلسطيني ناضل من أجل الدولة الواحدة، وأن الكثيرين لا يعرفون أن أحد أسباب الخلاف الأكثر جدية بين غالبية اليهود وغالبية العرب في الحزب الواحد في سنة 1943 كانت حول طابع الدولة الواحدة، فغالبية الشيوعيين العرب لم يقتنعوا بأن اليهود في فلسطين يشكلون شعبا وطالبوا بدولة ديمقراطية يكون فيه الصوت الواحد للفرد الواحد، بينما غالبية الشيوعيين اليهود اعتقدوا أن اليهود في فلسطين هم شعب في طور التكوّن ويحق له حقوقا قومية، ولهذا يجب اعتماد دولة واحدة ثنائية القومية (وليس ديمقراطية) وأكثر من ذلك فقد وضعوا تفاصيل هذا الشعار وهو وجود برلمانيْن، الأول برلمان نوّاب يعتمد على المواطنة، فالصوت الواحد للشخص الواحد، والثاني برلمان قوميات ويكون له تمثيل قومي متساوٍ بين العرب واليهود وغيرها، وقد اتفق كلاهما (الحزب الشيوعي الفلسطيني (اليهود) وعصبة التحرر الوطني (العرب)) على ضرورة إنهاء الانتداب البريطاني والحفاظ على وحدة البلاد حتى التطوّرات التي أدت لموافقتها على قرار التقسيم مع بعض التداعيات المختلفة.

 

وأكد عودة على موقف الحزب الشيوعي الإسرائيلي قبل تأسيس الجبهة من هذه المسألة بأنه لم يبحث في الخمسينيات والستينيات بمستقبل التطور بعيد المدى أو بشكل رؤيوي يتجاوز الواقع، بل ركز جهوده من أجل إحقاق الحقوق القومية للشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وبأن هذا لا ينفي في الوقت ذاته احتمال اتحاد مستقبلي بين الدولتين، فقد جاء في المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي الإسرائيلي (الذي عُقد في سنة 72 - بعد حرب حزيران 1967 ) الموقف التالي: 
"لا يُستبعد في المستقبل البعيد إمكان حدوث تطورات في اتجاهات مختلفة ومنها إقامة اتحاد فدرالي بين الدول في منطقتنا. ولكن مهما تكن التطورات، فإنّ ارتباط الدول مع بعضها البعض على هذا الشكل أو ذاك لا يمكن أن يتم إلا نتيجة رغبة الشعوب الحرة. ولقد أكد الحزب الشيوعي دائمًا على الطريق التي يجب اتباعها حتى تبلغ دولة إسرائيل السلام والتعاون مع الشعوب العربية وبضمنها الشعب العربي الفلسطيني، وتتلخص هذه الطريق بالشعار "مع الشعوب العربية ضد الإمبريالية وليس مع الإمبريالية ضد الشعوب العربية" (المؤتمر 17 للحزب الشيوعي، ص. 168-169، سنة 1972).

 


وأكد عودة أن الأمر الملحّ الآن هو إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وهذا يضمن مكانًا تحت الشمس للشعب الفلسطيني وتقوية هويته وإمكانياته، وهذا يخلق ظروفا أفضل للحوار بنديّة أكثر، ويفتح المجال لمناقشة تطوّر البلاد بشكل عملي أكثر.
وكان عودة في بداية كلمته قد أشاد بحركة أبناء البلد، وأكد على القواسم المشتركة بينها وبين الجبهة، وعلى رأسها أنهما يؤمنان أن النضال هو أقصر وأشرف الطرق لنيل الحقوق، وأشاد بالموقف المشترك لكليهما في القضايا الاجتماعية حيث أنهما لم يقبلا ولم يغازلا طروحات أصولية ومسيئة لوحدة شعبنا ونسيجه الاجتماعي، وفي الوقت ذاته ذكر عودة أن الجبهة وأبناء البلد اختلفا أيضا وذكر مسألة الدولة الواحدة او الدولتين كأحد الأمثلة على هذا الاختلاف، وأكد على ضرورة استمرار التعاون بين الجبهة وأبناء البلد.

الأحد 22/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع