نقــد ذاتــي بعــد إنجازيــن



* لو أَنجزت أحزابٌ أُخرى ما قمنا به في الشهرين الأخيرين لملأت دعايتها الدنيا وأشغلت بها الناس، ولكن نحن، رغم الإنجازات، لنا ملاحظات نقديّة من أجل الأفضل، ليس "النقد الذاتي بعد الهزيمة"، وإنما نقدٌ ذاتيٌ بعد إنجازيْن، لأننا نريد أن نطوّر أداءَنا أكثر، ولأنه يعوَّل علينا أكثر، ونحن قادرون أكثر*

صنعت الجبهة إنجازين هامّين في الشهرين الأخيرين، وهما عريضة ربع المليون توقيع ومخيّم توفيق زيّاد التطوّعي، عدا المشاريع التي في طوْر التراكم باتجاه تحقيق الهدف المعقود عليها كجمع ألف اشتراك جديد لصحيفة "الاتحاد" و200 ألف شاقل لفيلم توفيق زيّاد، وعدا النضال الجبهوي في مختلف المناسبات وحملة الإغاثة الضخمة لأهلنا في غزّة والمظاهرات العديدة وعلى رأسها مظاهرات الأوّل من أيّار، وعمل ممثلي الجبهة في الكنيست والسلطات المحلية والهستدروت والنقابات والاتحادات واللجان المختلفة.

 

ويحقّ لنا أن نعتزّ بهذه الانجازات التي تعجز عنها أحزاب عريقة ومؤسسات ضخمة، ولأنّ هذه المشاريع يجب أن ترفِد مشاريع جبهوية منظّمة، منهجية ورؤيوية أكثر لتجذير مشروعنا الأساسي في البقاء والمساواة القومية والمدنية والتأثير العادل على القرار السياسي، ولأنّنا قادرون على إتمام هذه الإنجازات بالتمام، فلمَ التقصير:

ولم  أرَ في عُيوبِ الناس شَيئًا       كنَقصِ القادِرِينَ عـلى التَّمـامِ

حقّقنا إنجازات، وهذا هو الأساس، ولكن كانت لنا إخفاقات يجب عدم الإغفال عنها، لأنّ نريد الجبهة أكبر وأكثر تأثيرًا، كما تستحقّ.


* عريضة ربع المليون توقيع- احترام الإنسان.

عريضة ربع مليون إسمٍ، رقمِ هويّة، عنوان وتوقيع، ومن خلفِهم إنسانٌ عربي له انتماؤه وموقفه ليست بالشيء الذي يمرّ عليه مرّ الكرام (أو اللئام!) وإلا فلمَ لمْ ينجح حزبٌ/ مؤسسةً في جمع مثل هذا الهدف الذي ضرب رقمًا قياسيًا في تاريخ البلاد بين العرب واليهود، وحتى أنّ من بيننا الكثيرين الذين لم يصدّقوا أننا سنصل الى هذا الرقم، وهذا طبيعيّ نظرًا للتحدّي الكبير.

 

هذه العريضة حقّقت من الأهداف الكثير، وأهمّها أنها أكدت على أن المواطن العربي يحترم ذاته، يحترم الإنسان، وأنه لا يصمت إزاء مقتل ثلاثة عشر ضحيّة قبل ثماني سنوات، وإذا كان قرار مزوز ترخيصًا للقتل القادم فإن العريضة جاءت للحيلولة دونه، وفي هذه العريضة اشترك ما يربو على نصف المواطنين العرب البالغين في نشاط سياسي، وكذلك ألوف طلاب المدارس وقد تكون هذه العريضة هي أوّل موقف سياسي يتّخذه بعضهم، وقد نشطنا في قرى لم نزرها منذ سنين، وهذا أمرٌ سيّء، كعرب العرامشة والنواقير وجورديه والشبلي وإم الغنم وراس النبع والعريان وميِِسر ويمّة والمرجة وابثان وبير السكّة وعين نقوبا وبيت رافة وغيرها من الذين وقّعوا بالآلاف، وقد نجحنا بتحويل هذا المطلب إلى إجماع لا لبس فيه.

 

إن كلّ من نشط في جمع التواقيع استمزج آراء الناس ومدى جاهزيّتهم لهذا النضال بهذا الشكل أو ذاك، ولكنّ هذه المشاركة الجماهيرية غير المسبوقة تتطلّب منّا، بالأساس، أن نحمل رسالة الناس بكلّ جديّة وأن لا نخيّب رجاء عشرات الألوف ولا طلاب المدارس الثانوية أو القرى التي زرناها، بعد غياب سنين. هذا الأمر يتطلّب متابعة ومثابرة أكثر.

 

* نقد ذاتي على أدائنا

اجتماع سكرتيري الأحزاب في لجنة المتابعة أظهر تلكؤًا من معظم الأحزاب بشأن المُضي في المعركة الجماهيرية، وقد اقترحت الجبهة مسيرة سيرٍ على الأقدام من الناصرة حتى القدس في غضون ثمانية أيّام، من أجل تقديم القوائم في أكبر مسيرة احتجاجية في تاريخ البلاد، يُشارك فيها ذوو الشهداء مع حضور رمزيّ للأحزاب السياسية، وبشكلٍ يليق  باحترامنا لذواتنا، لقضيّتنا، ويسلّط الضوء بشكلٍ أكبر عليها ويحترم عشرات ألوف التواقيع، ويعطي جوابًا أوّليًا لسؤال الناس الهام والمفتوح: شو صار مع تواقيعنا؟

 

لقد أخفقنا في إثارة الرأي العام العبري حول العريضة وأهمّيتها، وكذلك أخفقنا في توقيع آلاف اليهود الديمقراطيين، رغم أنّ الجبهة انبرت، لوحدها للأسف، فقامت بتوقيع ألف و500 يهودي تقدّمي في الأسبوع الأخير، والحملة ما زالت مستمرّة خاصّة أن من يعتبر قضيّتنا هذه عادلة يتجاوز اليسار التقليدي إلى مركز الخارطة السياسية.

 

الجبهة التي تستحقّ كل التقدير على هذا الإنجاز الكبير والذي أثبت مدى جاهزيّتها وتنظيمها المتماسك إلا أن قطاعات جبهوية واسعة لم تشارك في الحملة، ولو أنها تعاملت مع الأمر بجديّة - بدلا من انتقاد جزيئيات من العمل والركون جانبًا- لأنهينا الحملة بقوّة أكبر ووقت أقلّ وتوزّع العمل على الرفاق بشكلٍ غير منهك كما حدث مع الرفاق الذين جمع كل واحد منهم بضع مئات أو بضع ألوف.
وبقدر الإنجاز الكبير الذي تعجز عنه أحزاب ومؤسسات ضخمة، بقدر ما نعرف أنّنا نستطيع إحراز إنجازات أكبر، وهذا نقدٌ ذاتيٌ رغم الإنجاز الكبير. 

 

* مخيّم توفيق زيّاد التطوّعي- مجرّد أن نقبل التحدّي!

كان التحدّي الأساس هو مجرّد أن نقبل التحدّي بعد 16 عامًا بدون مخيّم، وأن نقول نعم نريد مخيمًا! ليكن المخيّمُ أوليًا ومتواضعًا، نتحسّس فيه مدى جاهزيّتنا وجاهزيّة الناس؛ جلسنا عدّة مرّات، ولخّصنا: صحيح أن الناصرة تغيّرت وأن القضايا الأساسيّة والخدماتية من شوارع ومنشئات متوفّرة في كلّ الأحياء وكذلك الكثير من الكماليات، ولكنّ العمل التطوّعي يصهر مجتمعًا على العطاء والتكافل، يوحّد المشترَك بين أبناء شعبٍ واحد وضد سلطة معادية واحدة ويقوّي الانتماء للبلد الواحد، يساهم في "بناء الأمّة" (Nation Building) في مواجهة مشاريع التشظية والتذرير، وبمشاركة قوى تقدمية يهودية تحمل معنا الهمّ الواحدّ وتغذّ نحو الهدف الواحد، والمخيّم هامٌ لنا كتنظيم فهو يساهم في تعزيز الأواصر الرفاقية.  ومن هذا المخيّم اختمرت القناعة أنّ المخيّم  يجب أن يكون تقليدًا سنويًا، ليس فقط لأهميته المادية، وإنما المعنوية والوطنية والأخلاقية بالأساس، واسمحوا لي أن أدعوكم من الآن للمخيّم القادم في الصيف القادم.
هذا إنجاز إضافيّ كبير وقد جاء في عناوين مواقع الانترنت "مشاركة واسعة في مخيّم توفيق زيّاد التطوّعي" وجاء: " 40 مشروعًا يُنجز بهمّة ونشاط.." وغيرها من العناوين التي تُطري على المخيّم، وتستحقّ جبهة الناصرة وإدارة البلدية كل التقدير على هذا الإنجاز الهام.

 

* نقد ذاتي في أدائنا

 ولكن بقدر أهميّة ونجاح المخيّم ندرك أن قطاعات جبهوية لم تشارك، خاصّة من فروع الجبهات المحليّة خارج الناصرة، وبقدر كُبر الإنجاز الذي تعجز عنه أحزاب ومؤسسات ضخمة، فمرّة أخرى نقول، أن بمقدورنا أكثر وأكثر، خاصّة أن عوامل التجنيد ذاتية، وأُشير إلى أن النشر في مواقع الانترنت عمّا أسمته "صراع في الحزب والجبهة في الناصرة" قبل يومين من المخيم أثّر سلبيًا من حيث معنوية الرفاق بالمشاركة، وكذلك أننا أغفلنا حقيقة أن المخيّم يقع في بحر امتحانات البجروت وامتحانات الجامعات وهذا الجيل هو وقود المخيّم، فكان لكلّ هذا تأثير سلبي على التجنيد، وكان بمقدورنا تجنيد المزيد فوق مئات المتطوّعين المتفانين الذين شاركوا في المخيم، وكانوا علامة نجاحه البارزة.

 

* الاتـحـــاد- أهم مؤسسة وطنية وثقافيّة.


دعوني أدّعي أن "الاتحاد" هي أهم مؤسسة وطنيّة وثقافيّة لدى شعبنا، وقَوام ادّعائي هذا هو تاريخها منذ العام 44، فهي الوعاء المكتنز للذاكرة الوطنية الجماعيّة الفلسطينية في كافّة تواجد أبناء الشعب الفلسطيني، صاغت التفاصيل الصغيرة لأحداث كبرى ولقرى نائية بتفاؤل ثورّي أثبتت السنون مصداقيّته، وهي تصل فجر كلّ يوم إلى ألوف البيوت، وعدد عمّالها في الإدارة والتحرير والتوزيع يتجاوز كُبر أي مؤسسة ثقافيّة أخرى، فهلا أشرتم إلى مؤسسة وطنية وثقافيّة أكبر وأهم من "الاتحاد"؟! و"الاتحاد" هي صحيفة الحزب الشيوعي، وهي، أيضًا، تحمل الخطاب والممارسة الجبهويين.
دعونا نتصارح ونقول أنه في السنوات الأخيرة لا تفي "الاتحاد" بالأمل المعقود عليها، بل هي بعيد عن "الاتحاد" التي عشقها شعبُها في السبعينيّات والثمانينيات، وولكنّها قادرة على النهوض إذا امتلكنا إرادة حقيقيّة وصدق مع الذات، لا أكثر ولا أقلّ.
في العاشر من أيّار انطلقنا نحو مغامرة جمع ألف اشتراك جديد لصحيفة "الاتحاد"، ونحن ندرك أن المهمّة ليست سهلة، وندرك أن وضع "الاتحاد" الحالي لا يسعادنا كثيرًا، ولكنّا ندرك أيضًا، أن مهمّتنا ليست مستحيلة لأنّ للـ"اتحاد" شعبٌ يحميها، ولنا كل الثقّة بشعب "الاتحاد".

 

وصلنا اليوم إلى 500 اشتراك جديد منذ انطلاق الحملة، ونحن مصرّون على بلوغ الهدف، ألف اشتراك جديد.

 

"الاتحاد" على شفا انطلاقة في مضامين موادها وعدد صفحاتها، وهذا يجب أن يشجّعنا كلّنا، وهنا لا بدّ أن أقدّم انتقادًا ذاتيًا، رغم أن الحملة ما زالت مستمرّة، ورغم الإنجاز الحالي الطيّب في جمع الاشتراكات، إلا أن جزءًا كبيرًا جدًا من الجبهويين لم يقوموا بواجبهم ولم يجمعوا اشتراكًا واحدًا، ومن هنا أتوّجه بشكلٍ شخصي ومباشر لقارئ مقالي، أن لا تلقي الجريدة جانبًا وكأنّ هذا المقال موجّه لغيرك، هو موجّه لك بشكلٍ رفاقيّ، شخصيّ ومباشر، فأرجو أن أن تُنهي هذا المقال، عزيزي ورفيقي القارئ، وتعزم على جمع اشتراك واحد – على الأقلّ- للـ"اتحاد" وأن تتّصل بسكرتير الجبهة في فرعك، لنراكم اشتراكا جديدًا في الطريق إلى 1000 اشتراك جديد. 

 

* فيلم توفيق زيّاد- قائد ملهم لأجيال قادمة.

رغم أّننا أرجأنا الشروع في جمع 200 ألف شاقل لفيلم يوثّق حياة القائد الشيوعي والجبهوي توفيق زيّاد بسبب التحضير للمخيّم بالأساس، إلا أنّ الإعلان عن جمع التبرّعات جعل بعض الرفاق والأصدقاء يتّصلون ويدعمون المشروع، والآن سنهتمّ بإحداث قفزة كبيرة لإنجاز هذا المشروع، وهذا وفاءٌ للقائد الكبير بالتأكيد وواجبٌ منّا تجاه عطائه وتاريخه، ولكن ليس هذا وحسب، فزيّاد بنضاله وتفانيه وشجاعته وصدقه هو رمز وقائد ملهِمٌ للأجيال القادمة، فهو ليس مشروعًا من أجل نوستالجيا عزيزة وحسب، وإنّما هو من أجل المستقبل بالأساس، فهيّا يا رفاق الدرب والعطاء، يا رفاق توفيق زيّاد، اتّصلوا بقيادة الجبهات المحلية أو القطرية لنَنجح في جمع هذا المبلغ الذي يستحقّه زيّاد ويستحقّه شعبُنا بشيبه وشبابه.

 

* باتجاه انتخابات السلطات المحلية- تفرّغ شبه كامل.

لا يُخفى عليّ انتخابات السلطات المحلية، ونحن أعرق الأجسام السياسية في خوض هذه الانتخابات، وأكثرها تأثيرًا عليها، خاصّة أن هذه الانتخابات تأتي في ظل استهداف الحكم المحلي في إسرائيل عامّة وإجحاف سلطوي وماكارثيّ واضح ضد السلطات المحلية العربية على وجه الخصوص، وتشظٍ للقيم الجماعية في مجتمعنا وازدياد العنف والآفات الاجتماعية، ومن هنا أهميّة تركّز الرفاق في هذه الانتخابات القادمة، ومع انتهاء هذه المشاريع الجبهوية القطرية سنفسح المجال للتفرّغ شبه الكامل للانتخابات المحلية في الأشهر القادمة.

* * *

من الواضح أننا قادرون على إنجاح كل المشاريع التي وضعناها، وإذا لاحظتم فإنّ التوجّه الأساسي لإنجاح كل المشاريع هو أوسع مساهمة من الرفاق، كلّ الرفاق، والمطلوب هو همّة جماعيّة ومسؤوليّة شخصيّة من كل رفيق ورفيقة، وقد قيل "نفس الرجال بحيي الرجال"، فأهيب بكل رفيق ورفيقة في الحزب والجبهة وأصدقائهما لبذل مجهود متواضع وحقيقي لإنجاح حملتي "الاتحاد" و"فيلم توفيق زيّاد"، وقبل أن تضع الجريدة جانبًا اعقد العزم على تقديم شيئًا لإنجاح مشاريع الجبهة، وكلّها من أجل الخير، كلّ الخير، لمجتمعنا.

أيمن عودة *
الثلاثاء 8/7/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع