ستون عاما على تأسيس فرع الحزب الشيوعي في البقيعة



(2)

بعد رجوعنا للبقيعة ثاني يوم جرى تجمع كبير في ساحة الكنيسة احتجاجا على حرق الدار، جاء الحاكم العسكري وكان اسمه موشي رايز لتهدئة الوضع فقوبل بالهتاف لأن كل واحد فينا كان على يقين بأن الجريمة حركتها أصابعه.
كل هذا لن يثنينا عن نشاطنا الشيوعي، وفي شهر آب من تلك السنة وبتحريض من الحاكم العسكري ودعمه قام اعوانه من الشباب المضللين بالاعتداء على وفد كبير برئاسة طيب الذكر الخوري جبران كان ينوي، السفر الى ترشيحا لتقديم شكوى في الشرطة ضد التحرش الذي لا يحتمل.. اذكر انه في ليلة هذا الاعتداء حضر الى القريه احد اعضاء الكنيست من القوائم التابعة لحزب مباي بقيادة بن غريون  (حزب العمل اليوم)  وقال لجماعته: "اذا بدكوا فزعة لضرب الشيوعيين انا مستعد ان ارسل لكم 11 مسلحا لدعمكم بهذه المهمة".وطبعا المستهدفون رفاق وأصدقاء الحزب ورغم التزامنا لبيوتنا إلا انها  لم تسلم من الاعتداء  فجاءت الشرطة وفرضت الهدوء.
في السنة نفسها1951  أقامت الشبيبة الشيوعية مهرجانا للسلام على جبل الكرمل لمدة اسبوع، شارك فيه 4 رفاق من فرعنا، كان رسم الاشتراك في المخيم 3 ليرات ونصف الليرة لأكل ونوم، نحن شبيبة البقيعة أعفينا من دفع الرسوم تقديرا لصمودنا بعد الاحداث التي مررنا بها وكانت عدة نشاطات في المخيم: محاضرات، مباريات رياضية وألعاب تسلية ولا زلت احتفظ ببعض الصور للمهرجان. ورغم كل هذا زاولنا نشاطنا في البلد، وقمنا ببيع الاتحاد وجمع حملة الصحافة الشهرية لدعم صحف الحزب.

 

في سنة 1952 اشتغلت في منطقة حيفا في حواسة. كنا ننام هناك وأقمنا خلية للشبيبة الشيوعية من الرفاق العمال الآتين من القرى وكان الرفيق جورج شداد وأنا من أعضاء الخلية . وكنا في نهاية كل أسبوع يعود كل منا إلى قريته.
لم يصمد من أعضاء الشبيبة في البقيعة سوى رفيق العمر رزق سمعان وأنا . كنا نبيع الاتحاد ومجلة الغد وأيضا ملحق الاتحاد الذي اصبح فيما بعد باسم مجلة الجديد.
في سنة 1953 أقمنا احتفالا بمناسبة ( عيد الاتحاد التاسع ) وحضر من هيئة التحرير طيب الذكر الرفيق عصام العباسي من حيفا . في نهاية الاحتفال اعتقل  وحكم عليه بالسجن شهرا كاملا لدخوله منطقة عسكرية بدون تصريح.
فاتني أن اذكر انه خلال اجتماع لفرعي الحزب والشبيبة عشية الأول من أيار سنة 51 وصل إلى الاجتماع الرفاق جورج طوبي وعبد الله زقوت الذي كان منفيا في ترشيحا. وصلا على دراجة نارية للرفيق جورج وبعد وصولهما لمكان الاجتماع في بيت الرفيق شفيق خوري قبل أن يحرقّه زبانية الحاكم العسكري .. علمت الشرطة أن شيوعيين غريبين وصلا إلى البقيعة .. فحضرت الى القرية.. وقمنا بتهريب رفيقنا عبد الله زقوت عن طريق السطوح. لكنهم اعتقلوا الرفيق جورج لعدم حصوله على تصريح وحكم عليه بالسجن شهرا كاملا.
وعندما قام الحكم العسكري بنفي رفاقنا من المثلث إلى كسرى بعد نفيهم إلى بيت جن قمنا بزيارتهم ذات مساء في كسرى .. كنا أربعة رفاق شبيبة .. قصدنا البيت الذي كانوا فيه فلم نجدهم، سألنا الجيران قالوا ان احد الخيّرين دعاهم إلى العشاء فذهبنا عند صاحب البيت فرحب بنا.
شاءت الصدف أن احد رفاقنا المنفيين كانت مهنته سنكري، أي مصلح بريمُسات ولكسات .. كان يتبرع بعمله مجانا مما اكسبهم احترام الناس في كسرى حسبما قال لنا الرفاق .
الحكم العسكري اعتقد انه بنفي رفاقنا من المثلث إلى القرى الدرزية في الشمال أذا كان ذلك إلى بيت جن أو إلى كسرى أن ذلك كالنفي إلى سيبيريا ، عندما كان القيصر ينفي المعارضين إليها وإنهّم  سيذوقون الأمرّين فيها ، ولكن بالعكس سكان القرى الدرزية فتحوا بيوتهم لرفاقنا كضيوف محترمين  وليس كمنفيين .

 

* جمال موسى يخطب للتوتة

وفي سنة 1952 قمنا بدعوة السكان لحضور أول اجتماع شعبي نعقده في الساحة العامة تحت التوتة أمام بيتي ليتكلم فيه الرفيق جمال موسى. قمنا بدعوة الأهالي  لسماع كلمة الحزب الشيوعي طبعا بدون مكبر صوت، وقف الرفيق جمال تحت التوتة وكنت مع الرفيق رزق سمعان ندعو الناس للاقتراب حتى نبدأ الاجتماع، أما الرجال الذين أتوا ليستمعوا الى كلام الشيوعيين فوقفوا بعيدا في حين كان الرفيق جمال يلح علينا "يلا يا رفاق ادعوهم للاقتراب"  لكن "لا حياة لمن تنادي"، خوفا من قطع التصاريح عنهم. لأن من كان يريد السفر إلى الرامة شرقا يلزمه تصريح وابعد من ترشيحا غربا كذلك يلزمه تصريح. وأخيرا صاح الرفيق جمال فينا وقال، سأخطب إلى التوتة، وبدأ خطابه عن إرهاب الحكم العسكري وسلب الأراضي وسن القوانين الجائرة مثل: قانون الحاضر غائب، قانون الجنسية وقانون الأراضي البور. وتحدث عن سعر الدخان الزهيد، وأن مُزارع التبغ اليهودي يحصل على ضعف ثمن الكيلو الذي يتقاضاه المزارع  العربي.
رويدا رويدا بدأ الناس بالاقتراب ونجح الاجتماع الأول في ساحة العين.
في صيف 1956 أقيم مخيّم للشبيبة الشيوعية في منطقة حيفا قطاع الشمال في كفرياسيف لمدّة أسبوع ، شاركت أنا والرفيق رزق سمعان من البقيعة في نهاية المخيّم ، حضر سكرتير منطقة حيفا للحزب الرفيق الياهو دروكمان والرفيق رمزي خوري ورُفِعنا لعضوية الحزب. صحيح اصبحنا أعضاء حزب ولكننا كنا نقوم بكل ما يُطلب منا كأعضاء في الحزب حتى ونحن في صفوف الشبيبة من سنة 1950 وحسب التنظيم الحزبي كان على من يُرفّع إلى الحزب من الشبيبة أن يوصي به رفيق قديم ، ولكننا كنا رفيقين فقط ولم يوجد من يوصي بنا فقمنا وأوصينا كلّ واحد بالآخر.
في نيسان 1957 تزوجت وكانت زوجتي اكبر معين لي في عملي الحزبي ولا زالت حتى الآن. وفي أول أيّار 1958 سافرنا في سيارة شحن كانت للصديق شفيق خوري إلى قرية الرامة ومنها ركبنا الباص الموصل إلى الناصره كنا 27 مشتركا رجالا ونساء ، وقبل مفرق المغار شرق الرامة كان حاجز للشرطة، أوقفوا الباص وبعد نقاش أنزلونا ولم يسمح الاّ للمرضى المتجهين إلى الناصرة البقاء في الباص. وقالوا ان الناصره منطقه مغلقه ممنوع الدخول إليها. ولم نكن نعلم بالمواجهات هناك بين الشيوعيين والشرطة. رجعنا، الى الرامة، سيرا على ألأقدام رافعين ألأعلام ألحمراء وكأننا في مظاهرة.
ولما صدرت جريدة الاتحاد كتبت عن أحداث الناصرة والمقاومة الباسلة التي قام بها رفاقنا هناك
بالتصدي للشرطة وأهدافها بترويض الجماهير العربية في مناسبة 10 سنين على قيام الدولة.
جمعنا تبرعات لمعتقلي أول أيار وكان عندنا نادي ثقافي للشباب، تبرعنا بمبلغ 80 ليرة التي كانت في الصندوق .

(يتبع)

كمال حاج *
الجمعة 27/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع