(الجزء الأول)
حزب "الشعب" الفلسطيني: (90) عاما من النضال والتضحية... والحزب يواصل عطاءه ويتجدد



85 عاما من النضال الوطني الفلسطيني خاضها حزب الشعب الفلسطيني برفاقه المناضلين والمخلصين الذين جسدوا عبر مسيرته النضالية الطويلة تقاليد كفاحية خالدة ومجيدة، فهم الذين غرسوا جذور الفكر الوطني التقدمي الاشتراكي في تراب وطننا الغالي فلسطين.. وتحملوا عذابات السجون والمنافي ومؤامرات وافتراءات قوى الرجعية والصهيونية والاستعمار.
سقطوا شهداء في شوارع ومواقع المقاومة المختلفة دفاعا عن شعبهم ونضاله العادل في سبيل حقوقه الوطنية وعن الكادحين والعمال والمسحوقين من ابناء شعبهم  الطامحين للحرية والحياة الكريمة، وما وهنوا وما انحنت هاماتهم للمغتصبين والطغاة والجلادين، ولكنهم واجهوا اعداء شعبنا ومؤامراتهم وجرائمهم وجميع اشكال التنكيل والقتل بالصمود والبسالة.. واثبتوا بتضحياتهم الغالية، وحبهم لشعبهم وكادحيه ان الكف قادرة على كسر المخرز، وان العزيمة والارادة الثورية تستطيعان التغلب على عتاة الظالمين والجلادين، وحملوا على هاماتهم الشامخة اعباء مراحل النضال المختلفة التي لا توصف في معاناتها وجسامة تضحياتها المرصعة بوهج الكبرياء والاعتزاز والشجاعة.
في هذا البحث سوف اسلط الضوء على تاريخ الحزب المجيد الذي سيظل يشكل دافعا رئيسيا لكافة ابنائه ورفاقه ويشد عزائمهم على مواصلة هذا النهج والطريق الذي قضى من اجله رفاقه المناضلون، ولكي يتحلى كل الرفاق الجدد الذين انتسبوا للحزب بهذه الروح وتلك القيم التي اتسم بها رفاقنا الاوائل الذين استطاعوا وضع خط ثوري كفاحي من خلال منهج عقلاني واقعي في ظروف بالغة التعقيد، ومن اجل انعاش ذاكرة الاجيال الصاعدة، فالذاكرة كما يقول محمد حسنين هيكل "هي اكبر محرض على الفعل" فمن التاريخ سنظل نستلهم العبر والدروس، خاصة ان هناك البعض ممّن تعمد دفن الحقائق التاريخية الهامة وابراز حقائق مزيفة بما يخدم مصالحهم، فهم لجأوا الى التركيز على بعض الحقائق التاريخية تركيزا شديدا وتجاهلوا حقائق اخرى تجاهلا متعمدا، بالتالي اوحوا للقارئ العادي ان هذه الحقائق التي ابرزتها هي اهم واصدق.

 

*جذور الحزب التاريخية*

يعتبر حزب الشعب الفلسطيني اعرق واقدم تنظيم سياسي فلسطيني وطني تقدمي على الساحة الفلسطينية، حيث تعود جذوره التاريخية الى تموز عام 1923.
وكانت قرارات الحزب منذ تأسيسه قد اكدت على "ادانة الحركة الصهيونية التي ترتبط بالامبريالية البريطانية"، وحركة تتجسد فيها تطلعات البرجوازية اليهودية، وتقف في جبهة واحدة مع الاستعمار وتربط مصيرها بمصير المحتلين الامبرياليين، وهي عدوة لحركة الجماهير الكادحة.
ودعا الحزب الى مقاومة الحركة الصهيونية ونشاطها الاستيطاني وعملية تحويل المهاجرين اليهود الذين هم في الغالب من العمال الى قوات بوليسية تستعملها المنظمة الصهيونية التي يقودها القسم الاكثر رجعية من البرجوازية اليهودية ضد الفلاحين العرب وطردهم من ارضهم، كما اقر الحزب في اجتماعه الحزبي الذي عقد في تموز عام 1923 بالطابع الثوري للحركة القومية العربية في فلسطين، واستخلص الحزب ان التناقض العربي اليهودي هو الاساس الذي تستند اليه سياسة الامبريالية الانجليزية المتواطئة مع الحركة الصهيونية ومع القيادة الاقطاعية العربية.
واعتبر الحزب ان تصفية جذور التناقض القومي في فلسطين يتطلب التركيز على المسألة المعيشية والاجتماعية كقاسم مشترك تجمع ما بين الكادحين. ونتيجة لهذه المواقف بدأت الحكومة البريطانية في عام 1931 بملاحقة واعتقال اعضاء وقادة الحزب وكان من بين المعتقلين عضوا اللجنة المركزية للحزب محمود الاطرش، ونجاتي صدقي، كذلك قامت بابعاد 17 قائدا حزبيا خارج الوطن.

 

*الحزب يتصدى للمجموعات الصدامية للفصيل الدموي الصهيوني*

واصل الحزب التصدي للمجموعات الصدامية للفصيل الدموي الصهيوني الذي شكلته الهستدروت لطرد العمال العرب بالقوة من اماكن عملهم ومنعهم من الدخول للبيارات التي كانوا يعملون فيها في منطقة "وادي حنين" ورفع الحزب حينها شعارات "فليسقط الاحتلال الصهيوني والهجرة الفاشية.." و"فلتسقط الحكومة الاستعمارية وارهابها البوليسي".
وفي عام 1933 طالب الحزب من خلال بياناته جماهير العمال والفلاحين العرب بالاستعداد للثورة المسلحة والنضال ضد الاستعمار البريطاني، وضد الهجرة الصهيونية.

 

*الانتفاضة الثورية عام 1933 ودور الحزب*

شارك الحزب بفعالية في تلك المظاهرات التي اندلعت في المدن الفلسطينية خاصة مدينة يافا، وبادر الحزب إلى تشكيل لجان العمال والفلاحين في مختلف المناطق، لتتحمل مسئولية قيادة الحركة الثورية.
كما دعا الحزب من خلال بياناته الى مجابهة العنف الامبريالي بالعنف الثوري الشعبي، ومقاطعة البضائع البريطانية والصهيونية، واطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين.

 

*ثورة 1936 والدور البارز للحزب فيها*

في نيسان من العام 1936 واثر تفجر الثورة والعصيان المدني والاضراب الذي استمر 6 اشهر دعا الحزب جماهير العمال والكادحين الى الالتحاق بالنضال التحرري الذي كانت تخوضه الحركة الوطنية العربية ضد الامبريالية والصهيونية معتبرا ان المعركة بين معسكرين اثنين المعسكر العربي التقدمي والمعسكر الامبريالي الصهيوني الرجعي، وعندما تصاعدت نضالات المجموعات العربية المسلحة دعا الحزب الجماهير لدعم  تلك المجموعات والمساهمة بنشاط فعال في نضالاتها وعلى هذا الاساس التحق عدد من رفاقنا بالكفاح المسلح، وكان على رأسهم الرفيق نمر عودة الذي انتخب عام 1937 عضوا في اللجنة المركزية والقائد الوطني الرفيق فؤاد نصار الذي كان له الدور البارز في العمليات المسلحة ضد الاحتلال البريطاني.
وقد استدعت القيادة العامة للثورة الرفيق فؤاد نصار في أواخر 1938 الى لبنان ليعود في اوائل 1939الى فلسطين قائدا للثورة المسلحة في منطقة القدس والخليل،  خلفا لقائد الثورة عبد القادر الحسيني الذي جرح في احدى المعارك، وظل في قيادة الثورة لهذه المنطقة حتى اواخر عام 1939 حين بدأت الحرب العالمية الثانية، واخذت السلطات الفرنسية في سوريا ولبنان تضيق الخناق على الثوار.
قاد الرفيق فؤاد نصار عدة معارك ضارية ضد وحدات من جيش الاحتلال البريطاني، بينها معارك كسلا وعرطوف وام الروس ومار الياس وغيرها حيث كبد العدو خسائر فادحة بالرجال والعتاد وتجلت في كل هذه المعارك شجاعته الفائقة وحنكته العسكريه واخلاصه المتناهي للقضية الوطنية ووفاؤه التام ومحبته وصلاته الوثيقة بالجماهير الشعبية التي التفت حوله واحبته وحافظت على حياته عندما اصيب اثناء القتال بجروح بالغة في يده اليمنى وكتفه في تشرين الأول من العام 1939.

 

*تأسيس عصبة التحرر الوطني الفلسطيني عام 1943  لتواصل كفاحها التقدمي الحزبي*

انبعثت عصبة التحرر الوطني عام 1943 لتواصل كفاحها الثوري التقدمي للحزب، حيث شكلت العصبة تنظيما وطنيا تحرريا يساريا عريضا، كان رفاقنا على رأسه، وقد تأسست في ايلول في مدينة حيفا كطليعة سياسية للحزب والطبقة العاملة والفلاحين الفلسطينيين، وفي شباط من العام 1944 اصدرت العصبة اول بيان رسمي تضمن ميثاقها واسماء اعضاء لجنتها المركزية نذكر منهم "فؤاد نصار، اميل توما، اميل حبيبي، توفيق طوبي، وموسى الدجاني" ثم اصدرت جريدة "الاتحاد" في ايار من العام 1944. وقد جرى تفصيل مواد الميثاق في برنامج العصبة الذي صدر عن المؤتمر الذي انعقد عام 1947.
وقد اكد البرنامج السياسي للعصبة على ضرورة جلاء القوات الاجنبية عن فلسطين والغاء الانتداب، وانشاء دولة فلسطينية مستقلة حرة ودمقراطية، تضمن الحقوق المدنية والدمقراطية لمواطنيها على السواء. ووقف الهجرة اليهودية.
وترفض وتعارض العصبة مشروع التقسيم القائم على انشاء دولة فيدرالية كما تعارض تقسيم فلسطين.
اما فيما يتعلق في مجال السياسة الخارجية، فلم تعتبر العصبة نفسها جزءا من الحركة الوطنية الفلسطينية فحسب، بل جزءا من القوى الثورية العربية والعالمية.
واعتبرت نضال الشعب الفلسطيني من اجل حريته واستقلاله جزءا مكملا من نضال شعوب العالم في سبيل الحرية وفي سبيل دك صروح العبودية والاستعمار.
اكدت العصبة في كل ادبياتها على ان قضية فلسطين هي قضية شعب يناضل من اجل استقلاله الوطني وتحرره من السيطرة الاستعمارية ومخططات الصهيونية كحركة رجعية عنصرية عميلة للامبريالية العالمية مرتبطة بها.

 

*قرار التقسيم وموقف العصبة منه في العام 1947*

في تشرين الثاني من العام 1947 وبناء على توصيات لجنة التحقيق، خلصت الجمعية العمومية للامم المتحدة الى قرار تضمن تصفية الانتداب وجلاء القوات البريطانية عن فلسطين، وتقسيم فلسطين لدولتين عربية ويهودية، تجمع بينهما وحدة اقتصادية، رفضت العصبة القرار باعتباره ألحق اجحافا كبيرا بالشعب الفلسطيني وبحقوقه الوطنية الثابتة.
في شباط من العام 1948 عادت العصبة بعد 3 اشهر لتراجع موقفها في ضوء المستجدات، وقراءة وتحليل الاوضاع المحلية والعربية والدولية، فقد ادركت عصبة التحرر الوطني ان البديل عن قرار التقسيم في ظل الاوضاع المزرية وسعي الحركة الصهيونية لاقامة دولة يهودية صرفة، ووجود قيادات موالية للاستعمار في العالم العربي، هو كارثة مهولة خططت لها القوى الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية ضد الشعب الفلسطيني تهدف لاقتلاع الشعب الفلسطيني من وطنه وحرمانه من حقه في تقرير المصير واقامة دولته المستقلة على ارضه، واحتلال جميع الاراضي الفلسطينية، وطرد سكانها الاصليين منها، وهذا ما تم في حرب عام 1948، فوافقت العصبة في المؤتمر الذي عقد في مدينة الناصرة على قرار التقسيم على الرغم من اجحافه باعتباره افضل الحلول السيئة. وحذرت من المؤامرة الاستعمارية الصهيونية الرجعية التي ترمي في حال عدم تنفيذ قرار التقسيم، اجهاض الدولة الفلسطينية، واقتسام الارض الفلسطينية ما بين ضم للكيان الاسرائيلي الناشئ او الحاق ببعض الدول المجاورة وتشريد الشعب الفلسطيني.
ودعت العصبة الجماهير الفلسطينية للبقاء فوق ارضها، لمنع القوى الامبريالية والرجعية من تمرير المؤامرة التي كانت تحاك ضد الشعب العربي الفلسطيني، ولهذا قامت الحكومة البريطانية باغلاق مقر صحيفة "الاتحاد" التابعة للعصبة وتعطيل مطبعة النصر في يافا التي تطبع عليها.

 

*وقع النكبة في العام 1948*

وبرفض الدول العربية قرار التقسيم، دخلت جيوشها في 15 ايار من العام 1948  ليس بهدف منع التقسيم ومساعدة الشعب الفلسطيني في تحرير وطنه كما ادعت، وانما لتقسيمه كما تريده بريطانيا والصهيونية والرجعية العربية.
وقع المحظور وحصلت الكارثة "النكبة" التي حلت بشعبنا والتي كانت نتاج المؤامرة الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية، ومواقف القيادة الفلسطينية شبه الاقطاعية المتهادنة مع الاستعمار البريطاني.
وبذلك تكاملت المؤامرة الامبريالية الصهيونية الرجعية التي استهدفت فلسطين وشعبها، ونتج عنها تمزيق الارض العربية الفلسطينية وتشريد ابناء شعبنا الذين اضطروا الى ترك اراضيهم وديارهم والهجرة الى البلدان العربية المجاورة.
ولو قبلت القيادة الفلسطينية والحكام العرب تطبييق القرار لما تحمل شعبنا ويلات نكبة 1948 وما تلاها من حروب ومجازر ومعاناة، ولاستطاع شعبنا وضع اقدامه على طريق تحرره الكامل وتحجيم توسع الحركة الصهيونية وامتدادها في باقي فلسطين والوطن العربي.

 

*مواقف باسلة لرفاقنا... والقيام بحملة واسعة لاقناع الجماهير بالبقاء فوق ارضها*

قام رفاقنا بحملة واسعة استهدفت اقناع الجماهير العربية بالبقاء فوق ارضها والوقوف في وجه المؤامرة الاستعمارية الدنيئة التي يراد من ورائها نزع استقلال  فلسطين وضم القسم العربي من فلسطين قسرًا الى الملك عبد الله صنيعة الاستعمار البريطاني.
حتى ان رفاقنا واثناء عملية الهجرة كانوا يعيدون المهاجرين الفلسطينيين الى اراضيهم بنقلهم في عربات استأجروها لهذا الغرض، كما توجهوا الى جماهير شعبنا وحثوها على العمل من اجل اقامة اوسع جبهة شعبية تضمن استمرار النضال ضد الامبريالية والصهيونية في سبيل حرية الشعب الفلسطيني واستقلاله.
وبمبادرة رفاقنا اندلعت عدة مظاهرات شعبية صاخبة في نابلس والخليل ورام الله طالبت الجماهير خلالها بقيام دولة فلسطينية وبجلاء الجيوش الدخيلة عن اراضيها، كما امتدت هذه المظاهرات الى قطاع غزة، وذهب ضحيتها العشرات من المتظاهرين ومن عناصر البوليس المصري.
وعلى هذا الاساس واصل رفاق الحزب نضالهم في الضفة الغربية وشرق الاردن في اطار الحزب الشيوعي الاردني الذي تأسس عام 1951، وفي اطار الحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة الذي تأسس من عناصر عصبة التحرر سنة 1953، وقد قاوموا بشجاعة المخططات الاستعمارية والصهيونية، والمشاريع التصفوية..

(يتبع)

شامخ بدرة
السبت 28/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع