نكبة شعب – أم شعب منكوب



قليل يبدع خيرٌ من كثير يُجمِّع، لأن الاجتهاد الفكري عملية انتاجية ثقافية حياتية بعيدة عن الاجترار والتكرار للسابقين. وأسهل على الكاتب الدخول في صومعة "الانترنت" وانزال الوريقات التي كنا قد اطلعنا عليها، بكبسة "زر" تكون المواد جاهزة على وزن "إنسَخ وألصِق" واملأ الصحف بما هبّ ودبّ. وهذه اشارة للعزوف عن الصحف والاشتراك بها وقراءتها اذ لا جديد تحت الشمس.
"تشاطر" الكثيرون في تفسير "النكبة" من الناحية اللغوية "والانالوجية" وفلسفتها عبر اجتهاد فلسفي فقد نسخوا وألصقوا سقوط حيفا بدون أي اجتهاد فكري لتبعات النكبة الاقتصادية والثقافية واصبحت الصحف مجرد نسخ ما هو في الكتب او في الانترنت وهل تنقص المواد في هذا المجال بعد ستين عاما؟!!
لقد ملّ المواطن الاجترار، وملّ التكرار، ومل تلك الفلسفة الكلامية، البيزنطية، التي لا تفضي الى شيء سوى كسب العامة من الشعب. فالشعوب الحية تتوق الى الابداع والانعتاق الى ما هو افضل واجدى، ووضع اجندة عمل للارتقاء بجمهورها الى التفكير والتمحيص والاستنتاج. فلا غرابة اليوم، الابتعاد عن الانشطة الحزبية التي تطحن في كثير من الاحيان الماء ماء. فلا بد من ايجاد مخارج وفتح نوافذ لكي تبقى عملية التجدد التي هي العمود الفقري للحياة، ويبقى الاجتهاد الشخصي او الجماعي هو الهواء الذي تتنفس به الشعوب.
النكبة نكبة لا يمكن نكرانها، الفضائيات تنقلها وتنقل الاحتلال وممارساته، التجويع والتطويق والتركيع والى ما هنالك..
لكن السؤال الذي يطرح، هل نبكي الاطلال صبح مساء؟!! رغم ان القضية عالقة ونحن الاقلية الفلسطينية الذين بقينا تكابد الحياة اليومية، من شظف العيش، من ممارسة حياتنا من مأكل ومشرب ومأوى ومواكبة الحياة اليومية رغم الصعوبات احيانا والفشل احيانا اخرى؟! هل نورث ابناءنا البكاء على الماضي والوقوف عنده، ام نستمر في بنائنا الاقتصادي الذي اضحى لب الحياة واكسيرها، شئنا ام ابينا؟!! فالامور مفروضة، فجأة انتقلنا من مجتمع فلاحي ونحن ورثاء الفلاحين في اخلاقياتنا وانماط حياتنا، ونجتهد في التقولب لحياة مدنيّة، دولة ذات قوانين وغرامات وممنوعات يصعب على الفرد استيعابها. وهذا يذكرني بـ "يوميات نائب في الارياف" عندما كان توفيق الحكيم مدعيا عاما ايام الانتداب البريطاني على مصر، اذ كان المواطن يدفع الغرامة دون علم بجريرته عشرين قرشا وما اشبه دون معرفة الجرم الذي ارتكبه. مثل "انت لم تسجل كلبك في الميعاد القانوني" فيجيب الفلاح المصري، "وهل عليّ تسجيل الكلب في الميعاد القانوني" "يا دوب أسجل اولادي في الدوائر الحكومية"، يدفع مرغما ويخرج من قاعة المحكمة متمتما وناقما على الظلم الذي لحقه دون دراية.
نحن "عرب اسرائيل"، كم خسرنا ولا نزال نخسر الكثير من الحقوق لعدم درايتنا بالقوانين، ففي سنوات الستين صدر قانون من يثبت انه لم يغادر البلاد فدولة اسرائيل مستعدة للتعويض عن ارضه بأرض الحكومة. كم منا عرف هذا القانون؟ وكم منا استرجع ارضه، وكم منا اصابه اليأس قائلا: "ماذا بقي بعد خراب بصرى".
هذا الاجحاف القانوني من مبدأ العدل وتجريد العربي الاسرائيلي من ارضه وطفولته وحجارة بيته وعالمه الذي بناه في مخيلته لتنقلب رأسا على عقب، ويتقولب حسب الواقع الجديد، انه غربة داخل الوطن، وتبنّي انماط سلوكية واجتماعية وثقافية بحجة التطور والتقدم "ان اليهود اوروبيون" يحتاج منا البحث لدى مختصين اجتماعيين وأبحاث ترصد لها ميزانيات كيف للعربي في اسرائيل ان يصارع البقاء، دون تحميل الضمير الكثير من المعاناة من جهة والانصهار والتقليد من جهة اخرى، والتي استنزفت المصطلح الجديد في واقعنا "الأسرلة". خاصة في المدن المختلطة، في حيفا وعكا ويافا واللد والرملة، حيث تعيش الاقلية العربية في اوضاع اقتصادية صعبة – حسب التقارير – تم انسلاخها القسري المفاجئ عن رَبعها وعن مشاربها ومرابعها، لتعود وتبني نفسها من جديد، روحيا واقتصاديا. ازاء سياسة التعامي والتهميش. وفي هذا السياق، لا بد من العمل الجدي في صفوف هذه المجموعات لتنخرط في الحياة الاقتصادية العامة، مع الحفاظ على ثوابتها وانتماءاتها الثقافية – الاجتماعية والتاريخية.

(حيفا)

عايدة حوراني نصرالله *
الثلاثاء 1/7/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع