تصنيف عرقي في القرن الواحد والعشرين



أقرت الكنيست في بحر هذا الاسبوع، للمرة الثامنة، تمديد سريان التعديل على «قانون المواطنة» لعام إضافي والذي يقضي بمنع لمّ شمل العائلات الفلسطينية التي يحمل أحد الزوجين فيها فقط المواطنة الإسرائيلية. ويشمل القانون، المعروف بـ"قانون منع لمّ الشمل"، الازواج من غزة والضفة الغربية وسورية ولبنان والعراق وإيران. ويبقي القانون الاف العائلات الفلسطينية مشتتة ومنقسمة بكل ما يرافق ذالك من الام ومشقات حياتية يومية.
وبالرغم من أن مقدمو القانون يعرضونه على أنه يعتمد على احتياجات أمنية إلا أنه في حقيقة الأمر يعرف القاصي والداني ان أسباب هذا القانون ديمغرافية بحتة: اسباب عنصرية كريهة.
من المهم التوضيح أولا أن الوضعية القانونية في إسرائيل في مجال الهجرة والتجنس هي وضعية تمييزية ضد المواطنين العرب حتى قبل تعديل قانون المواطنة قبل خمسة اعوام. فبحسب قانون العودة فان أي يهودي في العالم يستطيع سوية وأبناء عائلته، بما في ذلك غير اليهود منهم، الهجرة الى إسرائيل والحصول على المواطنة الإسرائيلية اوتوماتيكيا، دون قيد أو شرط تقريبا. وهكذا فان التعديل الاخير (من العام 2003) على قانون المواطنة جاء ليزيد من حجم التمييز ضد المواطنين العرب في هذه المجالات عن طريق منع المواطنين العرب من التزوج من فلسطينيين/ات من الضفة الغربية وقطاع غزة. التعديل جاء إذا استمرارا للقوانين التمييزية ضد العرب في مجال الهجرة والتجنس وتعميقا اضافيا لهذا التمييز.
وبعد هذا التعديل فاننا ليس فقط أمام قوانين تمنح اليهود امتيازات حصرية على حساب الفلسطينيين، بل أيضا أمام قوانين تمارس الاضطهاد الرسمي على أساس قومي في إحدى أهم الحلقات في حياتنا الاجتماعية، بل نواة هذة الحياة: الحلقة العائلية.
ينظر القانون الإسرائيلي في هذا المجال الى المهاجر اليهودي الى إسرائيل "كالعائد الى بلاده" اما العربي الذي يريد ان يعيش مع عائلته وأهله في وطنه فهو "متسلل" يجب منعه من المكوث في البلاد. وياتي هذا التعديل لتعزيز السياسات الايديولوجية للدولة في هذا المجال: يهود اكثر وعرب اقل داخل إسرائيل. السلطات الإسرائيلية تعود بذلك الى ممارسات السنوات الاولى لقيام الدولة من ناحية "التفنن" في استعمال القانون الرسمي من اجل تحقيق مآرب سياسية ومن اجل ضمان التفوق القومي لليهود في البلاد.
أن ما يسمى بـ"الهاجس الديموغرافي" واضح في خلفية القانون. من يراجع المداولات السياسية حول الموضوع في جلسات الكنيست وفي الجلسات الوزارية، ومن يراجع تصريحات القادة الإسرائيليين في الفترة ما قبل سن القانون يجد بلا ادنى شك ان الجانب الديموغرافي احتل حيزا جديا من الخطاب الإسرائيلي حول "التجنس" ان لم يكن الحيز الاكبر من المسوغات المعلنة وغير المعلنة لهذا القانون. ان من يصرح علنا أن العرب هم مشكلة ديموغرافية في إسرائيل فمن السهل أن ينزلق الى استعمال الادوات  القانونية لمواجهة "المشكلة" وتصبح المسافة قصيرة بين التصريحات العنصرية والاعمال التي تترجمها على ارض الواقع. وللأسف فقد تجند هنا حقوقيون وأكاديميون يهود مثل البروفسور أمنون روبنشطاين وغيره لدعم التعديل.
استذكر هنا مقولة رئيس نقابة المحامين في إسرائيل السابق د. شلومو كوهين حين تساءل كيف يطبق الشعب اليهودي سياسة من الاضطهاد العرقي عانى منها بنفسه في فترات مظلمة من التاريخ؟ وللحقيقة، فقبل ان يكون موضوع قانون المواطنة متعلقا بحقوق المواطن العربي فهو متعلق، قبل أي شيء، بالقيم المجتمعية والاخلاق الانسانية العامة التي تحملها مجموعة الاغلبية المسيطرة بالدولة.

 

كانت جنوب أفريقيا قبل عودة نلسون مانديلا الى الحكم في اواسط التسعينيات من القرن الماضي، والولايات المتحدة الامريكية في فترة الفصل العنصري (الابرتهايد) التي سادت هناك بحسب القانون حتى اواسط الخمسينيات من القرن الماضي، الدول الاخيرة التي اتبعت التصنيف العرقي في قوانينها. ويجمع العالم كله اليوم، دون استثناء، ان التصنيف العرقي في هذه الدول شكل مسا خطيرا بحقوق الانسان وبالقيم الدمقراطية العالمية. ويبقى السؤال الشائك، لماذا يسكت هذا العالم الدمقراطي ازاء التصنيف العرقي في القرن الواحد وعشرين في إسرائيل؟
يقينا ان العمل لتصحيح هذا الاجحاف بحق المواطنين العرب يجب ان ينتقل الى الملعب السياسي والجماهيري –  فهذا الملعب هو الاساس لكل تغيير مجتمعي حقيقي. بالاضافة للضغط السياسي المطلوب، يجب ان يكون هناك ضغط جماهيري يعتمد على الاحتجاج الشعبي ضد هذا الاضطهاد القومي.

د. يوسف جبارين
السبت 5/7/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع