ستون عاما على تأسيس فرع الحزب الشيوعي في البقيعة



(3) * أول مجلس وأول عضو شيوعي منتخب في البقيعة


في سنة 1958 عيّن الحاكم العسكري مجلسا محليا في البقيعة من 13 عضوا حتى يرضي جميع العائلات وعيّن كذلك اليهودي الوحيد من سكان البقيعة يوسف زيناتي عضوا في المجلس المحلي. تناوب على رئاسة المجلس اثنان من وجهاء ألقرية ، كل واحد ستة أشهر.
وفي 3.11.1959  جرت أول انتخابات للمجلس المحلي ، كنا حسب تقسيم  مناطق ألحزب تابعين لمنطقة الناصرة الحزبية وكان مسؤول قطاع الشمال في المنطقة طيّب الذكر الرفيق جمال موسى، بتوجيه من الحزب، اشتركنا في أول انتخابات للمجلس المحلي باسم  ( قائمة الحزب الشيوعي وغير الحزبيين ) .
جمعنا تواقيع تزكية لقبول القائمة، أكثر التواقيع كانت من النساء .
كنا أربعة رفاق أعضاء في الحزب: رزق سمعان – الياس عبدو – بطرس سمعان – وانا كمال حاج . وكان القانون ان تقدّم كل قائمة خمسة مرشحين على الاقل حتى تستطيع الاشتراك في الانتخابات المحلية ، كنا أربعة مرشحين وينقصنا المرشح الخامس فقررنا ترشيح زوجتي وكان هذا مغايرا للعرف في ذلك الوقت أن تترشح امرأة لعضوية المجلس المحلي في القرية وكان الاجتماع في بيتي بحضور والدي المرحوم ميخائيل حاج في الثانية والسبعين من عمره عندها طلب ان نضيف اسمه بدلا عن اسم زوجتي وهكذا انقذ الموقف ونجحنا في الوصول للمجلس المحلي وكنت على رأس القائمة . طبعا كل قوائم المجلس كانت عائلية أو طائفية. كانت انتخابات الكنيست تجري سوية مع انتخابات السلطات المحلية وكانت تلك السنة حملة جمال عبد الناصر على الشيوعية، واحمد سعيد معلق صوت العرب كان يقول توفيق طوبي في بغداد، فانخفض تمثيل الحزب في جميع السلطات المحلية، وفي الكنيست انخفض تمثيلنا من 5 الى 3 نواب وكذلك في بلدية الناصرة انخفض تمثيلنا من 5-3  أعضاء. في البقيعة حافظنا على قوتنا وحصلنا على نفس النسبة للانتخابات السابقة ونجحنا بعضوية المجلس المحلي .
في اليوم التالي للانتخابات ركبت الباص متوجها الى الناصرة الى نادي الحزب الشيوعي ، كانت قيادة المنطقة مجتمعة هناك، اذكر منهم الرفاق: فؤاد خوري، منعم جرجورة، سليم القاسم، سهيل نصار، يوسف صباغ وتوفيق زياد. بعد السلام أخبرتهم عن نتائج الانتخابات في البقيعة ونجاحنا في عضوية المجلس المحلي وحفاظنا على نسبة أصواتنا في انتخابات الكنيست، وطلبت من الرفيق فؤاد خوري سكرتير المنطقة ان نقيم احتفال في البقيعة فضحك توفيق زياد وقال أي احتفال في هذة الاوضاع؟! فاجابه الرفيق فؤاد خوري: اسمع يا رفيق توفيق ، رتب مع الرفيق كمال موعدا وقم بزيارة الفرع لأنهم في البقيعة حافظوا على قوّتهم ونجحوا في إيصال عضو شيوعي للمجلس المحلي وهو العضو الشيوعي الأوّل في قطاع الشمال. وهذا النجاح لا مثيل له في هذه الأوضاع.. فاتفقت مع توفيق زياد على موعد وحضر في نهاية الأسبوع واقمنا احتفالا يليق بالمناسبة. ونجاحنا في عضوية المجلس في تلك الظروف التي كانت جميع القوائم فيها عائلية أو طائفية ناهيك ان أعوان الحكم العسكري والمخابرات عملوا المستحيل حتى لا نصل للمجلس المحلي. ووصلنا الى عضوية اول مجلس محلي  منتخب في القرية كان بمثابة قفزة جديدة لزيادة نشاطنا وتوسيع صفوف الفرع وزيادة بيع صحف الحزب.

 

* العين العين تقاوم المخرز

في عام 1963  على ما أذكر بعد مقتل (الشباب الخمسة) على أيدي قوّات حرس الحدود ، قام الحزب بحركة احتجاج واسعة، مظاهرات واجتماعات شعبية احتجاجا على الجريمة النكراء .
بتوجيه من الحزب قررنا عقد اجتماع شعبي في الساحة العامة أمام بيتي، للاحتجاج على العمل الإجرامي، يتكلم فيه الرفيق إميل توما، وكان متبعا آنذاك أنّ الخطيب يحضر تصريح الاجتماع معه إذا كان الاجتماع العام في الساحة. قبل موعد الاجتماع وإذ بقوات الشرطة وحرس الحدود قد وصلت الى الساحة. بعد عشر دقائق وصل الرفاق: يوسف شحادة والمحامي محمد الحاج من كفرياسيف، وقال يوسف ان إميل توما اتصل معه من حيفا وابلغه انّه لم يحصل على تصريح للسفر للبقيعة وطلب منه أن يذهب إلى البقيعة ويتكلّم في الاجتماع .
استمررنا بدعوة الناس لحضور الاجتماع وقررنا ان يكون في بيتي في الطّابق العلوي مقابل ساحة ألعين بدون الحاجة الى تصريح الشرطة التي منعت رفيقينا رزق سمعان وسليم جبران من انزال مكبّر الصّوت من سيّارة يوسف شحادة لعدم وجود تصريح للاجتماع ، وحجزوهما في سيارة الشرطة حتى نهاية الاجتماع .
ضابط الشرطة أخذ اثنين من أقاربي في سيّارته إلى خارج البلدة واراهم قوّة حرس الحدود التي تعد بالعشرات، وكانوا مدججين بالهراوات وابلغوهما انه في حال انعقاد الاجتماع سيهجمون علينا ويكسّرون عظامنا . فطلب مني أقاربي أن ألغي الاجتماع خوفا من ( البهدلة ) طبعا أصررت على موقفي في عقد الاجتماع واستمرينا بالدعوة ، وكانت قوات الشرطة قد ملأت ساحة العين. وقام مصوّر الشرطة بتصوير الأهالي المحتشدين بغيّة إرهابهم ومغادرتهم السّاحة. قسم من الأهالي جاء ليتضامن معنا، وقسم جاء للفرجة على بهدلتنا.. وهنا كان التحدي وبأذني سمعت عدّة رجال قالوا: مش خايفين وهاي قلّة حياء وزعرنة. وكان ضابط المهمات الخاصّة ابن إسحاق على رأس القوّة مقابل بيتي في دار رئيس المجلس ويعطي تعليماته عن البلكون مقابل السّاحة لأفراد الشرطة .
حضرالإجتماع حوالي 20 شابا رغم إرهاب الشرطة. وقف طيّب الذكر الرفيق يوسف شحادة على البلكون مقابل السّاحة وبدأ خطابه بصوته الجهوري منددا بإرهاب الشرطة ، وكنا بين حين وآخر نهتف ليسقط الإرهاب البوليسي . صوت الخطيب كان مسموعا للأهالي المحتشدين في السّاحة ، فطلب الضابط من سائق سيّارة الشرطة الموجودة في السّاحة أن يضغط على دعّاسة البنزين أكثر حتى لا يسمع النّاس صوت الشيوعيين . وبعد حين رأينا كيف كان الدخان يتصاعد من السّيارة (وراح الموتور فيها). وهكذا صمدنا ونجح الاجتماع ورجعت الشرطة بخفي حنين وبدون السيارة. وكان هذا يوما من أيّام الشيوعيين في البقيعة، والعين قاومت المخرز. بعد هذه الوقفة الجريئة لأعضاء الحزب في البقيعة تزايد الاحترام للشيوعيين إلى حد كبير .
أيضا عام 1963 قام الرفاق : سالم جبران، وجريس خوري ليلا بالكتابة على الجدران ليسقط الحكم العسكري . في اليوم التالي جاءت قوات الشرطة وفتشت بيت الرفيق رزق سمعان وبيتي بحثا عن الدهان الأحمر ، طبعا أخذنا الحذر وأزلنا كل شئ يتعلق بكتابة الشعارات .

 

* إميل حبيبي يخطب من مدخل البيت

في صيف 1964 عقدنا اجتماعا شعبيا في ساحة العين ، ولعدم وجود تصريح وقف الرفيق إميل حبيبي على عتبة بيتي وخطب في الناس الذين جاؤوا ليسمعوا ما يقول.. وقال أنا واقف هنا لعدم وجود تصريح. انتهى الاجتماع وفي المساء جاءت قوات الشرطة وأبلغتني انه عليّ الحضور الى المركز بتهمة عقد اجتماع شعبي بدون تصريح ، وطلبوني للمحكمة في عكا . طبعا الحزب اهتم بالأمر واعلم المحامي الرفيق حنا نقّارة الذي بدوره ارسل شريكه في المكتب المحامي فاكسمان لينوب عنه في المحكمة .
المحكمة تأجّلت ثلاث مرات، وفي الجلسة الثالثة أتت الشرطة بشهود لصالحها. الشاهد الأول قال: إن توفيق طوبي الذي أعرفه شخصيا وقف في الساحة خارج بيت كمال حاج وخطب بالاجتماع.
الشاهد الثاني قال : إن إميل حبيبي كان يخطب وليس توفيق طوبي وانه كان واقفا على عتبة بيت كمال حاج وليس في الساحة العامّة . انتهت المحكمة ببراءتي من التهمة .
بعد فشل الشرطة في إدانتي في المحكمة جاءني أحد الشباب وقال: عليك الحذر من (فلان) أحد أعوان السلطة في البلدة وانه يريد أن يعتدي عليك . كان ردّي له قل لذلك الشخص ان الاعتداء على كمال حاج هو بمثابة اعتداء على حنّا نقارة ، وعليه أن يحسب ألف حساب، فارتدع ذاك العميل .
كان حزب المبام يغزو قرانا ويأخذ الشباب إلى الكيبوتسات، فهتف الرفيق الشّاعر سالم جبران في أحد الاجتماعات الشعبية بقصيدة قال فيها: أنبيع عزة شعبنا  بالموز أو بالشوربة؟ وكان لهذه القصيدة وَقع بين الشباب الى درجة ان الكثيرين ابتعدوا عن المبام .
في النهاية أعتز بأني حملت جريدة الاتحاد مع الرفيق رزق سمعان من جيل السّابعة عشرة حين كان عمرها ستة سنوات ووزعناها عددا عددا مع مجلّة الجديد التي لا زلت أحتفظ بأكثرية أعدادها مع مجلّة الغد للشباب حتى صارت الاتحاد جريدة يومية وهي لا تزال في عز شبابها أما أنا ففي الخامسة والسبعين من عمري.
 أود الإشارة في نهاية هذه الذكريات التي استمرت حتى سنة 65  بان فرعنا دخل مرحلة جديدة من تنظيمه الحزبي واكتسب شعبية واسعة. اولا، بصمود رفاقه القدامى وثانيا بدخول رعيل جديد الى صفوفه ابتدأ بالرفاق نايف سليم وسلمان فضول (الزين).. واليوم، وبعد هذا العمر الحزبي، يغمرني الاعتزاز بمواصلة جميع رفاقي واحدا واحدا ومعهم الاصدقاء وغيرهم من قوى وطنية يحملون الراية  ويواصلون الطريق.

(انتهى)

كمال حاج *
الثلاثاء 1/7/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع